صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
2024-11-13 - 10:49 م
مرآة البحرين : على ماذا يبني الحكم في البحرين قراراته وخطواته؟ وهل قاموسه السياسي يعرف فِعلًا غير مَنَعَ وحَظَرَ وكلّ مفردات التأزيم؟ وهل يستحقّ هذا البلد الصغير كلّ هذه العُقد؟
مناسبةُ الحديث اليوم هي مِحنة صلاة الجُمعة المركزية في البحرين المستمرة منذ 6 أسابيع (الى حين كتابة هذه السطور). إنها ورْطة بيت الحكم التي لم يجد المفسّرون لها شرحًا منطقيًا. قبل سنتيْن، استؤنفت الصلاة بعد 7 سنوات من التغييب. المنبر بما يُمثّل من رمزيةٍ دينيةٍ بالنسبة لقسمٍ كبير من الشعب يعني كلمة الفصل أو فصل خطاب القيادة ربّما، أيْ أكثر المنصّات تعبيرًا عن مطالب المواطنين وقضايا الساحة المحلية والعالم، منه يصدر الموقف العلمائي الذي يُقارب معظم شؤون البلد بشفافية، فيتحدّث عن السياسة والاقتصاد وهموم المجتمع والإصلاحات التي يُنادي بها، وبطبيعة الحال عن المعتقلين والبطالة والضرائب ومشاكل الرواتب والمتقاعدين والتأمينات والغلاء المعيشي والتجنيس.
عودة الصلاة الى جامع الدراز خلال السنتيْن الماضيتيْن تأمّنت بعد معاناة طويلة ومريرة وصبر وطول نفس.
وبعد عملية طوفان الأقصى 2023، أعاد الحكم تصويب سهامه وتهديداته لمنبر الجمعة، وبدأت تعتمد لغة التحذيرات السرية للعلماء والخطباء، الى أن أقدمت على اعتقال العلامة الشيخ محمد صنقور، الخطيب الأول لصلاة الجمعة وثقة آية الله الشيخ عيسى قاسم، لانتقاده موضوع المناهج التعليمية ومُهادنة اليهود فيها، ثم اعتقال الخطيب الثاني الشيخ علي الصددي لتنديده بجرائم الصهاينة في لبنان وغزة.
ولم تخلُ تلك الفترات من تهديد لبقية المتصدين سواء عبر الاستدعاءات او الاتصالات او الوسطاء من الشيخ علي رحمة إلى الشيخ فاضل الزاكي وصولاً إلى القائمين والمتصدين لخدمة الجامع وصلاة الجمعة
الكلام عن الصهاينة أزعج وحرّك النظام الحاكم باتجاه التيار العلمائي. هناك من يسخر من خطوات آل خليفة بالقول "حتى العدو الاسرائيلي لم يطلب من الدولة فعل ما فعلته بحقّ الخطباء في جامع الدراز!"، فكانت بمثابة خدمة مجانية قدّمت للعدو. يقود هذا التقديم الى تأكيد أن مُحاصرة ومُلاحقة هذا المنبر لم تأتِ بسبب مواجهته السلطة أو تأثيره سلبًا على المشهد الداخلي، بل بسبب غيرة النظام على تحالفه مع الغريب أي العدوّ الصهيوني على حساب أبناء البلد، وهذ ما كان ليتحقّق لولا عرّاب المشروع الأمني في مملكة البحرين وزير الداخلية راشد بن عبدالله، مُدمن ممارسة الطائفية الذي لا يهنأ باله إلّا بالاعتقالات والاستدعاءات والتوقيفات والنفي وإسقاط الجنسيات، وصولًا الى التضييق على الحوزات الدينية والقامات العلمائية، الى أن توعّد وسَجَنَ المُتعاطفين مع فلسطين ولبنان، وكل من عبر ولو بالإشارة في استشهاد الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله وشهداء المقاومة في لبنان.
ثمّة 3 سيناريوهات ترسم معالم المشهد المُقبل لمواجهة النظام خطباء منبر الدراز:
* أن تبقى السلطة على الأسلوب نفسه، ويصْبر المصلّون الى أن تسمح الدولة باستئناف الصلاة في الوقت الذي تشاؤه. احتمال ذلك ضعيفٌ للغاية، ولا يمكن البناء عليه فالمزاج الشعبي لا ينسجم مع هذا السيناريو الاستسلامي، وهو خلاف المبنى الفقهي لأصل قرار قيام صلاة الجمعة من عدمها .
* تصاعُد الضغط الشعبي في الدراز وغيرها، والإصرار على أداء الصلاة في الجامع، واحتمال تحقيق ذلك قويّ ومنطقي جدًا.
* توجُّه العلماء الى جامع الإمام الصادق (ع) غير مُكترثين للتهديدات والحصار القائم، والتحدّي السلمي بما لا يُخالف القوانين وضمن ما يكفله الدستور لحرية العبادة وممارسة الشعائر (المادة 22). تأثير هذا السيناريو أكبر على الأرض وأمام الناس، ولا سيّما أن كبار العلماء لم يلتزموا الصمت حيال المسّ بشعيرتهم الإسلامية المقدّسة والإلهية، رافضين أيّة وصاية عليها من قبل الأوقاف الجعفرية التي تتحرّك بأمرٍ من الدولة، مُتمسّكين بالشريعة الإسلامية وحدها. وهذا الموقف لا يمكن فصْله عمّا أرساه آية الله قاسم إزاء قُدسية المنبر الإسلامي، وأعاد الإشارة إليه في بيانه الأخير عندما قال "شعبنا لا يُستغفل ولا يرضى بأن يُظلم في دينه ودنياه، أو تُخدش عزّته وكرامته، وتُشترى منه عقيدته وشريعته الإلهيّة بمكسب من مكاسب دنياه".
تريد الدولة اذًا القضاء على المنبر الديني الوطني والقومي في البحرين. تريد أيضًا سلخه عن القضية الفلسطينية الراسخة في وجدان الشعب وأدبيّاته، فتسعى الى التحكّم به وإفراغه من وظيفته التي يعتبرها تكليفًا شرعيًا: التعبير عن صوت الشعب وقضايا المسلمين.