مغزى مواصلة السجناء إضرابهم رغم الوعود: لا نشتري سمكاً في البحر
2023-08-31 - 9:17 م
مرآة البحرين (خاص): يدخل أكثر من 800 معتقل سياسي أسبوعهم الرابع في الإضراب عن الطعام، وتبدو الحكومة للمرة الأولى، منذ زمن بعيد، عاجزة وموضوعة في زاوية ضيقة، تواجه الضغوط الإعلامية والسياسية دون استطاعتها على المناورة.
بداية حاولت وزارة الداخلية كعادتها تجاهل الأمر، لكن استمرار السجناء لأكثر من أسبوعين في إضرابهم والرسالة التي بعثها نشطاء مؤخراً لولي العهد والتي نشرت في وسائل الإعلام (والتي حمّلت بصورة غير مباشرة ولي العهد مسؤولية ما سيجري على المعتقلين)، ضيق الخناق على هذا التجاهل.
استقبل سلمان بن حمد وزير الداخلية، ولا أحد يعلم بالطبع ما الذي دار في هذا اللقاء، وفي هذه الأثناء كان يزور رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سجن جو ويلتقي بالمضربين عن الطعام للاستماع لمطالبهم، في اليوم التالي استقبل وزير الداخلية رئيس الوطنية لحقوق الإنسان، وخلال اللقاء أعلن عن مراجعة عدد من الإجراءات.
وبالعودة إلى نص البيان الذي نشرته وكالة أنباء البحرين، سنجد أن كل ما ذكر، لم تكن سوى وعود، وأن لا قرار اتخذ بخصوص أي من هذه القضايا.
يقول البيان مثلاً "تمت مناقشة الخدمات الصحية المقدمة للنزلاء من قبل المستشفيات الحكومية" دون توضيح ما يعنيه هذا الكلام، يضيف البيان أيضاً "مراجعة نظام الزيارات للنزلاء وتطويره ليشمل زيادة توقيت الزيارة"، وكلمة مراجعة لا تعني بالضرورة اتخاذ أي قرار معين مستقبلاً.
ويكمل بيان الداخلية أنه خلال اللقاء تمت مناقشة أيضاً "زيادة وقت الاستراحة اليومية (التشمس)، وفيما يتعلق بزيادة تعرفة الاتصال فهناك تنسيق جاري مع شركة الاتصالات حول مراجعة هذا الأمر".
كان بإمكان وزير الداخلية وهو يملك صلاحية ذلك، أن يقول خلال اللقاء أنه قرر زيادة وقت التشمس، أو زيادة عدد أفراد الأسرة وتعديل شروط قائمة الزوار ... الخ، لكنه فضل إبقاء خياراته مفتوحة، ما يعني عدم تقديمه أي تنازل مستقبلاً، إن أقدم السجناء على فك الإضراب اليوم.
قرر السجناء الاستمرار في إضرابهم حتى تحقيق مطالبهم، وهو ما كان متوقعاً بعد البيان المليء بالوعود الفارغة، ولو وافقوا على ذلك لكانوا بالضبط كمن يشتري سمكاً في البحر كما يقول المثل الدارج.
معضلة أخرى أيضاً تقف أمام حلحلة مطالب السجناء تتعلق بأسلوب وطريقة تفكير وزير الداخلية نفسه، فهو وزير تأزيم أساساً، ومعروف بآرائه المتشددة ونظرته الحادة للأمور، ولذلك لا نرى أن أحداً من وزارة الداخلية ذهب رسمياً لمفاوضة السجناء، بل حتى وقت التشمس الذي تم تمديده، جاء كخطوة أحادية الجانب دون الرجوع للمضربين عن الطعام، وهو يذكرنا بأصل المشكلة السياسية مع الحكم الذي قرر دائما اتخاذ القرارات المصيرية بشكل منفرد منذ دستور 2002 المنحة، وصولاً إلى اليوم.
بالطبع فإن الحكومة هي الطرف الأقوى في المعادلة، ووزير داخليتها متشدد وتأزيمي، يدرك السجناء كل تلك الحقائق والتعقيدات، لكنهم يرون أنفسهم في نضال مستمر، الانتصار فيه لا يتحقق بضربة قاضية من هذا الطرف أو ذاك، إنما بنظام النقاط، فمن يكسب النقاط الأكثر ينتصر في نهاية المطاف، وما هذا الإضراب إلا جولة يأملون من خلالها (ونأمل معهم) أن يكسبوا نقاطاً تؤدي في نهاية المطاف لإعطائهم حقوقهم الأساسية خلف القضبان وإن كان حقهم الأساسي أن يكونوا أحراراً لا في السجون بسبب آرائهم السياسية.