» رأي
إعلامنا في بازار شركات العلاقات عامة
علي داوود - 2011-05-22 - 7:30 ص
علي داوود
الحرب الإعلامية التي تقودها كتيبة الإعلام الرسمي في دول الخليج ضد الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية والإصلاح أثبتت بأن الشارع يملك هامشاً كبيراً للمناورة في هذه المعارك، ففي الوقت الذي تستهلك فيه السلطات كل أدواتها التقليدية في تحشيد الرأي العام، كالتوسل بالوطنية والتصعيد من فكرة الخطر الخارجي، سنجد استثماراً فعالاً لديمقراطية وسائل الاتصال الحديثة التي أتاحت مجالاً لتجاوز آليات الضبط الرسمي، ولإعادة تفكيك مفهوم السيطرة على المعلومة في فضاء تداولي خارج أطر السيطرة التقليدية.
لا يمكن لأحد أن يستخف بهذه المعادلة الجديدة التي كان لها دور جوهري وحاسم في إدارة المشهد الاحتجاجي في مرحلة ما يعرف بالربيع العربي، فكل المساعي السلطوية لدفع الأصوات المختلفة ناحية العزلة انتهت إلى فتح طرق أخرى يصعب سدها، طرق يقدم من خلالها أولئك التائقون للحرية تصوراتهم وآمالاهم، ويتحدون بها أشكال الزيف الإعلامي التي استحالت مرايا مكبرة للخوف الرسمي.
هذا المشهد من اختلال ميزان القوى التقليدي تكشف عنه الخسارة المتواصلة للمرويات الرسمية في سوق الإعلام الدولي، إذ لم يفلح هذا الاصطفاف الجماعي في الصحف الرسمية الخليجية ضد حركة التغيير في البحرين في تحقيق اختراق معتبر للرأي العام الدولي الذي ذهب في معظمه إلى إدانة طريقة التعامل مع الأزمة وإدارتها، بل كانت الانتقادات قد اتخذت اتجاهاً تصاعدياً ضد ممارسات السلطة التي ارتبطت بالقمع الأمني والتعذيب الممنهج وإذكاء الطائفية.
فشل السلطة هذا عبرت عنه الصحافة الرسمية على أكثر من وجه، عبر اختلاق المزيد من الحكايات المفبركة ضد المعارضة تارة، وعبر توجيه الاتهام لكل المنظمات والصحف الأجنبية المتعاطفة مع المشاركين في الاحتجاجات تارة أخرى، وكان التوسع في هذين الاتجاهين قد انتهى بصورة قاسية مع خطاب أوباما الأخير الذي سعت الصحف البحرينية و الخليجية إلى احتوائه على طريقتها، إما بالتشديد على إشارته لمحاولة ايران استثمار الأحداث في البحرين، أو بدفع المزيد من كتاب الصف الأول والثاني لمساجلته إعلامياً وتبيان انحياز الرئيس الامريكي لرواية المعارضة.
لا يمكن للبحرين وجارتها الكبرى أن تستمر في إبداء عدم الاكتراث بما تقدمه وسائل الإعلام الأجنبية حول شئونها الداخلية، لكنها في سياق المعالجة لا تعرف طريقاً غير الدفع ناحية توظيف شركات العلاقات العامة الدولية لإعادة تلميع الصورة، وهي شركات تنتعش حظوظها أكثر في الأزمات، ولا يضيرها غالباً أن تتماهى مع دول ذات طبيعة استبدادية، طالما كانت قادرة على توفير مصادر متجددة للسيولة النقدية.
مثلت هذه الشركات دور الرافعة الاعلامية في محطات عدة خلال العقود الفائتة، ولعل أبرزها الحملة الكويتية في مرحلة مابعد حرب الخليج، والحملة السعودية التي تلت احداث 9/11، وهي لا تغييب عن المشهد السياسي الخليجي لأنها جزء من أدوات الهيمنة وتعزيز القوة، وكان مدير منظمة حقوق الإنسان بنيويورك قد أدان قبل أيام الدور المشبوه لهذه الشركات في تلميع الانظمة وتزييف الحقائق، واتهم صراحة الشركة الامريكية Qorvis Communications بإدراة حملة لتشويه صورة مريم خواجة داخل أمريكا أثناء إلقاء كلمتها في منتدى الحرية في أوسلو، وأنها عمدت إلى تدشين مدونات زائفة على النت ومثلها رسائل على تويتر لتوجيه الاتهام لخواجة بأنها عميلة لإيران وعدوة للشعب البحريني، وقد سبق لذات الشركة أن عمدت إلى تمرير تصريح وزيرة الخارجية الإمريكية الذي دعت فيه إلى الحوار بين السلطة والمعارضة بعد إخفاء الجزئية التي تنال بالنقد طريقة تعامل الحكومة مع الأحداث.
بالتأكيد لن تستطع هذه الشركات أن تمحو الصورة السيئة التي بدت عليها الأنظمة الخليجية خلال الأزمة، غير أنها ستبحث لها عن إطار وقالب جديد لصيانة سمعة هذه الأنظمة، ولأنها مهمة شبه مستحيلة، سيكون من الصعب تقدير الافق الزمني لإنجازها، الأمر الذي سيمنح شركات العلاقات العامة فسحة واسعة لاستنزاف المزيد من الأموال.