» ملفات » معجم 14 فبراير
معجم ثورة 14 فبراير.. الاعتراف والعدل
2013-02-11 - 6:11 م
مرآة البحرين (خاص): هل يُعد إصدار معجم عملاً سياسياً؟ هل ينطوي إصدار معجم ثورة 14 فبراير على أي دلالة سياسية؟ ما الذي يجعل التعريف بهذا الكلمات في سياق الثورة البحرينية يحمل دلالة سياسية "احتلوا شارع البديع، حصار العكر، تصرفات شخصية، بلدة، حفلة الزار، شحوال، شكراً لكم، «إخوان» وزير الداخلية، عاصمة الثورة، انقل عدل، تن تن تن، صمود، حداد السماء، تنح يا خليفة"... إلخ؟
في اللغة (عجم) معناها الإبهام والغموض، و(العُجُم) الحبسة في اللسان، و(الأعجم) هو الذي لا يفصح ولا يبين كلامه. و(المعجم) مأخوذ من المادة (أعجم) بزيادة الهمزة في بداية (عجم)، وهذه الهمزة أفادت هنا معنى السلب، فقلبت معنى الفعل إلى نقيضه فصار معناه الوضوح والظهور.
ظهور كلمات جديدة أو معاني جديدة أو توضيح دلالة كلمات في اتجاه مضاد للسلطة يعد عملاً سياسياً، على سبيل المثال حين استخدم المغردون وسم "كوكب آخر" قلبوا المعنى ضد وزير السلطة الذي استخدمها للتقليل من شأن المعارضين السياسيين. ظهور هذا المعنى الجديد المضاد للسلطة يشبه زيادة الهمزة في الفعل (عجم) يسلب المعنى الذي تريده السلطة ويوضح معنى جديداً مضاداً للسلطة. معجم ثورة 14 فبراير يشبه هذه الهمزة الزائدة التي تسلب من السلطة سيطرتها على المعنى، تحرر الكلمات من قبضة السلطة وتمنحها للناس، فتكتسب شرعية من استخدامهم.
| |
| |
| |
| |
| |
كلمات المعاجم تأخذ شرعيتها من استخدام الناس وتداول كلماتها بينهم وليس من سلطة الحاكم، والسياسة كذلك تأخذ شرعيتها من قبول الناس وتداول سلطتها بينهم وليس من تسلط الحاكم. تمنع السياسة تداول الكلمات التي تحمل معاني أو استخدامات تقوّض شرعيتها أو تفضح كذبها واستبدادها، كما هو الأمر مع "دوار اللؤلؤة" لم تكتف بإزالته بل منعت استخدام اسمه في الخطاب العام، ولم يمنح الناس شرعية لهذا الاسم الجديد (دوار مجلس التعاون أو تقاطع الفاروق).
في رواية جورج أوريل (1984) وصف دقيق لعمل السلطة في اللغة. فالحزب الحاكم الأخ الأكبر (رئيس الدولة) يسيطر على اللغة عبر خفض عدد الكلمات المستخدمة والتخلص من بعض الكلمات كالشرف والعدل والأخلاق، وتغيير معاني بعض الكلمات، ويفرض معنى واحداً معترفاً به على كلماتها ويصادر حق الناس في توليد معاني جديدة منها.لا تعترف السلطة المستبدة بتعددية المعنى ولا تعددية من يحكم المعنى والناس (تداول السلطة) .
ما العلاقة بين الاعتراف والمعجم؟
إنها السياسة، المعجم يعرفنا بالمعنى وفق سياسة ما نحتاج إلى إقرار معجم جديد حين تتغير السياسة، معجم يعرفنا على المتغيرات، على الحياة الجديدة والعلاقات الجديدة. إقرار المعجم الجديد يحتاج أن نخوض نضالا وصراعا من أجل الاعتراف به، ليس المعجم قائمة كلمات فحسب، بل هو شكل حياة جديد تحيل إليها كلمات المعجم، يحتاج هذا الشكل وهذه الكلمات إلى الاعتراف الذي هو بمثابة الشرعية.
مفهوم (الاعتراف) ينتمي إلى الفلسفة الاجتماعية المعنية بالثورات الاجتماعية ومفاهيم العدل وحقوق الإنسان والتعددية وحقوق الأقليات والجماعات والدفاع عن المظلومين والانحياز للمهمشين.(الاعتراف)" في وجه من وجوهه الأساسية لا يعدو أكثر من نظرية في العدل"(1).
الاعتراف بالجماعات التي تخوض نضالاً من أجل الكرامة والحرية والعدل، يتطلب الاعتراف بمعجمها المعبر عن وجهة نظرها في الحياة السياسية والاجتماعية ونظام الحكم. الدستور شكل قانوني، والمعجم شكل اجتماعي، والمعجم هو أحد أدوات النضال من أجل الوصول إلى دستور عقدي ينظم علاقات الناس في الدولة.
معجم ثورة 14 فبراير، ليس مجموعة من الكلمات بقدر ما هو مجموعة الاحتجاجات على معاني السلطة، تأخذ شكل السخرية أو الفضح أو التقرير أو التسقيط. من هنا فالمعجم نشاط سياسي لأن في كلماته تمثيل لوجهة نظر الناس وما يقولونه في المجال العام "النظام السياسي الذي يمنع التمثيل السياسي لبعض الجماعات، أي يمنعها من عرض ومناقشة أفكارها في المجال العام أو في البرلمان، فإنما يعني ظلماً وغياباً للعدل"(2).
النظام السياسي في البحرين بالفعل يمنع هذا التمثيل السياسي العادل للجماعات، ومعجم ثورة 14 فبراير يحمل خطاباً نضاليا ضد هذا المنع، وهو يسعى إلى إقرار تمثيل سياسي عادل للجماعات المتصارعة. المعجم هو حصيلة ناقش الناس في المجال العام البحريني في صراعهم مع السلطة، صراعهم معها من أجل أن تعترف بهم وتعترف بمطالبهم.
نحن ممتنون لـ14 فبراير، والامتنان له يحمل معنى الاعتراف به حدثاً تاريخيا مفصلياً في إعادة تشكيل الدولة والمجتمع في البحرين، وتثبيت معجم هذا التاريخ هو علامة من علامات الامتنان له والاعتراف. وصراعنا سيبقى حتى تقرّ به السلطة تاريخاً جديراً بالاحتفاء والاعتراف.
في سياق الاهتمام باللغة وثورات الربيع العربي، يلفتنا الباحث السوسيولوجي الطاهر لبيب إلى معنى عبارة (اللغة العربية لغة رسمية للبلاد). يقول "إن ما يُشاع حول اللغة العربية كلغة رسمية للدول العربية يجعلنا نميل إلى البحث عن معنى: الرسمي" هنا؟ معناه، هنا عمليا لا في المطلق هو نمط طيّع من اللغة قادر على حمل المعنى الذي تسنده السلطة الرسمية لأقوالها وأفعالها، ولأقوال الآخرين وأفعالهم، وللظواهر أيضا هو نمط من اللغة لا يهمه لسان العرب بقدر ما يهمه تملّك المعنى: تملك المعنى سلطة، وهو آخر ما يتنازل عنه نظام تسلطي. ولقد علمتنا أحداث العرب الأخيرة أن المعنى الذي في رأس الدكتاتور يفصله عن الواقع، تماما"(3).
تقوم سياسة الدكتاتور على تملك رقاب الناس وتملك رقاب الكلمات، لا يريد للكلمات أن تتطلع إلى ما هو أبعد من سلطته ولا أن تتنفس خارج مملكته، يريدها تحيل عليه وتمجده وتعود إليه، وهو كما يقطع رقاب الناس أو أجزاء من أطرافهم، يقطع كذلك الكلمات التي تخرج عليه. هل يمكنه أن يحتمل سماع كلمة "صمود" مثلا؟
فيما يخص الناحية التنظيمية، لابد أن نشير إلى أن المعجم يحوي حوالي 58 كلمة وجملة تم ترتيبها ترتيبا أبجديا، بناءً على ورودها على الألسنة في التداول، وليس حسب الجذر الاشتقاقي. ومن المعروف أن هناك عدة طرق في الترتيب منها: ترتيب المواد على الحروف حسب مخارجها (مدرسة الخليل) أو حسب المعاني والموضوعات (مدرسة أبو عبيدة) أو حسب حروف المعجم باعتبار آخر الكلمة وفقاً للحروف الأصلية للكلمات (مدرسة الجواهري) أو حسب الحرف الأول للكلمات من غير اعتبار للحروف الأصلية (معجم الرائد).
هذا المعجم محاولة في توثيق التاريخ الشفاهي، كونه الأكثر عرضة للضياع، وكما فعل المعجميون في الذهاب للبوادي والأعراب لجمع الكلمات، فقد ذهبنا إلى البوادي الافتراضية، وفي مقدمتها بادية (تويتر) كونه الوسيلة الأبرز لإشاعة الكلمات الجديدة وتحويلها لمصطلحات. وضعنا على «تويتر« الوسم (#معجم_14_فبراير) من أجل تغذيته من جانب النشطاء، ومن ثم قمنا بجرد كامل الكلمات، وشكلت مسوّدة أولية للانطلاق.
حاولنا دعم التعريفات بأشعار أو كلمات أغاني وأناشيد تسهم في إبراز معناها ودلالتها في فترة من الفترات، كما أوردنا نوعاً من المعارضات إذا ما تعلق الأمر باختلاف حول استخدام الكلمة.
لغة المعجم المستخدمة، هي اللغة الصحافية، وليست الاحترافية المستخدمة في وضع المعاجم، سهلة وتقدم الحقائق عارية، مع بعض التدخل في التحليل الذي يساهم في الكشف عن سياقها وخلفيّتها، لإيضاح معناها.
حرصنا على إبعاد أية صبغة حزبية، عن المعجم، فأي كلمة تناهت إلينا، وضعناها، بغض النظر عن الجهة التي قد تكون تحسب عليها. والمعجم قابل للزيادة، وهو ناقص بالتأكيد، وسنعمل على تحديثه وتطويره بشكل مستمر.
في رواية جورج أوريل (1984) وصف دقيق لعمل السلطة في اللغة. فالحزب الحاكم الأخ الأكبر (رئيس الدولة) يسيطر على اللغة عبر خفض عدد الكلمات المستخدمة والتخلص من بعض الكلمات كالشرف والعدل والأخلاق، وتغيير معاني بعض الكلمات، ويفرض معنى واحداً معترفاً به على كلماتها ويصادر حق الناس في توليد معاني جديدة منها.لا تعترف السلطة المستبدة بتعددية المعنى ولا تعددية من يحكم المعنى والناس (تداول السلطة) .
ما العلاقة بين الاعتراف والمعجم؟
إنها السياسة، المعجم يعرفنا بالمعنى وفق سياسة ما نحتاج إلى إقرار معجم جديد حين تتغير السياسة، معجم يعرفنا على المتغيرات، على الحياة الجديدة والعلاقات الجديدة. إقرار المعجم الجديد يحتاج أن نخوض نضالا وصراعا من أجل الاعتراف به، ليس المعجم قائمة كلمات فحسب، بل هو شكل حياة جديد تحيل إليها كلمات المعجم، يحتاج هذا الشكل وهذه الكلمات إلى الاعتراف الذي هو بمثابة الشرعية.
مفهوم (الاعتراف) ينتمي إلى الفلسفة الاجتماعية المعنية بالثورات الاجتماعية ومفاهيم العدل وحقوق الإنسان والتعددية وحقوق الأقليات والجماعات والدفاع عن المظلومين والانحياز للمهمشين.(الاعتراف)" في وجه من وجوهه الأساسية لا يعدو أكثر من نظرية في العدل"(1).
الاعتراف بالجماعات التي تخوض نضالاً من أجل الكرامة والحرية والعدل، يتطلب الاعتراف بمعجمها المعبر عن وجهة نظرها في الحياة السياسية والاجتماعية ونظام الحكم. الدستور شكل قانوني، والمعجم شكل اجتماعي، والمعجم هو أحد أدوات النضال من أجل الوصول إلى دستور عقدي ينظم علاقات الناس في الدولة.
معجم ثورة 14 فبراير، ليس مجموعة من الكلمات بقدر ما هو مجموعة الاحتجاجات على معاني السلطة، تأخذ شكل السخرية أو الفضح أو التقرير أو التسقيط. من هنا فالمعجم نشاط سياسي لأن في كلماته تمثيل لوجهة نظر الناس وما يقولونه في المجال العام "النظام السياسي الذي يمنع التمثيل السياسي لبعض الجماعات، أي يمنعها من عرض ومناقشة أفكارها في المجال العام أو في البرلمان، فإنما يعني ظلماً وغياباً للعدل"(2).
النظام السياسي في البحرين بالفعل يمنع هذا التمثيل السياسي العادل للجماعات، ومعجم ثورة 14 فبراير يحمل خطاباً نضاليا ضد هذا المنع، وهو يسعى إلى إقرار تمثيل سياسي عادل للجماعات المتصارعة. المعجم هو حصيلة ناقش الناس في المجال العام البحريني في صراعهم مع السلطة، صراعهم معها من أجل أن تعترف بهم وتعترف بمطالبهم.
نحن ممتنون لـ14 فبراير، والامتنان له يحمل معنى الاعتراف به حدثاً تاريخيا مفصلياً في إعادة تشكيل الدولة والمجتمع في البحرين، وتثبيت معجم هذا التاريخ هو علامة من علامات الامتنان له والاعتراف. وصراعنا سيبقى حتى تقرّ به السلطة تاريخاً جديراً بالاحتفاء والاعتراف.
في سياق الاهتمام باللغة وثورات الربيع العربي، يلفتنا الباحث السوسيولوجي الطاهر لبيب إلى معنى عبارة (اللغة العربية لغة رسمية للبلاد). يقول "إن ما يُشاع حول اللغة العربية كلغة رسمية للدول العربية يجعلنا نميل إلى البحث عن معنى: الرسمي" هنا؟ معناه، هنا عمليا لا في المطلق هو نمط طيّع من اللغة قادر على حمل المعنى الذي تسنده السلطة الرسمية لأقوالها وأفعالها، ولأقوال الآخرين وأفعالهم، وللظواهر أيضا هو نمط من اللغة لا يهمه لسان العرب بقدر ما يهمه تملّك المعنى: تملك المعنى سلطة، وهو آخر ما يتنازل عنه نظام تسلطي. ولقد علمتنا أحداث العرب الأخيرة أن المعنى الذي في رأس الدكتاتور يفصله عن الواقع، تماما"(3).
تقوم سياسة الدكتاتور على تملك رقاب الناس وتملك رقاب الكلمات، لا يريد للكلمات أن تتطلع إلى ما هو أبعد من سلطته ولا أن تتنفس خارج مملكته، يريدها تحيل عليه وتمجده وتعود إليه، وهو كما يقطع رقاب الناس أو أجزاء من أطرافهم، يقطع كذلك الكلمات التي تخرج عليه. هل يمكنه أن يحتمل سماع كلمة "صمود" مثلا؟
فيما يخص الناحية التنظيمية، لابد أن نشير إلى أن المعجم يحوي حوالي 58 كلمة وجملة تم ترتيبها ترتيبا أبجديا، بناءً على ورودها على الألسنة في التداول، وليس حسب الجذر الاشتقاقي. ومن المعروف أن هناك عدة طرق في الترتيب منها: ترتيب المواد على الحروف حسب مخارجها (مدرسة الخليل) أو حسب المعاني والموضوعات (مدرسة أبو عبيدة) أو حسب حروف المعجم باعتبار آخر الكلمة وفقاً للحروف الأصلية للكلمات (مدرسة الجواهري) أو حسب الحرف الأول للكلمات من غير اعتبار للحروف الأصلية (معجم الرائد).
هذا المعجم محاولة في توثيق التاريخ الشفاهي، كونه الأكثر عرضة للضياع، وكما فعل المعجميون في الذهاب للبوادي والأعراب لجمع الكلمات، فقد ذهبنا إلى البوادي الافتراضية، وفي مقدمتها بادية (تويتر) كونه الوسيلة الأبرز لإشاعة الكلمات الجديدة وتحويلها لمصطلحات. وضعنا على «تويتر« الوسم (#معجم_14_فبراير) من أجل تغذيته من جانب النشطاء، ومن ثم قمنا بجرد كامل الكلمات، وشكلت مسوّدة أولية للانطلاق.
حاولنا دعم التعريفات بأشعار أو كلمات أغاني وأناشيد تسهم في إبراز معناها ودلالتها في فترة من الفترات، كما أوردنا نوعاً من المعارضات إذا ما تعلق الأمر باختلاف حول استخدام الكلمة.
لغة المعجم المستخدمة، هي اللغة الصحافية، وليست الاحترافية المستخدمة في وضع المعاجم، سهلة وتقدم الحقائق عارية، مع بعض التدخل في التحليل الذي يساهم في الكشف عن سياقها وخلفيّتها، لإيضاح معناها.
حرصنا على إبعاد أية صبغة حزبية، عن المعجم، فأي كلمة تناهت إلينا، وضعناها، بغض النظر عن الجهة التي قد تكون تحسب عليها. والمعجم قابل للزيادة، وهو ناقص بالتأكيد، وسنعمل على تحديثه وتطويره بشكل مستمر.
- (لقراءة التعريف - اضغط على الزر)
- هوامش
- (1)،(2) الاعتراف من أجل مفهوم جديد للعدل، الزواوي بغورة، ص27، ص138
- (3) الطاهر لبيب، افتتاحية مجلة العربية والترجمة، العدد9، ص4.