مثقفون داخل مصالح الطائفة
علي مطر - 2011-05-14 - 7:05 ص
علي مطر
حركة الاحتجاج السلمي في البحرين 14 فبراير/ شباط حدث تجاوز مساحة الجزيرة المحدودة 750كم، وتجاوز محيط دوار اللؤلؤة 376.8م، وتجاوز سكانها 1.106,509، إنه حدث تجاوز السياسي والسياسيين، وورّط الثقافي والمثقفين.
على بريدي الإلكتروني، أرسل لي صديقي المثقف الخليجي:
حكاية هذا الخليج كثيرا ما تذكرني بحكايات آبارنا التي تحرسها الثعابين والجن.
نعم، أظننا آخر من سيتغير في هذا العالم، ولولا نشوتي بما يحدث في بقية الجهات لأعلنت الحزن واليأس.
ما آلت إليه حركة 14 فبراير من حصار وتشويه وتدمير واستثارة وحوش الطائفية بسبب آبار النفط، يجعلني أتيقن من ظن صديقي "أظننا آخر من سيتغير في هذا العالم".
والسبب في ذلك بالنسبة لي، لا يتعلق بأمور استراتيجية ولا توازنات قوى ولا أوضاع اجتماعية، بل بسبب هو أقل من هذه الأسباب، والسبب هو وضع المثقف الخليجي.
فالسلطة لم تكتف بجيوش العسكر، لما أسمته تطهير دوار اللؤلؤة من فعل الاحتجاج، بل استعانت بجيوش المثقفين والإعلاميين، وتلك فضيحة أخرى كشفت أننا في الخليج بسبب هذه السلطات القبائلية المعاندة لم نبني دولة مدنية، ولا جيشا وطنياً، ولم نتح المجال لولادة مثقف نقدي حر.
انطلاقا من هذه الفضيحة، على المثقف في الخليج أن يراجع تجربته كي يُدرك أن الخروج من الطائفة لا يتحقق بمجرد خروجه من منظومتها العقائدية وجماعاتها الدينية ومؤسساتها الشعائرية، بل يتحقق بخروجه على نظام شبكة مصالحها، ونظام شبكة المصالح هو النظام الذي يحدد لك الموقع الوظيفي الذين يمكنك أن تكون فيه، ويرسم لك المواقع الإعلامية التي يمكن أن تكون فيها، والفرص المتاحة لك في الدولة للاستفادة منها: بعثات دراسية، خدمات إسكانية، دورات تدريبية، تمثيلات رسمية للدولة، عطاءات تجارية وهبات مادية.
المثقفون في الخليج الذين خرجوا على منظومتهم الدينية أو القبلية (والذين لم يخرجوا فضيحتهم أكبر) لم يستطيعوا أن يضحوا بنظام المصالح، ولأن هذا النظام هو نظام السلطة في إدارة الدولة أو شبه الدولة، فالمثقف سيضطر إلى التماهي معه والقيام بالمهمات التي يسندها إليه، كي يحافظ على مواقعه واستفاداته. وبهذا سيخون رسالته الثقافية في الدفاع عن الحقيقة التي تتيح للناس أن يعيشوا أحرارا كراما في مواطنة دستورية، وسيصطف مع الحقيقة التي تريدها السلطة التي تصف المطالب الديمقراطية بالتخريب والفتنة والاستعانة بالخارج.
المثقف الخليجي ليس خارج نظام القبيلة، وليس خارج نظام الطائفة، وليس خارج تحالف القبيلة والطائفة، لأنه لا يستطيع أن يجهر بالحقيقة المجردة من نظام مصالح هذا التحالف، وتلك هي فتنة المثقف الخليجي، يعيش في محيط السلطة وهي تملك كل شيء، تملك مصادر الثروة كلها بيدها، وتملكه هو أيضا.
المثقف ليس خارج ثالوث المحددات التي استخدمها إدوارد سعيد، لمعرفة العناصر التي تتحكم في تفكير الجماعات وسلوكها، وهي: سلطة، موقع، مصالح، أي السياسة والموقع الجغرافي والمصالح الاقتصادية والطبقية. والمثقف الخليجي مبتلى بموقع طائفته ومصالحها، يُركب حقائق الواقع ويصدق ويكذب ويؤيد ويعارض وينحاز وينتقد ويُجيّش، وفق موقع طائفته ومصالحها.
يبتكر هذا المثقف لخيانته شتى الأعذار، يبرر بها تخوفه من الديمقراطية الحقيقة وتخاذله عن دعمها، وضربه للحركات الاحتجاجية التي تطالب بها، وتشويهه لرسالتها.
ستكون مهمة هذا المثقف (إعلامي، كاتب، فنان، مفكر) ليس الصمت عما يجري، بل تخريب حركة التغيير التي تجري، وذلك بتشويه كل تغيير يهدد منظومة المصالح التي تدير من خلالها السلطة الدولة (الشعب، والأرض والنظام) وسيشوه هذا التغيير بكلمات التغيير نفسها: الديمقراطية، الدستور، القانون، العدالة، حقوق الإنسان.
ولعل ما فعله المثقف محمد الرميحي يعد نموذجاً صارخاً لخيانة المثقف الخليجي لمهمته، فهو قد عمد إلى تشويه مطالب الحركة الاحتجاجية، باستخدام فزاعة إيران وإلصاق صفة الإسلامية بها "ليس دعوة الإصلاح وتطوير النظام السياسي هي المطلوب، وليس النظر إلى مطالب فئات محرومة من كل الطوائف حان أوان إنصافها هو المأمول. لا، المطلوب هو أن تنشأ دولة ذات نظام جديد هي الجمهورية الإسلامية البحرينية".
لم يستخدم أحد من المحتجين أبداً شعار )الجمهورية الإسلامية البحرينية( وأقصى صوت متطرف كان يدعو لتأسيس نظام جمهوري بدل الملكي، لكن الصوت الأكثر دوياً وانتشارا وعمومية ومقبولية كان صوت "الدولة المدنية" الذي رددته المعارضة البحرينية وأوضحته المعارضة الدينية بقولها "لا نريد دولة دينية ولا دولة ولاية فقيه، نريد دولة مدنية".
في مقابل هذه الخيانة، نجد بيان مارسيل خليفة يعلن انحيازه لحركة الاحتجاج البحرينية ورفضه للمشاركة في مهرجان ربيع الثقافة البحريني "لاَ أَسْتَطِيعُ إِلاَّ أَنْ أَكُونَ فِي مُعَسْكَرِ ٱلْحُرِّيَّةِ وَٱلْمُطَالَبَةِ بِٱلدِّيمُوقْرَاطِيَّةِ وَنَبْذِ ٱلْعُنْفِ".
يشير بيان رابطة العقلانين العرب حول دعم الثورات العربية، إلى أن مهمة المثقف هي توسيع مجال الديمقراطية باعتبارها حاضنة الحداثة "لقد أعادت التحولات الجارية التأكيد بأنّ الوظيفة الأساسية للمثقف العقلاني العربي هي الدفاع عن الاستعمال الحرّ والعمومي للعقل. ما يعني أن الديمقراطية، بصرف النظر عن بعض التحفظات النظرية التي لم يعد لها اليوم من مبرّر، تظلّ الحاضن الأكبر للحداثة وللفكر العقلاني. وهذ ا هو على كل حال رهاننا".
مهمة المثقف في هذه اللحظة الثورية هو تمكين الديمقراطية من أن تكون حاضنة، للاستعمال الحر والعمومي للعقل، الحر من نظام الطائفة ونظام المصالح، والاستخدام العمومي للعقل في الساحات العامة حيث حرية الاحتجاج في هذه الساحات بدل القتل والتدمير، هذه الحرية ستفتح للعقل مجالا عاماً جديدا في الجامعة والصحافة والمدرسة والإعلام. وانخراط المثقف في هذه الساحات هو ممارسة لمهمته النضالية في فتح ساحات للعقل في الدولة.