لطيفة الحسيني: فريق ركن لم يخض حربًا!
لطيفة الحسيني - 2023-05-09 - 4:58 م
مرآة البحرين (خاص):
في أبجدية آل خليفة كلّ شيءٍ جائز. الخفيف يُصبح ثقيلًا متى يشاء الحاكم. قد يكون الترفيع المتدرّج لناصر بن حمد أكثر روايات الملك "إبداعًا". قائد الحرس الملكي في البحرين، المنصب الأبهى ربّما لـ"طويل العمر" من بين الأحد وعشرين منصبًا الذي يتولّاها، لكنّ الغوص في كلّ هذه السلسلة من الرُتب والدرجات يقود الى شيء وحيد: ليس كلّ ما يلمع ذهبًا.
بالحديث عمّا يتبوّأه نجل الملك المُدلّل والأحبّ الى قلبه، يُسأل دائمًا هل يملأ الشيخ ناصر فعلًا مكانه في كلّ ما أوكله به والده؟ فلنُركّز على ناصر كمستشار للأمن الوطني وأمين عام للمجلس الأعلى للدفاع. هل يُدرك الملك بوجه من وضع ناصر؟ لن نُطيل لائحة النظراء مقابل ابن حمد. يكفي استعراض سِيَر أمناء مجلس الدفاع الأعلى في أكثر خمسة دول تصدّرًا للمشهد العسكري في العالم: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الهند، إيران.
يُفترض أن يُناظر الشيخ ناصر جايك ساليفان في الولايات المتحدة كمستشار للأمن القومي الأمريكي. ساليفان حائزٌ على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة ييل، ودرجة الماجيستير في الفلسفة في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد. اختبر الكثير من التجارب التي صقلت اسمه في عالم المفاوضات السياسية ولاسيّما النووية.
ولأنّ الشيخ ناصر يجمع عشرات المناصب في آنٍ معًا، يُناظره في الولايات المتحدة أيضًا قائد الحرس الوطني الأمريكي الجنرال دانيال هوكانسون العضو في هيئة الأركان المشتركة في الوقت نفسه. يعمل كمستشار عسكري للرئيس الأمريكي، ووزير الدفاع، ومجلس الأمن القومي، وهو قناة الاتصال الرسمية لوزارة الدفاع مع حكام الولايات ومساعديها العامين في جميع الأمور المتعلقة بالحرس الوطني. كذلك هو مسؤول عن وصول نحو 453000 فرد من أفراد الجيش والحرس الوطني الجوي المُجهّزين لحماية الوطن. شارك في حروب الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وحائزٌ على عشرات الأوسمة العسكرية.
في روسيا، يُناظر قائد الحرس الوطني فيكتور ألكسندروف زولوتوف الشيخ ناصر، وهو العضو في مجلس الأمن الروسي، مجلس الأمن الروسي الذي يؤرق واشنطن في كلّ صباح ومساء، ولاسيّما أنه يضمّ رؤساء الاستخبارات الخارجية وهيئة الأمن الفيدرالي الروسي وزراء الداخلية والخارجية والدفاع، ورئيس الوزراء ورئيسا غرفتي البرلمان. وفيه، تُتخذ القرارات الخاصة بالسياسة الداخلية والخارجية الروسية.
نظير ناصر الروسي أنجز مهمّات قد لا يمرّ بها الشيخ البحريني حتى في المستقبل، فحاز على نياشين الشرف في أداء المهام الخاصة وتمتين التعاون العسكري.
بالانتقال الى إيران، يبرز في المنصب الموكل الى ابن حمد اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري. سِجّل اللواء الإيراني العسكري طويل، فقد ترأس سابقًا رئيس جامعة القيادة والأركان في الحرس الثوري، ونيابة
العمليات في فريق الحرس الثوري المشترك، وقيادة سلاح الجو في الحرس، وعُيّن عضوًا في هيئة التدريس بجامعة الدفاع الوطني العليا.
رئيس مجلس الأمن القومي الهندي أجيت دوفال هو الآخر نظير الشيخ ناصر. دوفال مسؤول عن هذه المجموعة التي تتولّى صنع السياسات الاستراتيجية وتضمّ وزراء ورؤساء هيئات سياسية وعسكرية هدفهم الأول مراجعة الدفاع الاستراتيجي للهند.
للصين حكايةٌ أخرى. التشكيلات الرسمية تقول إن رئيس البلاد يتزعّم اللجنة العسكرية الوطنية التي من المفترض أن توازي المجلس الأعلى للدفاع في البحرين الذي يترأسه ناصر. وهذا يعني أن الأخير نظير الرئيس الصيني دُفعةً واحدة! المُضحك في الأمر أن ناصر نفسه قد لا يُصدّق ذلك. وهذه اللجنة تُسنَد إليها مهمّة قيادة وإدارة جيش التحرير الشعبي الصيني، أيْ القوات المسلحة للبلاد.
أسئلةٌ كثيرة واستفساراتٌ أكثر تُطرح عند ذكر اسم ناصر بن حمد. هذا البروز السريع منذ تنصيبه للمرة الأولى بعمر الـ13 كقائدٍ لفريق التحمّل الملكي عام 2000 وصولًا الى الاستحواذ على المواقع العسكرية والشبابية والاقتصادية الأساسية في البلاد، وهي في عزّ أزمة وطنية ممتدّة منذ العام 2011 يعني أننا أمام رؤية منحرفة وملتوية وعوجاء، تضع في الواجهة من لم يخضْ حربًا واحدة، لم يقمْ بنشاطٍ عسكري فاقع، لم يصقل كلّ مهاراته المنسوبة إليه في الإعلام الرسمي بعلوم عسكرية جامعية حتى. "الإبهار" في سيرته يقع في "موهبةٍ" يروَّجُ على أنه يمتلكها وهي الشعر، والمعروف في الأوساط الداخلية أنها ليس سوى تقمّصٌ فاشلٌ لشخصية لا وجود لها، فهو يستعين بشاعر بدوي ينظم قصائده "الأخّاذة"!
في عيد العمّال مؤخرًا، عمّم الملك بالصورة ترقية ناصر الى رتبة فريق ركن. فجأة، البحرينيون تنبّهوا للخبر المُباغِت. وسائل الإعلام انشغلت بنقل أخبار التهاني الموجّهة الى ناصر بهذه المناسبة. أُريد لهم ألّا يلتفتوا الى هواجسهم وحقوقهم في الوطن. استطاع الحاكم أن يجعل من ابنه حديث إعلامه هو، لا إعلام أهل الديرة. ولمَ سيهتمّون؟ ما دامت أجندة الشيخ ناصر لا تلحظ الخبرات الوطنية بل الأجنبية حصرًا، وأحدث القرارات تشهد على ذلك مع تعيين يوهان بلينينغر رئيسًا تنفيذيًا لشركة تطوير حقل البحرين - تطوير للبترول.
كيف سيثقُ هؤلاء جميعًا بمَن لم يستثمر بطاقات بلده الشبابية، بل انبرى نحو نرجسيّته ليظهر دومًا في صورة بطل الفروسية في سباقات القدرة والخيل؟ ما هي خطط الفريق الركن ناصر بن حمد للحرس الملكي والشباب؟ هل يعرف نسبتَهم؟ مشاكلَهم؟ معاركَهم اليومية؟ المهمّ أن يظهر ناصر للملأ مهما كلّف الثمن والطمع والجشع!
وحتى تكتمل فصول المسرحية، قد يُعلن قريبًا عن تنصيب ناصر بن حمد قائدًا للجيش، لتدخل البحرين في كتاب "غينيس" للأرقام القياسية كأول دولة تصل فيها شخصية غير عسكرية الى قيادة الجيش دون أن تدخل في عراك أو اقتتال واحد، على الرغم من الكمّ الهائل من الأسلحة التي تُسارع المنامة للحصول عليها.
يسأل البعض هل يُعقل أن يُصبح هذا السيناريو أمرًا واقعًا؟ ولمَ ما؟ هل ما يمنع الملك من "تدليل" نجله المنافس لأخيه غير الشقيق في ولاية العهد ورئاسة الوزراء؟ حسابات الملك لا تأبه للقيل والقال ولا للانتقادات ولا لرأي الشعب برمّته. ما يُناسب مصلحة الملك الشخصية سيجد طريقه الى التطبيق بالفرض والإكراه، حتى لو سبّب فراقًا ونفورًا بين "إخوة" آل خليفة. ما تراه عينا "المعظّم" لا تلحظه عيون الشعب، حتى لو كان الابن الرابع لا الأوّل، تخصّص أم لم يتخصّص، تميّز أم لم يتميّز، حتى لو كانت أمّه شيعة الخريش وليست سبيكة. المملكة تُحكم كعقار خاص حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا!