» رأي
سُعار ما قبل 1 يونيو
نادر المتروك - 2011-05-22 - 7:55 ص
نادر المتروك
يزور السّيد فيلتمان، المسؤول الأميركي، البحرينَ، فتقعَ حادثة مشبوهة في قرية النّويدرات، لا يجدُ علماءُ الجنايات بُداً من تصنيفها باعتبارها واحدةً من أكثر غباءات السّلطة.
الحادثةُ كانت تركيبةً غير جديدة أُريد منها أمرين، الأوّل إعادة التّرويج المُختلّ الذي يتّهمُ الحركة السّلميّة بالعنف والإرهاب، والآخر تحريك انفعالات الشّحن المذهبي الذي يقوده تجمّع الوحدة الوطنيّة، خصوصاً بعد الأنباء التي تشير إلى افتضاضه من الدّاخل، واستطاعة الجناح الأمني السيطرة على قراره بالمطلق. يؤشّر ذلك إلى أنّ الأفق الآمِن للسلطة بات ضيّقاً جدّاً، وأنّ الدّعوات المتكرّرة التي تطالبها بالتهدئة وكبْح الخيار الأمني؛ ما عادت تستطيع معها تحايلاً أو تحمّلاً، فواجهتها بمزيدٍ من الطغيان والتضليل والمُروق.
يُعاني النّظامُ من فقدان السّيطرة على عمليات إدارة الوضْع، وهو ما يعني أنّ كلّ أصحاب الأجندة التّخريبيّة في مؤسّساته – القديمة والجديدة، المعروفة وغير المعروفة – يتدافعون بسرعةٍ جنونيّة لإحداث أبلغ الأضرار غير القابلة للاحتمال، طريقاً لدفْع الحركة إلى خياراتِ المواجهة غير المنضبطة، وبالتّالي اقتناص المكاسب الضاغطة: الشّخصيّة والطائفيّة. لهذا يمكن فهْم المتوالية التّالية: اجتثاث السّلميين، ضغوط خارجيّة، دعاوى قضائيّة دوليّة، أحكام قاسية، فبركات أمنيّة، جولات مكوكيّة لتلميع الصّورة، حشْد مستأنف لخرافة العدو الصّفوي ومؤامرة حزب الله، والتعاضد الملتبس طائفياً في البسيتين وغيرها.
قيادةُ العمليات تعلمُ جيداً بهذا التّهلْهل "والانفلات" الميداني، والجنرالاتُ يدركون تماماً "ميوعة" الأرض التي تتحرك فوقها الأجهزة، وهم يعملون حثيثاً – في إطار العدّ التّنازلي لقانون الطوارئ – على الخروج بمكاسب حقيقيّة يُمكن ضخّها في بيان الوداع. إضافة إلى الخليط البشري غير المتجانس، وضبابيّة الهدف العسكري المطلوب؛ فإنّ الأجهزة المتعدِّدة الجهات والأهداف والجنسيات التي تواجِه الحركة الشّعبيّة (هذه الأجهزة) تجد نفسها مخنوقةً في طرق مسدودة. هنا تحديداً، تبرزُ مهمّة الإعلام "الحربي"، والجماعات المفبركة معاً. كلاهما يعملُ على تقديم القصص الكفيلة برْفع المنسوب الهابط لمعنويّات العسكر، ومن جهةٍ أخرى؛ تحفيز المجال الطائفي "غير الحيوي" وإشْراكه في التغطية على "العمليات العسكريّة" غير المقبولة دوليّاً.
لهذا السّبب، قُدِّمت حادثة الدّهس المزعومة على أنها عمليّة تحملُ "بصمات" حزب الله اللّبناني، وهو العدوّ النّمطي للولايات المتّحدة، كما حرص الإعلامُ الحربي في تغطيته لها على استدعاء الجُمل العقيديّة الخاصة بإيران وبإيقاعٍ فتنوي مكشوف اعتاد هذا الإعلام عليه طوال الأحداث. إنّه أوْجُ جنوني آخر، غرضه هذه المرّة إجهاض المكاسب الإعلاميّة والأخلاقيّة للحركة المطلبيّة بين شعوب العالم. فشلت الزّياراتُ الإقليميّة في إقناع أحدٍ بالجرائم السّيارة، فالجريمةُ أوضحُ من الشّمس.
هذا الجنون يأتي متزامناً مع تغيّراتٍ موضعيّة في الموقف الأميركي الرّسمي، عبّرت عنه أولاً حيثيّات جلسة الكونغرس، والاشتغالات الصّحافيّة والمدنيّة المتنامية هناك، وأخيراً خطاب الرّئيس أوباما الذي شكّل إحراجاً لأهم مفاصل النّظام العسكري الذي طحنَ البلاد والعباد بطاحونة القمع اللا محدود. ماذا بعد؟ ظنّ كثيرون أنّ كلمة السّر هي: "مجزرة". تمّ ارتكاب أكثر من واحدة، وبقيَ الخذلان والتردّد وحملات التّبرير تُحاصِر ثورة "اللؤلؤة".
مع تصاعُد الافتراس والتّطهير؛ سقطت أقنعةٌ كثيرة، وأفلست الأسنّة والألسنة، وكسبت الثّورة صديقاً تلو الآخر. كلّ ليلةٍ تتحرّكُ الضّحايا من مراقدها، وتزيح عنها الانكسار بالتّكبيرات وأصوات العِناد. تفتّحت أبوابٌ ما كان يُتوقَّع أن تُفتح عندما كان دوّار اللؤلؤة يُنهش بالطائرات الحربيّة وبنيران درع الجزيرة، وكأنها آخر النّهايات. طوّقَ النّاسُ المجازر، وفعّلوا مخزون الصّبر ومخادَعة الآلام ونُذُر القتْل السّامة. وكانت كلمة السّر هنا، الكلمة التي وصلت "واشنطن" مزاحِمةً أكثر ملفات الشّرق الأوسط تعقيداً. ولا فخرَ أو غرور!
يزور السّيد فيلتمان، المسؤول الأميركي، البحرينَ، فتقعَ حادثة مشبوهة في قرية النّويدرات، لا يجدُ علماءُ الجنايات بُداً من تصنيفها باعتبارها واحدةً من أكثر غباءات السّلطة.
الحادثةُ كانت تركيبةً غير جديدة أُريد منها أمرين، الأوّل إعادة التّرويج المُختلّ الذي يتّهمُ الحركة السّلميّة بالعنف والإرهاب، والآخر تحريك انفعالات الشّحن المذهبي الذي يقوده تجمّع الوحدة الوطنيّة، خصوصاً بعد الأنباء التي تشير إلى افتضاضه من الدّاخل، واستطاعة الجناح الأمني السيطرة على قراره بالمطلق. يؤشّر ذلك إلى أنّ الأفق الآمِن للسلطة بات ضيّقاً جدّاً، وأنّ الدّعوات المتكرّرة التي تطالبها بالتهدئة وكبْح الخيار الأمني؛ ما عادت تستطيع معها تحايلاً أو تحمّلاً، فواجهتها بمزيدٍ من الطغيان والتضليل والمُروق.
يُعاني النّظامُ من فقدان السّيطرة على عمليات إدارة الوضْع، وهو ما يعني أنّ كلّ أصحاب الأجندة التّخريبيّة في مؤسّساته – القديمة والجديدة، المعروفة وغير المعروفة – يتدافعون بسرعةٍ جنونيّة لإحداث أبلغ الأضرار غير القابلة للاحتمال، طريقاً لدفْع الحركة إلى خياراتِ المواجهة غير المنضبطة، وبالتّالي اقتناص المكاسب الضاغطة: الشّخصيّة والطائفيّة. لهذا يمكن فهْم المتوالية التّالية: اجتثاث السّلميين، ضغوط خارجيّة، دعاوى قضائيّة دوليّة، أحكام قاسية، فبركات أمنيّة، جولات مكوكيّة لتلميع الصّورة، حشْد مستأنف لخرافة العدو الصّفوي ومؤامرة حزب الله، والتعاضد الملتبس طائفياً في البسيتين وغيرها.
قيادةُ العمليات تعلمُ جيداً بهذا التّهلْهل "والانفلات" الميداني، والجنرالاتُ يدركون تماماً "ميوعة" الأرض التي تتحرك فوقها الأجهزة، وهم يعملون حثيثاً – في إطار العدّ التّنازلي لقانون الطوارئ – على الخروج بمكاسب حقيقيّة يُمكن ضخّها في بيان الوداع. إضافة إلى الخليط البشري غير المتجانس، وضبابيّة الهدف العسكري المطلوب؛ فإنّ الأجهزة المتعدِّدة الجهات والأهداف والجنسيات التي تواجِه الحركة الشّعبيّة (هذه الأجهزة) تجد نفسها مخنوقةً في طرق مسدودة. هنا تحديداً، تبرزُ مهمّة الإعلام "الحربي"، والجماعات المفبركة معاً. كلاهما يعملُ على تقديم القصص الكفيلة برْفع المنسوب الهابط لمعنويّات العسكر، ومن جهةٍ أخرى؛ تحفيز المجال الطائفي "غير الحيوي" وإشْراكه في التغطية على "العمليات العسكريّة" غير المقبولة دوليّاً.
لهذا السّبب، قُدِّمت حادثة الدّهس المزعومة على أنها عمليّة تحملُ "بصمات" حزب الله اللّبناني، وهو العدوّ النّمطي للولايات المتّحدة، كما حرص الإعلامُ الحربي في تغطيته لها على استدعاء الجُمل العقيديّة الخاصة بإيران وبإيقاعٍ فتنوي مكشوف اعتاد هذا الإعلام عليه طوال الأحداث. إنّه أوْجُ جنوني آخر، غرضه هذه المرّة إجهاض المكاسب الإعلاميّة والأخلاقيّة للحركة المطلبيّة بين شعوب العالم. فشلت الزّياراتُ الإقليميّة في إقناع أحدٍ بالجرائم السّيارة، فالجريمةُ أوضحُ من الشّمس.
هذا الجنون يأتي متزامناً مع تغيّراتٍ موضعيّة في الموقف الأميركي الرّسمي، عبّرت عنه أولاً حيثيّات جلسة الكونغرس، والاشتغالات الصّحافيّة والمدنيّة المتنامية هناك، وأخيراً خطاب الرّئيس أوباما الذي شكّل إحراجاً لأهم مفاصل النّظام العسكري الذي طحنَ البلاد والعباد بطاحونة القمع اللا محدود. ماذا بعد؟ ظنّ كثيرون أنّ كلمة السّر هي: "مجزرة". تمّ ارتكاب أكثر من واحدة، وبقيَ الخذلان والتردّد وحملات التّبرير تُحاصِر ثورة "اللؤلؤة".
مع تصاعُد الافتراس والتّطهير؛ سقطت أقنعةٌ كثيرة، وأفلست الأسنّة والألسنة، وكسبت الثّورة صديقاً تلو الآخر. كلّ ليلةٍ تتحرّكُ الضّحايا من مراقدها، وتزيح عنها الانكسار بالتّكبيرات وأصوات العِناد. تفتّحت أبوابٌ ما كان يُتوقَّع أن تُفتح عندما كان دوّار اللؤلؤة يُنهش بالطائرات الحربيّة وبنيران درع الجزيرة، وكأنها آخر النّهايات. طوّقَ النّاسُ المجازر، وفعّلوا مخزون الصّبر ومخادَعة الآلام ونُذُر القتْل السّامة. وكانت كلمة السّر هنا، الكلمة التي وصلت "واشنطن" مزاحِمةً أكثر ملفات الشّرق الأوسط تعقيداً. ولا فخرَ أو غرور!