البحرينيون لن تقتلهم الكوليرا
نضال الوطني - 2011-05-18 - 7:00 ص
نضال الوطني*
صوّر إعلام هوليود "الهنود الحمر" في أفلامه بأنّهم سفاكو دماء وقتلة، وأنّهم هم من يبدأون الإغارة على المدن، وينهبون خيراتها، وقد صدّقنا ونحن صغار هذه الحكاية، وصرنا نخاف الهنود الحمر، حتى وإن كنّا لا نراهم إلا على شاشة التلفزيون ضمن فلم سينمائي.
وكبرنا، واكتشفنا أنّ الحقيقة عكس ما كنّا نسمع ونرى، وعرفنا إلى أي مدى يؤثرّ الإعلام على توجيه فكر المجتمع، من حيث أنّه سلاح فتاك وفعّال وقادر على إما طمس الحقائق أو إلى إظهارها للنور.
فعلى رغم من أنّ الأوربيين هم الذين استعمروا أراضي الهنود الحمر في أمريكا في القرن الخامس عشر الميلادي، إلا أنّ الهنود الحمر حاولوا التعايش مع الوضع الجديد، من خلال تبادل التجارة، والتعاطي مع المستعمر بما يكفل لهم العيش بأمن. غير أنّ الأوربيين استولوا على أراضيهم، وبدأوا حملة إبادة لهم في كندا وأميركا حيث كان عددهم يقدّر حين وصول كريستوفر كولومبس عام 1492م ما بين 40 إلى 90 مليوناً. ومن بين الأساليب التي استخدمت لتصفية هذا الشعب إضافة للتصفية الجسديّة المباشرة بالقتل، استخدام الأوربيين أساليب إبادة بشعة وذلك بجلب الأمراض لهم عن طريق الحرب البيولوجية كالجدري، والحصبة، والطاعون والكوليرا، والتيفوئيد، والدفتيريا، والسعال الديكي، والملاريا، والأوبئة التي كانت تحصد السكان الأصليين.
اليوم يبلغ عدد الهنود الحمر 4.1 مليون نسمة، يمثلون 1.5 فقط من إجمالي تعداد السكـّان في الولايات المتحدة.
يقول تقرير نشر في مجلة لاهاي الأميركية في 2004، أنه من بين كل أربع قبائل تعيش قبيلة واحدة بأكملها في فقر، ويعيش أكثر من نصف مليون منها في محميات مستقلـّة، أشبه ما يكون بأماكن تجمّع الحيوانات، والتي أرغمت حكومة الولايات المتحدة هذه القبائل على الانتقال والعيش فيها قبل أكثر من قرن من الزمان، ويمضي التقرير قائلا "تنتشر البطالة وإدمان الكحول في هذه المحميّات، كما أنّ الانتحار والأمراض منتشرة على نطاق واسع أيضاً، والقليلون منهم فقط هم الذين يهربون من هذا الواقع الأليم، كما تشير التقارير إلى أنّ 80 ٪ من السكـّان لا يجدون عملا على الإطلاق".
ومن مظاهر التمييز العنصري ضدّهم أنّ لديهم إدارة خدمات طبية خاصّة، وكأنّ أمراضهم غير الأمراض، كما وفرضت الحكومة الأميركية، ولعقود عديدة، سياسة الدمج على قبائل الهنود الحمر، فحظر عليهم الحديث باللغة الأصليّة، وارتداء الزي القومي، كما تم حظر الاحتفالات التي تقام بها الطقوس القبلية مثل احتفال " رقصة الأشباح" لقبيلة السيوكس.
هذه السياسة الاستيعابية أمر مروّع كما ترى "كارين بيرد" الأستاذة في جامعة كاليفورنيا، وتقول " إنّه استعمار، نحن ببساطة ضحايا الاستعمار الداخلي، فالناس ينسون جذورهم، ويخامرهم الشعور بالعار إزاء هويتهم الحقيقية".
وبمقارنة سريعة بين السكان الأصليين لأميركا وأحد مكونات شعب البحرين الرئيسة، نجد أنّ السياسة نفسها تمارس ضد هذا المكون ذي الامتداد السكاني الكبير، والقديم، الذي حاول العضّ على جراحاته خلال الحقبة الماضية، محاولا تخطي الأزمات والتعايش مع حكومة ظالمة، تمارس التمييز، والتفرقة، وسياسة التجويع. وحين يتحرك الشعب من أجل المطالبة بحقوقة يضيّق عليه الخناق حتى يصل الأمر بحكومته الرشيدة إلى فرض العزلة عليه، وحصره في مناطق معيّنة، حتى يسهل السيطرة عليه، من خلال تقديم خدمات حكومية متواضعة وفرض العقوبات الجماعية متى ما لزم الأمر. اليوم نسبة البطالة متواجدة ضمن غالبية الشعب وبالخصوص ضمن هذا المكون السكاني الكبير، وكذلك نسبة الفقر والجوع والحرمان.
اليوم تمارس ضد هذا المكون سياسة حظر ممارسة الكلام الحر، وسياسة ممارسة الشعائر الخاصّة بعقائده، اليوم تهدم دور العبادة الخاصّة، اليوم يحرم من الحصول على عناية طبية في أجواء آمنة، اليوم يحرم من الحصول على دراسة جامعية في أجواء آمنة، علاوة على سحب البعثات والمنح منهم في الداخل والخارج.
اليوم يحاول إعلام السلطة ان يظهر هذا المكون بثوب الإرهابي، الخائن الموالي للقوى الخارجية، سفـّاك الدماء.
اليوم نقتـّل ونهجّر ونجوّع ولكنّ شعبنا لا ولن ينسى جذوره، ولن ينغلق عليها، ولن يسيطر عليه الجهل ولا المرض ولا اليأس بل سيظلّ يردد "اقتلونا فإنّ شعبنا سيعي أكثر".
* كاتبة بحرينية