» رأي
ترحيل الأزمات..كآلية للحل في الخليج
علي داوود - 2011-05-12 - 3:55 م
علي داوود*
فيما يشبه الزفرة، كان التربوي العراقي الشهير د. محمد جواد رضا يتنهد لأحوال التجربة السياسية الكويتية في الألفية الماضية، وذلك في كتابه الموسوم "الخروج من زمن البراءة"، كان ينعت هذه السياسة بسياسة ترحيل الأزمات وتأجيل حسمها، حيث قدر كل أزمة أن تنام طويلاً تحت لحاف التأجيل، والعلاجات الوقتية، لتختمر وتكبر وتصبح معضلاً سياسياً يبدد كل وعود التنمية والاستقرار في الحياة السياسية، ويكنس ما تبقى من أحلام الناس التي انفرط عقدها مراراً على باب الضجر.
هذا الترحيل هو جزء من الأزمة السياسية التي فتحت وستفتح في كل مرحلة أبواباً للسؤال عن ضرورة التغيير في منطقة الخليج، هذه المنطقة المفتونة بخصوصيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية معاً، وستجعل من الشارع مختبراً لكل الرياح التي تعصف في ظهيرة الثورات العربية، هذه الثورات التي إرتقت إلى مستوى المستحيل في الحقب الفائتة، حتى ألهمتها حكمة بوعزيزي الذي أشعل بناره كل فوانيس الأمل، فباتت قدراً حاضراً أو مؤجلاً لكل الدول التي تجاهد في حراسة خساراتها القادمة.
ما يجري في البحرين من تداعيات سياسية هي نتاج هذه الذهنية التي تريد أن تبني لنا جسوراً توصلنا إلى نهايات مسدودة، لنعاود دائماً دورة المطالب، ونبدأ من الصفر، لأن الحل في هكذا متاهة غير متاح، تكوينات برلمانية وشبه برلمانية تطفو على خارطة الخليج لكنها لا تتجاوز في حدود تأثيرها أن تكون نزهة في ردهات السياسة، لأن المشاركة الفعلية في صناعة القرار السياسي قد تم تسليم أوراقها للغيب، وللمجهول، الأمر الذي أحال ويحيل كل الاجتماعات والجلسات المتعنونة بالبرلمانية أو الشوروية إلى مجرد طاولات للثرثرة.
مرت بهذه المنطقة فرص كثيرة لإعادة ترميم العلاقة بين السلطة والناس، لإيجاد رافعة إصلاحية لارتباكات المشهد السياسي، غير أن إرادة الحل مصروفة لجعل كل حدث إصلاحي حقيقي مجرد ذكريات..مازالت هواجس الحكومات الخليجية من فتح المجال لمزيد من التمثيل السياسي تمثل كابحاً دون المضي باتجاه شراكة حقيقية، وبرغم الفوارق التي تعيشها هذه الدول على هذا الصعيد تبقى الشراكة الأقوى بينها حاضرة في الخوف من تأسيس دولة مدنية بمواطنة كاملة، وهذا التردد عن الإصلاح كفيل دائماً بصناعة أجواء من إنعدام الثقة بين الشارع والسلطة، وفتح الباب نحو مزيد من التصعيد السياسي.
من غير الصحيح أن تدخل هذه البلدان عقداً جديداً من الزمن وهي ماتزال في مفتتح الحديث عن حقوق الإنسان، عن حق الناس في التعبير والتفكير، في الوقت الذي يحلق فيه هؤلاء الناس يومياً في فضاء مفتوح يتداولون فيه القول في كل شئون الدنيا، من الصعب أن نقبل اليوم بقاء حقوق والمرأة وحقوق الأقليات في السعودية في قائمة القضايا المرحلة إلى "اللاحل"، ولا أن تظل قضية التمييز والتجنيس السياسي في البحرين بلا معالجة صريحة، ولا أن تبقى الممارسة السياسية في الكويت رهن التكتلات الما قبل مدنية ..كل هذه القضايا وسواها هي التي تحرك الشارع اليوم، والاستمرار في تعطيل الحلول هو في حد ذاته دفع بهذه الانظمة واستقرارها ناحية الهاوية.
هذه الثورات التي حركت أحجار الشطرنج العربية لا تستأذن أحداً إلا جراح الناس، ستطل عاجلاً أم آجلاً في ساحات كانت تظن أنها محصنة ضد التغيير، ستعتلي أصواتها فوق ركام الملفات، والذين كانوا يراهنون على الوقت لطمر كل الملفات العالقة، وتذويب عزيمة الناس عن المطالبة بها، سيقفون غداً على النوافذ يتأملون، ويلملمون آخر سطورهم، ليذكروا التاريخ بأنهم فهموا أخيراً!
* كاتب وصحافي سعودي
فيما يشبه الزفرة، كان التربوي العراقي الشهير د. محمد جواد رضا يتنهد لأحوال التجربة السياسية الكويتية في الألفية الماضية، وذلك في كتابه الموسوم "الخروج من زمن البراءة"، كان ينعت هذه السياسة بسياسة ترحيل الأزمات وتأجيل حسمها، حيث قدر كل أزمة أن تنام طويلاً تحت لحاف التأجيل، والعلاجات الوقتية، لتختمر وتكبر وتصبح معضلاً سياسياً يبدد كل وعود التنمية والاستقرار في الحياة السياسية، ويكنس ما تبقى من أحلام الناس التي انفرط عقدها مراراً على باب الضجر.
هذا الترحيل هو جزء من الأزمة السياسية التي فتحت وستفتح في كل مرحلة أبواباً للسؤال عن ضرورة التغيير في منطقة الخليج، هذه المنطقة المفتونة بخصوصيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية معاً، وستجعل من الشارع مختبراً لكل الرياح التي تعصف في ظهيرة الثورات العربية، هذه الثورات التي إرتقت إلى مستوى المستحيل في الحقب الفائتة، حتى ألهمتها حكمة بوعزيزي الذي أشعل بناره كل فوانيس الأمل، فباتت قدراً حاضراً أو مؤجلاً لكل الدول التي تجاهد في حراسة خساراتها القادمة.
ما يجري في البحرين من تداعيات سياسية هي نتاج هذه الذهنية التي تريد أن تبني لنا جسوراً توصلنا إلى نهايات مسدودة، لنعاود دائماً دورة المطالب، ونبدأ من الصفر، لأن الحل في هكذا متاهة غير متاح، تكوينات برلمانية وشبه برلمانية تطفو على خارطة الخليج لكنها لا تتجاوز في حدود تأثيرها أن تكون نزهة في ردهات السياسة، لأن المشاركة الفعلية في صناعة القرار السياسي قد تم تسليم أوراقها للغيب، وللمجهول، الأمر الذي أحال ويحيل كل الاجتماعات والجلسات المتعنونة بالبرلمانية أو الشوروية إلى مجرد طاولات للثرثرة.
مرت بهذه المنطقة فرص كثيرة لإعادة ترميم العلاقة بين السلطة والناس، لإيجاد رافعة إصلاحية لارتباكات المشهد السياسي، غير أن إرادة الحل مصروفة لجعل كل حدث إصلاحي حقيقي مجرد ذكريات..مازالت هواجس الحكومات الخليجية من فتح المجال لمزيد من التمثيل السياسي تمثل كابحاً دون المضي باتجاه شراكة حقيقية، وبرغم الفوارق التي تعيشها هذه الدول على هذا الصعيد تبقى الشراكة الأقوى بينها حاضرة في الخوف من تأسيس دولة مدنية بمواطنة كاملة، وهذا التردد عن الإصلاح كفيل دائماً بصناعة أجواء من إنعدام الثقة بين الشارع والسلطة، وفتح الباب نحو مزيد من التصعيد السياسي.
من غير الصحيح أن تدخل هذه البلدان عقداً جديداً من الزمن وهي ماتزال في مفتتح الحديث عن حقوق الإنسان، عن حق الناس في التعبير والتفكير، في الوقت الذي يحلق فيه هؤلاء الناس يومياً في فضاء مفتوح يتداولون فيه القول في كل شئون الدنيا، من الصعب أن نقبل اليوم بقاء حقوق والمرأة وحقوق الأقليات في السعودية في قائمة القضايا المرحلة إلى "اللاحل"، ولا أن تظل قضية التمييز والتجنيس السياسي في البحرين بلا معالجة صريحة، ولا أن تبقى الممارسة السياسية في الكويت رهن التكتلات الما قبل مدنية ..كل هذه القضايا وسواها هي التي تحرك الشارع اليوم، والاستمرار في تعطيل الحلول هو في حد ذاته دفع بهذه الانظمة واستقرارها ناحية الهاوية.
هذه الثورات التي حركت أحجار الشطرنج العربية لا تستأذن أحداً إلا جراح الناس، ستطل عاجلاً أم آجلاً في ساحات كانت تظن أنها محصنة ضد التغيير، ستعتلي أصواتها فوق ركام الملفات، والذين كانوا يراهنون على الوقت لطمر كل الملفات العالقة، وتذويب عزيمة الناس عن المطالبة بها، سيقفون غداً على النوافذ يتأملون، ويلملمون آخر سطورهم، ليذكروا التاريخ بأنهم فهموا أخيراً!
* كاتب وصحافي سعودي