توجيه رئيس الوزراء ليس لتطوير نظام البعثات بل لتمرير هبّة الرأي العام (أدلة وقائع شبيهة)
2019-08-19 - 10:41 م
مرآة البحرين (خاص): إذا كنت تتوقع أن يؤدي توجيه رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة بـ"تطوير برنامج البعثات الدراسية الحالي وآليات العمل المتبعة فيه" إلى تطوير برنامج البعثات فعلاً، ووقف آليات الاختيار الطائفيّة والفئوية المدمّرة، فأنت مما لا شك فيه تحلم. لنعدْ إلى الوراء قليلاً ولتتأمّلْ معنا هذه المصفوفة من التصريحات:
- رئيس الوزراء يوجه للتحقق من معلومات بشأن شهادات من جامعات وهمية أو غير معترف بها
- رئيس الوزراء يوجه لفتح تحقيق شامل ومتكامل في واقعة مدرسة مدينة حمد عبر لجنة رفيعة المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء
- وزير الخارجية مصرّحاً بعد واقعة بيت التجّار: من سب شيعة البحرين فقد سب سنتها وهو دخيل ليس منا
فماذا حصل بعد كل هذه التصريحات؟ انتهى التحقيق في الشهادات المزورة إلى لا شيء. لا لأن التزوير غير موجود بل لأن أصحاب التزوير هم أنفسهم صاروا المسؤولين عن التحقيق! لا ملعوماتٍ كما حدث في الكويت عن عقوبات للمتورطين أو توقيفهم عن أعمالهم أو إلزامهم بدفع المستحقات التي حصلوا عليها بناءً على شهاداتهم المزورة. كل ما في الأمر، أمرٌ بتشكيل لجنة للاعتماد الأكاديمي والسلام. وقالت وزارة التربية إنها أحالت مزوري شهادات على النيابة العامة لتخرج الأخيرة وتنفي تلقيها أية بلاغات بشأن "الشهادات المزورة". أما سفير البحرين في روسيا أحمد الساعاتي الذي ثبت تزويره جميع شهاداته من البكالوريوس إلى الماجستير فالدكتوراه فقد أعيد تعيينه سفيراً للبحرين لدى البوسنة والهرسك.
وبشكل مشابه فقد انتهى التحقيق في واقعة مدرسة مدينة حمد بالزعم أن "الواقعة فردية" و"اللاريكا ليست مصنفة كحبوب مخدرة" وأن الفيديو الذي نشرته الطبيبة النفسية د. شريفة سوار "كان مجرد ادعاءات تندرج تحت القذف والتشهير والإثارة وهي منظورة قضائيا". وبقدرة قادر انقلبت القضيّة دراماتيكياً. فبدلاً من محاكمة مروّجي حبوب اللاريكا وسط طالبات المدارس والذين تبين أنهم من منتسبي العائلة الحاكمة فقد وجهت النيابة العامة للطبيبة شريفة سوار تهمة "القذف علناً في حق الشاكين" و"نشر أخبار كاذبة" و"إساءة استعمال وسائل الاتصال". ثم أعيد بعد هذه القضيّة فقط تصنيف اللاريكا "كحبوب مخدرة لا تصرف إلا بوصفة" ولكن فقط بعد إغلاق ملف هذه القضيّة وتأمين حماية المتورّطين.
وأما ثالثة الأثافي فقد تمّت تبرئة المستشار المصري ياسر العطّار من تهمة "سب الشيعة" في عمومية بيت التجار رغم توثيق الحادثة بالصّوت والصورة وكلمات الشتم التي تفوّه بها. وقدّمت المحكمة مرافعة عن المتّهم يعجز عن تقديم مثلها أكبر محامي. فقد اعتبرت أن "قيام أحد الأشخاص بنعت آخر أنه ينتمي إلى طائفة من الطوائف ليس من شأنه أن يترتب على ذلك الازدراء بتلك الطائفة بل يجب [على الأخير] أن يكون فخورًا بتلك الطائفة ولا يخجل من أنه ينتمي إليها". وتم التعامل مع الحادثة كـ"خناقة صبية الفريج" وُبّخ فيها الطرفان وتم تدفيعهما غرامة مالية والسلام عليكم.
هذه وقائع ثلاث لنوعيّة تدخل الحكومة وأجهزتها في أحداث اهتزّ لها الرّأي العام البحرينيّ. فهل تتوقع أن تكون نتيجة توجيه رئيس الوزراء بتطوير آلية الابتعاث غير ذلك؟ إذا كنت تعتقد ذلك فعلاً فعليك أن تذهب إلى أقرب مصحّ.
نص توجيه رئاسة الوزراء على "تكليف المجلس الأعلى لتطوير التعليم والتدريب" بالقيام بعملية التطوير. فمن هم أعضاء هذا المجلس؟ بحسب قرار رئيس الوزراء الصادر في فبراير/ شباط من العام الجاري 2019 بإعادة تشكيل المجلس فهو يضم: وزير التربية والتعليم، وزير المالية والاقتصاد الوطني، وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وزير شؤون الشباب والرياضة، رئيس مجلس إدارة هيئة جودة التعليم والتدريب، رئيس مجلس إدارة صندوق العمل، الرئيس التنفيذي لهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية، ورئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين.
إنها أزمة التشكيل نفسها التي تمّ بموجبها دفن قضية الشهادات المزورة على مقربة منّا في العام الماضي فقط. فوزير التربية المتهم باعتماد وزارته الطائفية المدمّرة في برنامج الابتعاث منذ سنوات هو نفسه من سيتولى المشاركة في عمليّة تطويره. إنه التاريخ نفسه حين يعيد نفسه مرّة على هيئة مأساة ومرة على هيئة مهزلة. كان يمكن لرئاسة الوزراء أن تأمر بشفافية النشر في نتائج الابتعاث لهذا العام على الأقل. لكنها لم تفعل لأنها لا تريد أن تفعل أي شيء، إنما فقط تمرير هبّة الرّأي العام الحانقة كما فعلت بالضّبط مع الهبّات الشبيهة في الوقائع الثلاث السابقة.