تمثال لؤلؤة البحرين اختفى لكنه صار رمزا للديمقراطية
2011-05-18 - 9:14 ص
فيليب كينيكوت - واشنطن بوست:
ترجمة: مرآة البحرين
وقف تمثال اللؤلؤة في قلب البحرين إبّان ربيع الانتفاضات العربية كقطعة كلاسيكية من غير معنى حقيقي سوى اصطناع حداثة، و اجتذاب الأنظار من النخبة الراقية في المجتمع والحكومات المستبدة. ومع تنامي الاحتجاجات الطائفية بين المعارضة من الأغلبية الشيعية المهمشة وطبقة الحكومة السنية مع اندلاع احتجاجات منتصف فبراير/ شباط، غدا تمثال اللؤلؤة رمزاً فريداً غير مسبوق لحركة ديمقراطية قوية.
ولكن كما قُمعت المعارضة في 18 مارس/ آذار بعد ثلاثة أيام من دخول قوات الجيش الأجنبية من السعودية ودول أخرى في الخليج الفارسي لتعزز القبضة الأمنية على المتظاهرين، قامت الحكومة بالإطاحة بتمثال اللؤلؤة.
طول النصب 300 قدم، وتم بناؤه عام 1982 للاحتفاء بذكرى اجتماع عقد بين دولة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجيي الست. ويماثل النصب تصميم زجاجة عطر رخيصة الثمن، في محاولة واضحة لإنشاء رمز في لحظة زمنية. يعتلي النصب مجسم كروي تسنده أعمدة ستة، يمكن عبره استعادة تاريخ البحرين كمركز لتجارة اللؤلؤة، ومستقبلها في إمكانية التكامل ضمن إقليم اقتصادي يغذيه النفط، التجارة ومضاربات الأسهم.
هناك عجز داخلي في كثير من الأنظمة الاستبدادية، وحين فسّرت حكومة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عمدها لتكسير النصب، نطقت بتناقض وارتباك. كان ذلك جزءًا من عملية إعادة تنظيم حركة المرور وإعادة تطوير دوار اللؤلؤة كما قالت الرواية الرسمية، في حين أنه في الواقع كان تجمعاً لعشرات الآلاف من المتظاهرين قبل أن تستخدم القوات الحكومية الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين. وقد تحدث وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة عن السبب الحقيقي الذي يعرفه الجميع: "أزحنا التمثال لإزالة ذاكرة سيئة".
لسوء الطالع، العجز كان أوضح ما يكون بعد إزاحة حطام التمثال، حيث قُتل عامل من الحطام المتساقط. فيديو تحطيم التمثال على قناة يوتيوب، يعرض مقدمة و نهاية تحطيم النصب حيث اقتطع جزء مقتل العامل.
وذهبت الحكومة إلى أبعد من ذلك. فقد كان التمثال جزءًا من علامة العراقة للنظام، معلم سياحي ومظهر لتواجده في كل مكان من كاتالوج البلاد الرمزي. أما بعد تحطيم التمثال فقد اختفت معظم هذه المعالم. فئة 500 فلس النقدية المتداولة التي تحمل رمز التمثال على أحد الوجهين، سحبت من التداول. و كذلك سُحبت تذكارات تمثال اللؤلؤة وسلاسل المفاتيح، وتذكارات أخرى ازدهرت فيما بعد حركة المطالبة بالديمقراطية التي اتخذت من نصب اللؤلؤة رمزاً للحركة.
"أي إشارة للؤلؤة يمكن أن توقعك في المشاكل اليوم"، قال أحد الفنانين الشباب وهو يخشى من الاعتقال حين معرفة أنه أدلى بهذا التصريح. أضاف "كأن شيئاً لم يكن. أو فقط على فايسبوك والإنترنت" في إشارة إلى زوال معالم نصب اللؤلؤة.
شطب رمز ليس بالعملية السهلة. بطبيعتها، الرموز أكبر من المجسم المادي، وتتداول بطرق معقدة. تفسير وزير الخارجية لتحطيم النصب "لمحو ذاكرة سيئة" يبدو مثل العادة الشائعة في إخفاء صورة عاشق خائن أو أقرباء من المجرمين.
إن من أكثر الأعمال انتقامية في البحرين: هو تدنيس لمجسم سرعان ما تحوّل على نطاق واسع بالنسبة لغالبية السكان بمثابة التأكيد إلى قوة السلطة عن طريق السيطرة على التناظر والمناظر المادية.
شباب أكثر انفتاحاً وعالمية على حد سواء من البحرينين أرعبوا من إزالة التمثال. شبّهت أحد النساء إزالة النصب بحادثة تدمير تمثالي بوذا في باميان في أفغانستان عام 2001. ليس ذلك بسبب عراقة تاريخ نصب اللؤلؤة ولا الأهمية الفنية في تصميمه. لكن لأن تدميره يبدو كحركة طفولية فوضوية حمقاء. وكانت هناك خسائر يؤسف عليها.
وقال شاب آخر تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته "لقد كانت مفاجئة سريعة، ولكنها أحدثت فرقاً". ليس بسبب مظهرها المادي ولكن بسبب تأثيرها المعنوي على حياتنا".
امتلأ إقليم الخليج بمظاهر الفنّ والعمارة التي تبدو جميلة لكنها لاتعني شيئاً. لا يوجد مكان على الأرض يستطيع المحافظة بنجاح على الحداثة التي تشير إلى التقدم ويعمد لمسخها من أي شيء متعلق بنزاع سواء إصلاح أو انفتاح ليبرالي.
عقود مضت وكان تمثال اللؤلؤة يضفي صورته النمطية: مجسم أبيض أنيق يقترح بشكل غامض وجود ماض مشترك ومستقبل واعد حين انتهى بناؤه منذ 3 عقود زمنية. فاق نصب اللؤلؤة كل شيء من حوله. البحرين كمثل الجيران الخليجيين، بدأوا ببناء أبراج زجاجية شاهقة أكثر ارتفاعاً. و بدأت اللؤلؤة كما لو كانت أصيلة.
لم يخطط أحد لذلك ولكن معانٍ عدة برزت على عدة مستويات. مساحات شاسعة من الجزيرة الرئيسة تسيطر عليها العائلة المالكة الخليفية، التي تركت باقي أجزاء الجزيرة مكتظة بالجوع. المطورون الآن يتجهون بشكل روتيني نحو البحر لدفن مساحات شاسعة من الخليج لمشاريع إسكانية وتنموية جديدة. كل ذلك يأتي بكلفة. القرى التي كانت ساحلية غدت جافة و بعيدة عن الساحل، لايربطها أي شيء بالمياة.
يسود شعور عميق من الحنين، بالأخص في صفوف الشيعة، للأيام الخوالي، حين كان الأولاد يسبحون بحثاً عن ينابيع المياه العذبة القريبة من الشاطئ. تلك الينابيع جف أغلبها، وهو تغيير بيئي سيء العواقب، هزّ شعور البلاد كواحة حضراء. ذكريات من الماضي تتعلق بصيد اللؤلؤ التي كانت تجارة مربحة، لكن قمع الغواصين ازداد ضبابية وتعقيداً.
ويمثل نصب اللؤلؤة معانٍ أخرى من الكلفة الاجتماعية للازدهار والعولمة وثقافة الاستهلاك ومراكز التسوق والطرق السريعة الجميلة أدت إلى روح زائفة من انعدام انتماء.
كان نشاط المواطنين العاديين تقديم المطالب التي بدت غير مقبولة عند الحكومة. وفي نيسان/ أبريل حين عمدت الأسرة الحاكمة للقبضة الأمنية ضد المعارضة، ومن ضمنهم نشطاء حقوق الإنسان، وأدت إلى مقتل بعض السجناء من جراء التعذيب، أعلنت الحكومة عن تمثال جديد يظهر في تقاطع مروري لكن بغير جوهر.
إنها خريطة البلاد هذه المرة، حيث تبدو بغرابة كقلب ممزق من كبش فداء. كانت مصنوعة من البلاستيك، الألمنيوم والألياف الزجاجية، لكنها أسهل للتدمير من هيكل الخرسانة والمعدن لنصب اللؤلؤة القديمة، وخطوة ذكية في حال بدأ هذا التمثال يحمل معنى غير مرغوب فيه.
معظم الناس هنا كانوا يتحدثون عن تمثال اللؤلؤة المُدمر الذي يعبر عن غضب أعمى وتدمير للذات من قبل الحكومة. إحدى القرى الشيعية اختلقت مجسماً صغيراً يشبه دوار اللؤلؤة، مجسم يرمز لصورة الشهيد. و كان التمثال لا يتزحزح من شبكة الإنترنت، حيث بدأ ينشط كثير من العداء للنظام بعد تدمير حركة الاحتجاجات التي قُمعت.
تدمير مجسم التمثال يبدو في البداية حالة عنف على الطراز القديم ولكن قد يبدو هذا المهم بالنسبة لهم، وكأن المجسم الفيزيائي هو المهم. في عمر افتراضي، أصبحت الحقيقة الحديثة ثمينة. باحتضانها تمثال اللؤلؤة، أضفت حركة المطالبة بالديمقراطية بريقاً حقيقياً لمادة لم يكن يفترض لها أن تحمل غير مجسم أجوف خالٍ من أي معنى. النشطاء بإمكانهم أن يستعينوا بالإنترنت لتأسيس مجموعات وتنظيم مسيرات. لكن كان التواجد الفيزيائي لهم بأعداد كبيرة، غير آبهين بالرصاص والغاز المسيل للدموع، دافعاً لجعل الحكومة تغير من أسلوبها.
لا تستطيع الحكومة البحرينية أبداً طمس تمثال اللؤلؤة من الذاكرة، و لكنها تستطيع إزالة التمثال نفسه، تماماً كما تستطيع تغيير شكل الجزيرة المادي التي هي موطن لمجتمع منقسم على نفسه. سلطة القوة في حقيقة الأمر تبدو ذات طراز قديم جداً. الحركات قد تبدأ من فضاء الإنترنت ولكنها الثورة رقم 1 التي ستغير العالم.
13 مايو/ أيار 2011