» رأي
البحرين أسهل الأسئلة...أصعبها!
أحمد البوسطة - 2013-01-02 - 5:22 م
أحمد البوسطة*
«ألا يعلم هذا الرائد أن مثل هذه الادعاءات (إقامة دولة ولاية الفقيه) حول شخص معروف بانتمائه للفكر السياسي الليبرالي العلماني المعارض لفكرة الدولة الدينية، وواحد من أبناء الطائفة السنية ستثير الضحك».
(إبراهيم شريف في مرافعته أمام المحكمة 5 يونيو 2012)
فجأة، يخرج علينا بين الحين والحين،"واعظ تحت عباءته والي عثماني"، أو "داعية حقوقية رسمية" برتبة وزير، وكيل وزارة لحقوق الإنسان، أو ربما كتاتيب طارئة ليعطونا دروساً يفقهها أصغر طفل بحريني على مقعد الدراسة الابتدائية في مواضيع ثقافة "التسامح والتعايش"، وكذلك دروس ووعظ دينية وحقوقية عن حقوق الإنسان، واحترام القوانين وسيادتها، غير أن هذا "الوعظ" فيه من الوقاحة والاستخفاف الفجّ والمقزز لعقولنا، بحيث يكون الطائفي الذي يعتدي على نسيج ثقافة التسامح والتعايش وينتهك القوانين عندهم هو ذاك الشخص الذي يحتج أو يرفض الوضع السائد المتخلف، أو الذي يصرخ ويستغيث لوقف آلة القمع والقتل والتدمير الهمجي الممنهج، وذلك الذي يرفض تغّول السلطة والمتمصلحين معها باحتكار كل شيء، كل شيء وفق مقاساتهم.
هذا هو مُدمّر ثقافة التسامح والتعايش عندهم، بينما لم تغادر شرور "ثقافتي الطأفنة والمشانق المعلقة" عند السلطة والمتمصلحين في دائرتها، لا تغادر ولو بالكذب خطاباتهم، ولا هيئة إذاعتهم وإعلامهم المرئي والمسموع والمقروء، ولا وكالة أنبائهم امتداداً لصحفهم الصفراء، بل وتتصاعد وتيرة هذه اللهجة العدائية والاستعلائية والاقصائية يوماً وبعد يومٍ، في حين يتوحد خلف متاريسهم حلفهم المقدس ضد مصالح الناس المتمثلة في تحقيق العدالة الحقيقية، وإشاعة ثقافة الحريات العامة واعتبار الشعب مصدر السلطات، وعلى إنه (الشعب وليس القبيلة) هو الكفيل بإدارة شؤون المجتمع عن طريق التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع العابرة للطائفية والمناطقية.
عندما تطل سميرة رجب، قبل توزيرها وبعد توزيرها لشؤون الإعلام على شاشات التلفاز والفضائيات العالمية، وكانت من قبلها "الوزيرات" فاطمة البلوشي، وبعدهما صلاح علي وزير حقوق الإنسان يتفننون سذاجة في ثخن آذان المشاهدين والمتابعين للشأن البحريني بـ"سلامة وحضارية إجراءات السلطة الموقرة وتعامل رجال الأمن وأجهزتها الأمنية"، وينفون باستمرار نفياً قاطعاً أي ممارسة للتعذيب أو لاختراق الدستور والقوانين المتبعة في هذه المسألة، وذلك استناداً إلى المادة (19 د) من الدستور البحريني التي تقول: "لا يعرّض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها".
تخيلوا، لو أن في نصوص الدستور البحريني كتب، مثلاً، مثلاً: إن البحرين مملكة دستورية قمعية، يحق للمشيخة الحاكمة فيها بحكم القانون أن تستولي على أراضي اليابسة، والسواحل والبحار، وكذلك الجزر المتناثرة في المياه، ويستحوذ على كل السلطات والثروات، ويحق لها أن تطلق النار على المتظاهرين العزل، وتكمم أفواه الناس وفق مصلحة القبيلة، ويحق لها أن تعتقل وتعذب حتى الموت ما تشاء، وتقتل ما تشاء في الشوارع والساحات والبيوت أي مختلف معها.... إلى آخره".
لو كانت نصوص الدستور بهذه الصيغة، فإنه من السهل على ماكينة دعايتهم أن تبرر للعالم دفاعها عن النظام وتبرير جرائمه وانتهاكاته الفظيعة، وبالتالي تستطيع إقناع أصغر ربة بيت بحرينية، وربما بسيوني أيضاً، إن إجراءاتهم سليمة مائة بالمئة؟!
لكن المشكلة، إن السلطة واقعة بين أمرّين: الأول، لا تستطيع أن تنفي نصوص دستورها وقوانينها، والشواهد كثيرة ولا تخطئها العين سليمة النظر ولا السمع الثقيل أيضا؛ والثاني، يصعب على دولة تدعي صبح مساء، إنها عصرية من الديمقراطيات العريقة، أن تُفهم على إنها من الديمقراطيات "الغريقة"، لسبب وجيه، وهو إن هذه النصوص التي تُمثل حقيقتها الممنهجة بالفعل لا تقوى على صياغتها خشية من اعتبارها دولة مارقة في نظر المجتمع الدولي ويتم عزلها وربما خلعها بنصوص دستورها حتى وإن لم تطلق رصاصة واحدة على متظاهر أعزل.
في الفقرات 1241 و1178 و1179 من تقرير بسيوني جاء الآتي: الفقرة (1178) "خلصت اللجنة إلى أن عمليات القبض الموسعة التي تمت بناءً على النمط الموصوف عاليه تعد انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك للقانون البحريني، وعلى وجه الخصوص، قامت قوات الأمن بإجراء عمليات القبض دونما إبراز أوامر قبض أو تفتيش"...و(1179): "ويشير تواجد نمط سلوكي منهجي إلى أن هذا هو أسلوب تدريب هذه القوات الأمنية وأن هذه هي الطريقة التي من المفترض أن يعملوا بها، وأن هذه الأحداث لم تكن لتحدث دون علم الرتب الأعلى في تسلسل القيادة داخل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني".... والفقرة (1241) تشير إلى إنه: "وقد تلقت اللجنة أدلة تشير إلى أن بعض الحالات تغاضى العاملون في السلك القضائي والنيابة العامة ضمنياً عن هذا الافتقار إلى المساءلة".
دعونا ننبر في ذاكرتنا الوطنية الحديثة والقريب جداَ منها ما دمنا أحياء، وقارنوا بما تعرض له شعبنا وطليعة كوادره، بنسائه ورجاله وأطفاله وشبابه، طيلة نحو سنتين فقط من اعتقال وتنكيل، قتل وخطف، اعتداءات وتحرشات جنسية، فصل وسحب جنسيات، محاكمات ظالمة ولجان تحقيق مكارثية يخجل جون مكارثي (الذي اشتق منه هذا المصطلح) لو كان حياً اقترافها ضد الذين تم استهدافهم في العام 1953 بأميركا، في حين يطالب البعض من الضحايا القبول بقلب صفحة جديدة هكذا ببساطة وعقد صفقات تسوية، وكأن شيئاً لم يكن!
* صحافي من البحرين.
«ألا يعلم هذا الرائد أن مثل هذه الادعاءات (إقامة دولة ولاية الفقيه) حول شخص معروف بانتمائه للفكر السياسي الليبرالي العلماني المعارض لفكرة الدولة الدينية، وواحد من أبناء الطائفة السنية ستثير الضحك».
(إبراهيم شريف في مرافعته أمام المحكمة 5 يونيو 2012)
فجأة، يخرج علينا بين الحين والحين،"واعظ تحت عباءته والي عثماني"، أو "داعية حقوقية رسمية" برتبة وزير، وكيل وزارة لحقوق الإنسان، أو ربما كتاتيب طارئة ليعطونا دروساً يفقهها أصغر طفل بحريني على مقعد الدراسة الابتدائية في مواضيع ثقافة "التسامح والتعايش"، وكذلك دروس ووعظ دينية وحقوقية عن حقوق الإنسان، واحترام القوانين وسيادتها، غير أن هذا "الوعظ" فيه من الوقاحة والاستخفاف الفجّ والمقزز لعقولنا، بحيث يكون الطائفي الذي يعتدي على نسيج ثقافة التسامح والتعايش وينتهك القوانين عندهم هو ذاك الشخص الذي يحتج أو يرفض الوضع السائد المتخلف، أو الذي يصرخ ويستغيث لوقف آلة القمع والقتل والتدمير الهمجي الممنهج، وذلك الذي يرفض تغّول السلطة والمتمصلحين معها باحتكار كل شيء، كل شيء وفق مقاساتهم.
هذا هو مُدمّر ثقافة التسامح والتعايش عندهم، بينما لم تغادر شرور "ثقافتي الطأفنة والمشانق المعلقة" عند السلطة والمتمصلحين في دائرتها، لا تغادر ولو بالكذب خطاباتهم، ولا هيئة إذاعتهم وإعلامهم المرئي والمسموع والمقروء، ولا وكالة أنبائهم امتداداً لصحفهم الصفراء، بل وتتصاعد وتيرة هذه اللهجة العدائية والاستعلائية والاقصائية يوماً وبعد يومٍ، في حين يتوحد خلف متاريسهم حلفهم المقدس ضد مصالح الناس المتمثلة في تحقيق العدالة الحقيقية، وإشاعة ثقافة الحريات العامة واعتبار الشعب مصدر السلطات، وعلى إنه (الشعب وليس القبيلة) هو الكفيل بإدارة شؤون المجتمع عن طريق التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع العابرة للطائفية والمناطقية.
عندما تطل سميرة رجب، قبل توزيرها وبعد توزيرها لشؤون الإعلام على شاشات التلفاز والفضائيات العالمية، وكانت من قبلها "الوزيرات" فاطمة البلوشي، وبعدهما صلاح علي وزير حقوق الإنسان يتفننون سذاجة في ثخن آذان المشاهدين والمتابعين للشأن البحريني بـ"سلامة وحضارية إجراءات السلطة الموقرة وتعامل رجال الأمن وأجهزتها الأمنية"، وينفون باستمرار نفياً قاطعاً أي ممارسة للتعذيب أو لاختراق الدستور والقوانين المتبعة في هذه المسألة، وذلك استناداً إلى المادة (19 د) من الدستور البحريني التي تقول: "لا يعرّض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها".
تخيلوا، لو أن في نصوص الدستور البحريني كتب، مثلاً، مثلاً: إن البحرين مملكة دستورية قمعية، يحق للمشيخة الحاكمة فيها بحكم القانون أن تستولي على أراضي اليابسة، والسواحل والبحار، وكذلك الجزر المتناثرة في المياه، ويستحوذ على كل السلطات والثروات، ويحق لها أن تطلق النار على المتظاهرين العزل، وتكمم أفواه الناس وفق مصلحة القبيلة، ويحق لها أن تعتقل وتعذب حتى الموت ما تشاء، وتقتل ما تشاء في الشوارع والساحات والبيوت أي مختلف معها.... إلى آخره".
لو كانت نصوص الدستور بهذه الصيغة، فإنه من السهل على ماكينة دعايتهم أن تبرر للعالم دفاعها عن النظام وتبرير جرائمه وانتهاكاته الفظيعة، وبالتالي تستطيع إقناع أصغر ربة بيت بحرينية، وربما بسيوني أيضاً، إن إجراءاتهم سليمة مائة بالمئة؟!
لكن المشكلة، إن السلطة واقعة بين أمرّين: الأول، لا تستطيع أن تنفي نصوص دستورها وقوانينها، والشواهد كثيرة ولا تخطئها العين سليمة النظر ولا السمع الثقيل أيضا؛ والثاني، يصعب على دولة تدعي صبح مساء، إنها عصرية من الديمقراطيات العريقة، أن تُفهم على إنها من الديمقراطيات "الغريقة"، لسبب وجيه، وهو إن هذه النصوص التي تُمثل حقيقتها الممنهجة بالفعل لا تقوى على صياغتها خشية من اعتبارها دولة مارقة في نظر المجتمع الدولي ويتم عزلها وربما خلعها بنصوص دستورها حتى وإن لم تطلق رصاصة واحدة على متظاهر أعزل.
في الفقرات 1241 و1178 و1179 من تقرير بسيوني جاء الآتي: الفقرة (1178) "خلصت اللجنة إلى أن عمليات القبض الموسعة التي تمت بناءً على النمط الموصوف عاليه تعد انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك للقانون البحريني، وعلى وجه الخصوص، قامت قوات الأمن بإجراء عمليات القبض دونما إبراز أوامر قبض أو تفتيش"...و(1179): "ويشير تواجد نمط سلوكي منهجي إلى أن هذا هو أسلوب تدريب هذه القوات الأمنية وأن هذه هي الطريقة التي من المفترض أن يعملوا بها، وأن هذه الأحداث لم تكن لتحدث دون علم الرتب الأعلى في تسلسل القيادة داخل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني".... والفقرة (1241) تشير إلى إنه: "وقد تلقت اللجنة أدلة تشير إلى أن بعض الحالات تغاضى العاملون في السلك القضائي والنيابة العامة ضمنياً عن هذا الافتقار إلى المساءلة".
دعونا ننبر في ذاكرتنا الوطنية الحديثة والقريب جداَ منها ما دمنا أحياء، وقارنوا بما تعرض له شعبنا وطليعة كوادره، بنسائه ورجاله وأطفاله وشبابه، طيلة نحو سنتين فقط من اعتقال وتنكيل، قتل وخطف، اعتداءات وتحرشات جنسية، فصل وسحب جنسيات، محاكمات ظالمة ولجان تحقيق مكارثية يخجل جون مكارثي (الذي اشتق منه هذا المصطلح) لو كان حياً اقترافها ضد الذين تم استهدافهم في العام 1953 بأميركا، في حين يطالب البعض من الضحايا القبول بقلب صفحة جديدة هكذا ببساطة وعقد صفقات تسوية، وكأن شيئاً لم يكن!
* صحافي من البحرين.