لا يشوف أمه
محمد نجم - 2011-05-24 - 9:56 ص
محمد نجم*
تقول نكنة مصرية أن رجلين نذل وأنذل حكم عليهما بالإعدام وحين سؤلا ماذا يريدان قبل تنفيذ الحكم قال الأول أريد رؤية أمي فقال الآخر لا أريد شيئا لنفسي، فقط لا تخلوه يرى أمه.
هذا حال تجمع الوحدة الوطنية اليوم فبعد كل الآمال التي علقت على الدكتور الشيخ المحمود وهو رجل طيب وفاضل لكنه غبي وأحمق وليس في موقعه تماما، فبعد كل ما علق عليه من آمال من الطرف المقابل للمعارضة وجد أن كل ما يطلبه لاعلاقة له بما يريده هو وما يريده تجمعه بل ما يريده الطرف المعارض. ويفوق عدد تصريحات المحمود حتى الآن العشرين تصريحا منذ تأسيس التجمع و معظمها تتحدث عن المعارضة والدعوة إلى عدم الحوار معها ورفض مطالبها بينما لا يعرف أحد بالضبط على لسان المحمود ما هي مطالب تجمع الوحدة الوطنية. إنه تماما كصاحبنا في النكتة المصرية الذي يقول لا تدعوا المحكوم الآخر يرى أمه و صاحب الفضيلة يقول لا تستجيبوا للمعارضة.
لقد شهد الشهر الجاري هجوما شديدا في الصحف الحكومية على خيار تحول تجمع إلى جمعية سياسية. ويمكن فهم هذا التحذير من تحول التجمع إلى جمعية سياسية في أن الجمعيتين السياسيتين الرئيسيتين في تيار التجمع وهما المنبر والأصالة ومعهما بعض جمعيات الذيل الهامشية تخشى من صعود التجمع كتيار مستقل عنها وتريده يمشي وفق أجندتها ولا تكون له أجندة سياسية خاصة به. ويلاحظ حتى الآن أن كل تصريحات هذه الجمعيات التي تتحدث عن دور لها في الحوار لم تطلب وجود تجمع الوحدة الوطنية بصفته على طاولة الحوار بل تريد وجودها هي كجمعيات بدلا عنه.
وإذا كانت مشكلة الوفاق الأزلية التي عانت منها وستظل تعاني منها ما لم تشكل لها عقيدة سياسية جديدة هي عدم الحسم في اللحظات التي تتطلب مثل هذا الحسم بين الطبيعة المؤسسية والعبء الجماهيري وعدم الانتقال من عهد الثورة إلى عهد الدولة حيث يتم التضحية غالبا بمصلحة القرار الحزبي لصالح القرار الجماهيري، فإن تلكم الإشكالية ذاتها اليوم يعاني منها تجمع الوحدة الوطنية حيث تتصارع الرغبة في التحول إلى شكل مؤطر سياسيا مع الرغبة في البقاء خارج التأطير.
يمثل تشكيل تجمع الوحدة الوطنية عمليا تجسيدا لدعوة عبد الله هاشم أحد الأعضاء البارزين في التجمع الآن واليساري السابق و التي نادى بها دائما وهي ألا يترك التسييس فقط حكرا على فئة من الشعب دون أخرى وأن الدولة طوال سنوات بحسب هاشم ظلمت هذا المكون ليس بإقصائه كما حدث للمكون الشيعي لكن باحتوائه والاحتواء أخطر من الإقصاء.
فمنذ سبعينات القرن الماضي لم يكن لهذا المكون أي دور في التعاطي مع الاشكاليات السياسية التي كانت محل نزال ضار بين الحكم من جهة والمعارضة من جهة أخرى بينما بقي مكون الوحدة الوطنية في موقع المتفرج.
ومع أن سيرة عبدالله هاشم هي سيرة المغامر الذي لا يكل عن المجازفة بغض النظر عن النتائج وهي مجازفات وصلت به أحيانا لتبني أمورا تتناقض مع بعضها فمن الدفاع عن معتقلي الشيعة إلى الدفاع عن رئيس المخابرات ومن تبني الفكر اليساري إلى تبني مكافحة البرامج التليفزيونية الماجنة، مع كل هذا التضارب في سيرته إلا أنه قدم أرضية فكرية لا بأس بها في الدفاع عن فكرة أهمية تسييس المكون السني والذي كان له النصيب الأوفى في قيادة الحراك المطلبي عبر التيارات القومية فاليسارية في الخمسينات والستينات والسبعينات قبل أن تنهض الثورة الإيرانية بالمكون الشيعي من الثمانينات فلاحقا.
غير أن الرياح تجري دائما وكالعادة بما لا يشتهي هاشم الذي عبر عن حزنه مؤخرا بأن الرمز الوحيد في القيادة الذي قبل بالالتقاء مع تجمع الوحدة الوطنية بصفته هو رئيس الوزراء. غير أن ما لم يقله هاشم هو أنه حتى رئيس الوزراء نفسه لا يريد للتجمع أن يكون فعلا كيانا سياسيا حقيقيا فيذهب أبعد من التعبير عن موقف الحكومة وأن كل ما يمكن للتجمع حاليا أن يعبر عنه هو رفض مطالب المعارضة ورفض الحوار الثنائي بينها وبين الحكومة وبالتالي أن لا يرى المحكوم الآخر أمه.
*كاتب بحريني