» رأي
كلاكيت تالت مرّه: ثورة 25 يناير مستمرّه
مقالات أخرى - 2013-01-25 - 7:30 ص
سماح المصري*
يستقبلُ البحرينيّون يوم 14 فبراير بمزيدٍ من الترقّب والحماسة. في هذا اليوم، سيُجدّد ثوّار البحرين نهضتهم من أجل الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان. ولكن الثّورة في هذا البلد الخليجي المظلوم؛ تبقى محاصرة بعددٍ من المشكلات. هناك مشكلة المذهبيّة التي لا تزال تنتظر معالجة موفّقة من الثّوار. هناك مشكلة السّعوديّة التي تهيمن على المنطقة، وتطلب من البحرينيين العودة إلى منازلهم بخفيّ حنين. ولكن هناك مشكلة أخرى تتعلّق بفهم ثورة 25 يناير، والتي استلهم منها البحرينيّون ثورتهم. من المطلوب إداراك ما يحصل في مصر، وهذا يطال كلّ دول الرّبيع، وليس البحرين فقط.
ما أشبه الليلةُ بالبارحة! ها هم المصريّون على أعتاب ثورةٍ قادمة، وفي ذكراها الثّالثة على التّوالي. ولكن، الحصاد الثّوري – حتّى الآن - لا شئ! مطالبُ ثورتهم لم يتحقّق منها شيءٌ حقيقيّ، باستثناء التّغيير الفوقي/ الظّاهري الذي أطاح بحكم العسكر، واستجلب الحكم الإسلامي، والذي أعاد الصّورة القاتمة للعهد البائد. على هذا الأساس، ظلّت المطالبُ نفسها مرفوعةً: "عيش"، حرّية، كرامة إنسانيّة. وزادوا عليها شعارا آخر: "موتةً طبيعيّة".
في المقارنة، لابدّ من ملاحظة أمرٍ مثيرٍ ميّز بداية عهد مرسي عن غيره، وهي كمية القتل. في عهد الحكم الإخوانجي؛ سالَ دمُ المصريين بغزارةٍ مصحوبةٍ بالفجائع. سالت الدّماءُ في الطّرق السّريعة، وفي القطارات، وتحت الأنقاض، وفي الميدان. وُجّه إلى المصريين الذّل، والرّصاص، والخرطوش. سُلّط عليهم جنونُ الإسلامويّة، وزُجّ الأهلُ والعشيرة في "الاتحاديّة" ليفعلوا بإخوانهم وأبنائهم ما يفعله الأعداءُ ببعضهم البعض. تلك واحدةٌ من "ميزات" الرّئيس مرسي الموروثة من أسلافه. ويعرفُ مرسي تماماً أنّ هذه السّابقة لن يغفلها التّاريخُ، وإنْ حاول سحبها من ذاكرة المصريين، أو سعى هو للتّحايل عليها ونسيانها.
أمّا الشّبابُ الذين حملوا على أكتافهم الموتَ، وقاموا بالثّورةِ رغماً عن كلّ اليأس المصريّ.. هؤلاء الشّبابُ يشعرون اليوم بقدرٍ من الإحباط وخيبةِ الآمال. لكنّه شعورٌ طبيعيّ، فهم لن يستسلموا، ولم يفلح الإخوانجيّة في انتزاع الجذوة من نفوسهم. ها هم يحضّرون لثورةٍ جديدة في ذكرى الثّورة. بالنّسبة للشّباب، فإنّ الثّورة والميدانَ هو الخلاص، ولا بديل عن ذلك. يُمثّل دستور "الجماعة" حافزاً على الاستنهاض الثّوري، وبمستوى أعلى من السّابق. ينظرُ الشّباب إلى دستور "الجماعة" وكأنه خنجرٌ مغروس في رقبة مصر/ الثّورة. وقد عمل مرسي وجماعته على إقرار الدّستور باستخدام الأساليب الملتوية، ومن خلال أغلبيّة شعبيّة "مفبركة" لم تعتدْ يوماً على الجهْر برأيها الرّافض (على البحرينيين أن يتذكّروا هنا سيرتهم مع نظامهم الملتوي).
أظهر مرسي بشاعةً في الخصومةِ السّياسيّة، ووظّف الوسائل "الجاهليّة" في مواجهة الشّباب، حيث استعانَ بأقاربه وقبيلته لإقرار ما يريد، وضرْب المعارضة بهم. لم يُحقّق مرسي ما يلتقي بطموح الثّوار. كانوا ينتظرون منه تنفيذ وعوده بالإفراج عن المعتقلين، وعلاج الجرحى والمصابين، وتكريم الضّحايا. لكنه وجّه وجهه شطْر العسكر الذين انغمست أيديهم في القتل. زَيّنَ بدلاتهم العسكريّة بالنياشين والتّرقيات. أمّا مشروع "النّهضة"، فكان أكبر كذبةٍ صدّقها المصريّون، وبلعوها بلعاً. (وخذوها عبرةً يا ثوّار البحرين).
بنظرةٍ بانوراميّة على المشهد المصري: كلُّ شيءٍ مُخيّب للآمال. أصحابُ الثّورة الحقيقيين لم يجنوا غير نظامٍ يُنافس أسلافه في القمع. المعارضةُ اليوم تعاني الاهتزاز والاختراق، ومنها منْ اشتراه "الإخوان" بالأموال والمناصب، وهو ما يُفسّرُ التغيّر الجذري الذي طرأ على بعض الشّخصيات المعروفة بمواقفها المحترمة. وغير مستبعدٍ أنّ بعض هؤلاء ليسوا سوى "إخوان" مجنّدين، وهو أمرٌ معروفٌ عن "الجماعة" التي تعتدّ بذراعها الخفيّ في كلّ مكان.
أمّا حرّيةُ الصّحافة والإعلام، وما تعهّد به مرسي من أنه لن يقصف قلماً، أو يُغلق جريدةً؛ فذهب كلّ ذلك أدراج الرّياح. كثُرت مؤخراً الدّعاوى المرفوعة ضدّ الصّحافيين والإعلاميين. تلاحقهم أحكامٌ قضائيّة مُقدّمة من الرئاسة أو بعض أعضاء "الجماعة". عادت من جديدٍ تلك التّهمة المبتذلة التي طبعت عهد الدّكتاتور المومياء، وهي تهمة "إهانة الرئيس"، و"تيتي تيتي زي ما روحتي زي ما جيتي". مدينة الإعلام مُحاصرة من قِبل بعض الإسلاميين، الذين يتعرّضون للعاملين بالفضائيات، وتحت سمع وبصر "الرئاسة" ومباركتها، وذلك بغرض إرهاب المعارضين وتخويفهم من العواقب المنتظرة في حال قوْل الحقيقة، كما حصل مع محاصرة "الدستورية".
إنّ الوضع فى مصر فوضويّ، وعبثي. وهو ما يدعونا إلى فهم حقيقةٍ واحدة، وهي أن مصر تُدار كعزبةٍ، أقرب منها إلى دولة القانون والمؤسّسات. الحقيقة، كما أراها، أنّ مرسى فشلَ فى كلّ الاختبارات التي مرّ بها، ولم يكن على قدر المسئولية بتاتاً، والدّليلُ على ذلك؛ حكومته ورئيس وزرائه، والتي أثبتت أنها فاشلة بكلّ المقاييس.
الأملُ الذي يُعزّينا في هذا الوضع الحالك - والذي يمكن أن يجذب مصر إلى غياهب الماضي ويتلاشي بها شيئا فشيئا - هم الشّبابُ الذين لا يكلّون، ولا يملّون. ينغرسُ فيهم حبّ الوطن، لا حبّ الحزب أو الكرسي. نجدهم في الشّوارع ليلاً ونهاراً. يدفعهم الأملُ، والحبّ، والتّضحية.
كلّ ما سبق، يدفعنا للشّك في كلّ شيء، والحذر من أصدقائنا، قبل أعدائنا. فكم كانت "الجماعةُ" تخدعَ المصريين وتمنّيهم، والآن تكشّف أمرها، وافتضحَ طبعها، وأثبتت التّجاربُ المظلمة أنّ كلّ ما فعلته "الجماعة" في الماضي كان سعياً للسّلطة، وباتت معارضتها مغشوشة. هي - بكلّ صدق – لا ترتدع! فبعد كلّ ما فعلته، ها هي تُلصق نفسها بالثّورة، بعد أن سرقتها، أمّا منْ يُعارضها ويقف في وجهها من الثّوار؛ فصُبّت عليهم النّعوت والأوصاف الجاهزة: "فلول، كافر، وملحد".
مشكلةُ الثّورة في مصر أنّها جاءت متأخّرة كثيراً. تماماً كما يأتي قاربُ النّجاة بعد أن يغرقَ نصفُ طاقم السّفينة. لذلك، لابدّ أن نتيقّن – في مصر، وفي كلّ بلدان الرّبيع العربي - بأننا سنواجه عقباتٍ كثيرة، والثورة أمامها تحديات صعبة ومربكة. ومنها، التّبعيّة الأيديولوجيّة، والتّحزب، والفقر، والجهل، والبطالة. كلّ ذلك سيكون حاضراً يوم 25 يناير، فماذا سيفعل المصريّون؟
*ناشطة مصريّة.