» رأي
تجمع الفاتح الراعي الديني للبلطجة الرسمية
عباس المرشد - 2013-02-26 - 6:44 م
عباس المرشد*
على إثر فتوى نائب رئيس تجمع الوحدة الوطنية التي أطلقها في خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 21 فبراير 2013 حيث اباح فيها دم المتظاهرين والمحتجين تحركت من جديد حوادث المليشيات والبلاطجة من جديد ولم تكن الصدفة هي من تربط بين بدايات تشكيل البلاطجة وبنائهم الديني الطائفي وبين تجدد أعمالهم ممثلة في حادثة إطلاق الرصاص الحي على شابيين من شباب بوري وإصابتهما في منطقة الصدر بغرض القتل وقيام مجرم بلطجي بدهس شاب آخر أثناء قيامه بقطع الطريق بإطارات في فعالية أضراب الكرامة.
الموقف الرسمي وبيانات وزارة الداخلية وتظليل النيابة العامة أديا لتعزيز القناعة باستحالة إقدام النظام على تقديم إصلاحات حقيقية وأن عقديته لا تزال عقيدة استئصالية انتقامية ولو بأدوات قذرة مثل البلاطجة. إرهاب السلطة وقمعها لم تعد مسألة جديرة بالإثبات لبثوتها واعتراف النظان نفسه بوجودها ولكن الجزء المخفي عن الرأي العام العربي والعالمي هو الارتباط بين تلك المليشيات والمجموعات البلطجية بتنظيم ديني طائفي هو تجمع الفاتح أو ما عرف لاحقا بتنظيم تجمع الوحدة الوطنية حيث يقف على هرمه رجل الدين السني عبداللطيف المحمود خريج الأزهر ويتخذ من رجل دين آخر يدعى ناجي العربي نائبا له.
وفكرة البلطجية تستهدف في الغالب أمرين، هما إثارة الذّعر والخوف في صفوف الناس، وفكّ الالتفاف حول الثورة. والأمر الثاني هو محاولة إقناع الناس بأن ظلم النظام أخفّ وطأةً من عنف الثورة، وما يترتّب عليها من فقدان الأمن. لقد رأينا كيف تحرّك هؤلاء في أحداث ثورة تونس عبر الاغتصاب، والنّهب والهجوم على المدنيين العزّل من أجل تبرير قمع النظام وبطشه للثّوار، ومن أجل بثّ الرعب والخوف في الناس. وتحرّكت هذه الفئة في الثورة المصرية عبر مشهد نقلته وسائل الإعلام مباشرةً، فيما عُرف بمعركة الجمل. وفي سوريا يقوم الشبيحة أيضا بممارسة الدّور نفسه.
ذاكرة البحرينين تحفل بمواقف وشهادات عديدة لدور الفداوية والبلطجية منذ انطلاق الثورة في 14 فبراير، بل وما قبلها. فالوضع في البحرين لم يكن مختلفاً بقدر ما كان وضعا مألوفا بمثل هذه الحالات التي مرّت على المجتمع البحريني منذ نهاية القرن التاسع عشر فيما يعرف بالفدواية، وهي مجموعات حراسية قاسية تقوم بإرهاب الناس لخدمة الشيخ الحاكم، وخدمة لحاكم المقاطعة آنذاك. فالفدواي هو البلطجي والشبيح في مصر وسوريا وتونس. الملفت للانتباه هنا أن تأسيس أول قوة أمنية كان عبارة عن تجميع لهؤلاء الفداوية، وتنصيبهم رجال أمن بشكل رسمي، إلى جانب قوات أمنية بنجابية تعاقد معها بلجريف لعدم ثقته بهؤلاء الفداوية. وقد استمرت هذه القواعد في استخدام الأجانب والفداوية في تشكيل القوات الأمنية بكافة أطيافها. وليس أدلّ على ذلك من قيامهم - منذ فرض الأحكام العرفية - برفع بنرات المشانق والترهيب للقرى والموظفين في أعمالهم، وبفعل تحريض من قيادات مشبوهة تحوّلوا بطرفة عين إلى رجال مخابرات يعملون بالمجان.
إن ظاهرة البلطجية في البحرين - على غرار البلطجية في بلدان الربيع العربي - تتشكّل من مجموعتين، الأولى تتبع الأجهزة الأمنية رسميّاً، لكنها تظهر بلباس مدني، والمجموعة الثانية هي عبارة عن مجموعات قد تكون مدفوعة الأجر أو مغرّر بها، تُقاد عبر مجموعات غير رسمية لتأدية بعض المهام، وتحت عناوين مختلفة. في السنوات السابقة، كانت مليشات الأمن الوطني هي التي تشارك في عمليات القمع والمطاردة والابتزاز للنشطاء، إلا أنها مع تقدّم الحراك السياسي بعد 14 فبراير، احتاج النظام لأن يُدْخِل تغييراً في تركيبة تلك المجموعات، وأن يصبغ عليها طابعا شعبيا للفرار من المساءلة، ولتأدية الغرض منها على وجه أدق.
في 19 فبراير 2011 نصبت مجموعات موالية نقاط تفتيش في مناطق الرفاع والزلاق وكانت هذه المجموعات النواة الأولية لما سيعرف لاحقا بالبلاطجة. وقتها دارت سجالات حول تسمية هذه الظاهرة وبحرنيتها ولأسباب عديدة أبعد المعنى الحلي المقارب لمصطلح البلطجية وهو الفداوية وتم اعتماد البلطجية كتبعير عن المليشيات المسلحة الموالية للنظام ربما لوعي القائمين على ثورة 14 فبراير آنذاك بضرورة الوحدة الوطنية وتجنيب الطائفة السنية ما قد يمسها بسوء في بعض جزيئات تاريخها السياسي. فالفداوية كانوا حرسا للحاكم ويده الضاربة في المجتمع ومن خلالهم تتم أعمال السخرة وفرض الضرائب وقمع التحركات المناؤية للسلطة.
البروز الأول لظاهرة البلطجة - كأداة ضمن أدوات القمع كان بعد الخطاب الثاني لتجمع الفاتح 2 مارس، حيث سمح ذلك الخطاب بدمج تشكيلة المليشيات مع التشكيلة الشعبوية تحت عنوان "حفظ أمن المناطق السنية من الإرهاب الشيعي"، ويظهر هنا مدى التنسيق الرسمي في بروز دواعي هذه الظاهرة من خلال تقاعس الأجهزة الأمنية عن وظائفها المدنية، وعدم تدخّل أفراد قوات الأمن في حالة حدوث إشكالات اجتماعية تحدث عادةً. كذلك، يمكن الإحالة إلى الدعوة الصريحة التي أطلقها وزير الداخلية في 3 مارس عبر تلفزيون البحرين في اتصال هاتفي، وذلك على خلفية أحداث الدوار السابع في مدينة حمد، حيث قال:" نفضل أن تكون المسئولية الرئييسية في هذا الأمر على المواطنين أنفسهم، وهم يتحمّلون أمن منطقتهم". ويعتبر هذا الحادث نموذجا واضحا لتبيّن العلاقة بين تشكيلات البلطجية التي سوف تتشكل، وبين كل من تجمع الفاتح والأجهزة الأمنية. فعلى إثر الحادثة المشبوهة التي قادتها مجموعات بلطجية ضد شباب وطلاب مدينة حمد نشبت صدامات في مدينة حمد قادها بلاطجة من أصول سورية وفي مساء اليوم نفسه لوحظ أن مجموعة رجال الدين التي حضرت لم تكن سوى رئيس تجمع الفاتح عبد اللطيف المحمود، والذي ألقى خطبة عُدّت تشجيعا مباشرا على تشكيل المليشيات، حيث يُظهر مقطع الفيديو المحمود وهو يخطب في جماعة تحمل سيوفا وأخشابا وهراوات، ويدعوهم للدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل عند تعرضهم لأي خطر. لقد وفّر خطاب المحمود "الغطاء الشرعي" لأتباعه للبدء في القتال الطائفي، وجعله أقرب إلى "التكليف الجهادي" والدّفاع عن الأرواح والأجساد والأعراض والأموال، وتُظهر مقاطع فيديو أخرى مجموعة من سكنة دوار السابع في مدينة حمد وهم يرفعون علم تنظيم القاعدة، شاهرين سيوفا وأخشابا، كما يظهر مقطع آخر مسيرة نظّمها المجنسون من أصول عربية، وبالتحديد من قبيلة العويدات في دير الزور بسوريا، وهم ينشدون أزهايج حربية.
أيا كان المسار الذي سارت عليه أمور التسمية فإن هذه المجموعات طورت من نفسها تنظيما وعقد أول تجمع رسمي لها في ساحة البستين بتاريخ 7 مارس 2011 وأعلنت عن نفسها أنها حامية النظام وحرسه الشبعي في مواجهة حركة الاحتجاج على غرار هذه التشكيلات، تشكلت خلايا في المحرق والرفاع وأم الحصم والحورة والبديع، وتحت إشراف قيادات سياسية في تجمع الفاتح، أو تحت إشراف بعض النواب المستقلين، كما في شبكة الحورة التي أشرف على تأسيسها النائب العسومي، أو في مدينة عيسى التي أشرف عليها النائب عدنان المالكي.
بالعودة إلى تسلسل الأحداث، فقد عُقد تجمّع شعبي في الساحة المقابلة لجمعية الأصالة في البسيتين مساء الثلاثاء 1 مارس إليه النائب السابق، عضو جمعية المنبر الإسلامي ( إخوان مسلمين) والنائب عن كتلة الأصالة عبد الحليم مراد، والشيخ محمد الحسيني. وتحدث مراد عن أوضاع المدارس ومسيرات الطلبة، مدّعياً بأن الأمور وصلت حدّ " الضرب والاعتداء بالأسلحة البيضاء على الطلبة والمتطوعين"، وكان ملفتا حديثه عن مستشفى السلمانية الذي قال عنه أنه تعرض لاحتلال كامل، وأن الأطباء يمارسون سياسة طائفية تمنع أهل السنة من تلّقي العلاج أو تعرضهم لترهيب طائفي. أما كلمة محمد خالد فقد كانت موغلة في التحريض الطائفي ومشحونة بالسب والشتائم لقادة المعارضة، خصوصا الأستاذ حسن مشميع والشيخ علي سلمان والشيخ عيسى قاسم. خطاب خالد الذي استغرق أكثر من 15 دقيقة كان تحريضا طائفيا بامتياز، وفيه من الإدعاء ما لا يقال، خصوصا افتراءه على مشميع وتلفقيه لكلام لم يقله أحد، وكان من ضمن كلامه " أننا نتعرض لهجمة صفوية وتطبيق فعلي لتصدير ولاية الفقية مستشهداً بكتاب (الخطة الخمسينية لآيات قم) "استيقضوا يا أهل السنة ويا عقلاء الشيعة العرب، اعتصام الدوار ليس من أجل المطالب السلمية فرموزهم يصرحون بولائهم لإيران وليعلم هؤلاء بأن لحمنا مر وإننا لا نخاف من أي شيء ما دمنا على الحق ويا أبناء وطني شكلوا لجاناً شعبية استعداداً لأي طارئ فالعدو متربص بكم هل تنتظرون أن تهدر كرامتنا ويعتدى على بناتنا في الشوارع ويطردونا من بيوتنا...وترمى صور قياداتنا في القمامة...يدعون السلمية وأكتشف في دوارهم العديد من الأسلحة البيضاء وكذلك المسدسات تحت مفارشهم...يعطلون مصالح الناس إلى متى نظل ساكتين...". وختم خطابه موجهاً رسائل إلى حكومة البحرين، وشاكراً الإخوة في الخليج العربي على وقفتهم وعلى رأسهم ملك المملكة العربية السعودية حين قال أن البحرين ابنتي الصغرى وأدعمها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً دون تردد كما شكر قناتي (صفا) و(وصال) منابر الحق".
وكجزء من عملية التعبئة، قامت عدة مجموعات بعقد دورات تدريبية لأطفال ومراهقين تحت عنوان حراسات المناطق، ونُشرت مقاطع فيديو عديدة لتجمعات شبابية أشبه ما تكون بمعسكرات تدريب على البلطجة تحت عنوانين مختلفة، مثل حماية السكان والمدن، حيث تظهر تلك المقاطع كيف كانوا يستغلون الأطفال في عمليات البلطجة بعنوان الحراسات، في الوقت الذي كان الإعلام البحريني الحكومي يثير مثل هذه النزعات، ويكرس جانب الخوف والترهيب.
وبالطبع تشكلت بحذاء هذه المجموعات البلطجية مليشات أمنية جمعت هذه التشكيلات أفرادا من الأجهزة الأمنية، مع آخرين مشحونيين طائفيا أو سياسيا، وفي الواقع فإن هذه التشكيلات اعتبرت الأخطر على نسيج المجتمع، والأكثر تأثيراً على تدمير الديمقراطية، ليس في المراحل الأولى فقط، بل إنّ دورها وعملها استمر طويلا. وعبر هذه التشكيلات البلطجية المختلطة؛ تمّت أكبر عملية تطهير طائفي في مؤسسات الدولة بعد إزالة دوار اللؤلؤة، وفي فترة السلامة الوطنية .
من ناحية طريقة عمل هذه التشكيلات، فهي تُقاد غالبا من قبل ميلشيات أمنية بلباس مدني، وهي التي تأخذ التوجيهات والإمداد المالي واللوجستي، من أدوات ومن أسلحة، وفي بعض تلك التشكيلات كان أفراد من عائلة آل خليفة هم منْ يتولّى القيادة. أما على أرض الواقع، فإن هذه التشكيلات كانت مسئولة حتما عن أحداث جامعة البحرين، وعن مجموعة من الاعتداءات التي طالت بعض المواطنين وبعض القرى.