» رأي
أخي في الوطن.. يقتلني
يوسف سلمان يوسف - 2013-04-08 - 10:31 ص
يوسف سلمان يوسف*
قبل عامين وما يزيد عن شهر ونصف الشهر، وتحديداً في العدد رقم 3089 ليوم الأحد 20 فبراير/شباط 2011، أي، بعد يوم واحد فقط من العودة إلى دوار اللؤلؤة ( ميدان الشهداء، دوار مجلس التعاون، "تقاطع الفاروق") الذي لازال مغلقاً منذ أكثر من عامين، حينها غطت صحيفة "الوسط"، وهي بالمناسبة الصحيفة الوحيدة التي قامت بتغطية الاحتجاجات بـ"كلام صور" وإشارات، ومشاهدات من التظاهرات الاحتجاجية في قلب الحدث لـ"ثورة اللؤلؤ" في ذلك اليوم، ولذلك تم استهدافها وجرجرة رئيس ومدير تحريرها وبعض محرريها إلى المحاكم وتعرض مقرها ومطبعتها لاعتداءات.
جاءت هذه الإشارات المدعومة بالصور لتستفز ذاكرتنا اليوم من جديد، ربما لعلها تُحرض على التفكير، ليس للذي لَفَّقَ وكذّبَ وأشاعَ، فهذا معروف وأهدافه واضحة، ولكن لعلها تُحرض تفكير الذين نعتب عليهم عتباً كبيراً، وكبيراً جداً، بحجم الدماء التي روت ميدان الشهداء في خميسه الدامي وما تلاه، نعتب أشد العتب على الذين: "صدًقوا وصفقوا وشجًعوا على سيل دماء مواطنيهم وزرعوا الكراهية والفتنة فيما بينهم بدل الاخضرار"، وللأسف لازالت غشاوة جلهم، أو بعضهم لا تُريد مغادرة هذا التفكير.
• أولى هذه المشاهدات التي رصدتها صحيفة "الوسط" تقول: "وزّع عدد من المتظاهرين الورود الطبيعية والصناعية بينهم خلال تجمعهم بمنطقة السنابس قبل فتح الطريق أمامهم لدوار اللؤلؤة بعد انسحاب قوات الأمن، وذلك في لفتة لتأكيد سلمية التظاهرات والاعتصامات والمطالب.
• المشاهدة الثانية: "قدمت فتاتان ظهر أمس (السبت 19 فبراير/شباط 2011) عدداً من الزهور الحمراء لقوات مكافحة الشغب، في خطوة لتأكيد عدم رغبة المتظاهرين في الاصطدام معهم أو التعرض لهم بأي ضرر".
• ثالث مشاهدة: "قامت مجموعة من المتظاهرين بفتح الطريق أمام سيارات الأمن العام ومكافحة الشغب، كما حيّوهم بالتصفيق، إضافة إلى إلقاء الورد والمشموم على سياراتهم لتأكيد سلمية التظاهرات والاعتصامات".
• رابع مشاهدة: "تفاجأ المتظاهرون ممن وصلوا إلى دوار اللؤلؤة بوجود 7 سيارات للإسعاف توزّعت في المحيط، وكانت مجهزة بالطاقم الطبي ومستلزمات العلاج الفورية".
• خامساً: "عمد عدد من الأطباء والممرضون ممن اعتصموا في الدوار إلى إلى تشكيل مساحة صغيرة لتقديم العلاج للحالات الطارئة والإصابات فيها".
• سادسا: "قام متظاهرون بكنس الطرق والشوارع المحيطة بالدوار والتقاط الأوساخ من الشارع، في الوقت الذي استقدم آخرون حاويات القمامة من سوق المنامة المركزي لتجميع الأوساخ فيه".
• سابعا وثامنا وتاسعا مشاهدة، تبدو على نفس المنوال وتحمل الطابع السلمي لهذه الحركة المباركة والهَّم ذاته إلى أن تصل الأخيرة (تاسع إشارة) التي تؤكد: "أن الهتافات والشعارات التي كان يحملها المتظاهرون تشدد على ضرورة نبذ مبدأ التفرقة بين السنة والشيعة في البلاد على هامش الاحتجاجات السلمية المطالبة بإصلاحات سياسية".
نتفهم، حين يخرج عليك مسؤول بـ"رطانة تحشيشية سياسية" ليوصم هذه الأمواج البشرية التي وحّدها الغضب وزحفت نحو الدوّار بسلمية وحضارية "بأنها غوغائية وإرهابية وتخريبية ومدفوعة من الخارج المعادي للبحرين"، لكن الذي هو عصيّ على الفهم، كيف يُصفق ويشجّع ويصمت مواطن على قتل أخيه المواطن الآخر في مجزرة وحشية حصدت خمسة شهداء ومئات الجرحى (471 مصابا) مثل التي وقعت غدراً فجر الخميس الدامي 17 فبراير 2011؟، وكيف يصدّق وزير الصحة فيصل بن يعقوب الحمر حين يحصر حالات الإصابة بـ"7" حالات طفيفة، بينما رصاصة الجيش لازالت مستقرة في رأس الشهيد عبد الرضا بو حميد وهو يحتضر آنذاك، وبالمناسبة كان الشهيد (بو حميد) يحمل بيده غصن (شجرة الكابرس) المشابه لغصن الزيتون، حيث آثار دمائه على الغصن وضعت على قبره الرمزي مكان سقوطه، بينما هذا المسؤول الصحي، الذي من المفترض أن يدافع عن طواقم وزارته، لم يكلف نفسه رد الإهانة الأخلاقية التي أصابت أحد منتسبي وزارته وهو الدكتور صادق العكري الذي كان يرقد بالمستشفى بسبب إصاباته البليغة وتعرضه للضرب والإهانات من قبل رجال الأمن، علماً إنه طبيب جراح وكان يرتدي زياً يدل على إنه طبيب.
مرة أخرى، قد يتفهم المرء لماذا المسؤولون يقولون قولاً قبيحاً ملفقاً وكاذباً ومفبركاً ويطلقون الإشاعات ويحولون دم مواطنيهم إلى "كاتشب"، ولماذا يخفون الحقائق عن أعين الناس ويمنعون سيارات الإسعافات لنقل الجرحي ويعذبون المحتجين على أسرة المرضي في المستشفى!!كل هذا معروف ومفهوم لدى أصغر ربة بيت بحرينية، كون هؤلاء المسؤولون يفعلون كل شيء من أجل البقاء في مناصبهم، لكن من غير المفهوم إطلاقاً أن يُصدق "مواطن مكتوٍ بحرارة أوضاعه وبؤسه"، ومُستَعْبد من قبل الاستبداد هراء مثل الذي سمعناه من "فنتازيا"، بدءاً من اتهام الأطباء بقتل الجرحى والمصابين، مروراً بسرقة الرائعة (رولا الصفار) أكياس الدم ورشه على المتظاهرين للتحريض على كراهية النظام وفبركت "ادعاءات" وحشيته، ثم مخططات الأطباء ومؤامراتهم المرتبطة بالخارج لاحتلال مستشفى السلمانية بأسلحة كلاشنيكوف يحملونها لمقاومة رجال الأمن، حتى تتهيأ لهم الفرصة لعدم معالجة مواطنيهم من الطائفة السنية.
والأنكي، قطع لسان المؤذن السني وأكثر هراءً فصل واعتقال وتعذيب الرياضيين، لاعتبارات ربما تكون في أشدها فانتازية هو أن شيعي لم يمرر كرة إلى سني لتسجيل هدف في مباراة إقليمية، وإن كانت ودّية. وكله "كوم" وهدم المساجد "كوم"، ناهيك عن حرق "القرآن"، فكيف لمسلم يصدّق ويُصفّق ويشجّع هدم بيوت الله على اعتبارها "شيعية" ويعتقد بصمت وأحيانا بتبرير أن محكم التحكيم، كتابان: واحد يقرأه الشيعة مزوّر ويستحق الحرق وأن يطلق على حامله الرصاص، وآخر غير مزوّر يُبعث بمليون نسخة منه لإنقاذ مجاعة الصومال (كفّارة).
اتقوا الله، حتى باراك أوباما المسيحي استنكر هدم مساجد الشيعة في البحرين وأدان الفعل الشنيع هذا، فلماذا أيدتم وصفقتم ولم يهتز لكم جفن يا عبيد السلطة. حين نقول عبيد، ليست شتيمة، فالناس، كما يقول جان جاك روسو: "يولدون أحراراً، ولكنهم يُسْتَعْبَدُون أينما ذَهَبوا".
بمعايير الأمس واليوم في البحرين يتبع العبيد من "الشيعة والسنة واليساريين والملحدين"، معادلة الخنوع للمستبد مفادها: "كي تنجو من إهانات، تمييز سياسي، اعتقال على نقاط التفتيش المكارثي، من قتل وتصفية داخل سجون الدكتاتورية.. كي تبقى مستقراً في وظيفتك بحوافز وترقيات ومكافآت، شجّع على سيل دماء مواطنيك!!"، فشاعر كان إلى الوقت القريب يُحرض الناس على التغير: "ينبش الثورة فيهم والتعب/ يتجلى في تقاطيع الغضب" نراه اليوم يطلب من وليّ نعمته أن "يبطش" بشعبه في "دانات الشجعان" وينادي بقتل المزيد، ومثقف يساري يُسرع دون تردد في تقدم الصفوف للثورة المضادة فتصبح الملكية المطلقة، عدالة مطلقة، وصراع الطبقات، تسامح طبقي حضاري وديمقراطي، وآخر يرفع يافطة مكتوب عليها: "دلّعتهم وايد يبو سلمان!".
*كاتب بحريني