باقر درويش: حسنا فعلت سميرة رجب بتذكيرنا
باقر درويش - 2023-01-04 - 6:57 م
في حوار لها مع موقع جريدة القبس الإلكتروني مع الإعلامي عمار تقي ببرنامج الصندوق الأسود أعادت وزيرة الإعلام السابقة سميرة رجب تذكيرنا بموقف سابق لها جاء عرضا في محاولة نفي المسؤولية عن الانتهاكات التي وقعت في التسعينات عن الحكومة البحرينية عبر إحالتها للبريطانيين حصرا.
هذا الكلام ليس جديدة لها، فقد سبق وأن قالته في أكتوبر 2010 في حوار لها ببرنامج إضاءات مع تركي الدخيل، وهي في الحالتين حاولت تحجيم مسألة التعذيب وتشويه صورة الأزمة السياسية.
في العموم، نحن لسنا هنا بمعرض توزيع صكوك براءة لأحد، فكل المسؤولين التنفيذين في الدولة البحرينية الذين كانوا على صلة بالأزمة السياسية منذ السبعينات وما بعدها هم على شراكة مجتمعة كُلٌّ حسب موقعه (راجع المقال السابق هل كان خليفة بن سلمان وحيدا لـ 49 سنة)، إلا أنَّنا في الوقت ذاته أيضا لا يمكن أن ننسى الدور السيء الذي لعبه الضباط البريطانيون ومنهم إيان هندرسون في فترة قانون أمن الدولة وما بعدها؛ حيث كان لهم دور بعد أزمة 2011 في تقديم المشورة الأمنية للملك بما في ذلك كبار الضباط السابقين في الجيش البريطاني، ووحدة التحكم السابقة في جهاز الاستخبارات البريطاني (راجع ما كشفته صحيفة ديلي مافريك عن العلاقات العسكرية البريطانية البحرينية).
ماذا عن الحصانات القانونية والقضائية لملف التسعينات وضحايا الماو ماو؟
تحت ضغط الأزمة السياسية في التسعينات أعلنت الحكومة البحرينية في 22 فبراير 1998 عن تقاعد إيان هندرسون رئيس مباحث أمن الدولة لتخفيف الضغط عليها خصوصا وأنَّها كانت بصدد التوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب بعدها بأسبوعين في مارس من العام ذاته ثم تحول هندرسون للعمل بعدها بصفة مستشار في وزارة الداخلية ليحال للتقاعد النهائي في 2000 إعلاميا، فيما ظل هندرسون يتنقل بين البحرين وكينيا وبريطانيا إلى حين وفاته وحيدا ومن دون تأبين رسمي بحريني أو بريطاني في 13 أبريل 2013، هل سمعت ذلك يا راشد آل خليفة (وزير الداخلية)؟.
وقد كان لقانون 56 الصادر في 2002 عن الملك الحالي بمنح الحصانة لموظفي أمن الدولة من محاكمتهم عن انتهاكات حقوق الإنسان قبل عام 2001 الدور الكبير في تمكين كل جناة التعذيب في حقبة أمن الدولة من الإفلات من العقاب وتطوير تقنيات التعذيب والقمع لاحقا كما شاهدنا بعد 2011.
في يناير 2000 كانت السلطات البريطانية أعلنت عن فتح التحقيق في الاتهامات الموجهة إلى الضابط البريطاني إيان هندرسون عن جرائم التعذيب في البحرين؛ لترحب بذلك منظمة هيومن رايتس ووتش، قبل أن يطوى الملف كاملا بصمت.
وقد كان لمسار الأحداث السياسية الداخلية والظروف في البحرين وتزاحم الملفات السياسية وبدء أكذوبة الإصلاح السياسية دور في التأثير على عدم نمو الحراك القضائي في هذا الملف؛ رغم وجود نشاط سياسي وحقوقي وإعلامي للمعارضة لم ينفك يذكر بجرائم التسعينات.
على بعد ثلاثة أشهر من وفاة إيان هندرسون بـ 2013 وافقت الحكومة البريطانية على دفع 19.9 مليون جنيه إسترليني كتعويض لأكثر من 5 آلاف مطالب عانوا من سوء المعاملة أثناء تمرد الماو ماو، ولا زال مشهد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ماثلا وهو يتلو بيان اعتذار أمام مجلس العموم، قائلا فيه إن الحكومة "تأسف بشدة لوقوع تلك الانتهاكات". هذا كان بعد حراك مدني وقضائي طويل للمطالبة بضحايا قمع انتفاضة الماو ماو أنجز أولى خطواته في أكتوبر 2012 بعد انتزاعه موافقة المحكمة العليا بالإذن بالمطالبة بالتعويضات. وقد كان هندرسون أحد الضباط الخمسة المسؤولين عن تلك الانتهاكات.
من سوء حظ البحرينيين فإنَّ إيان هندرسون، رئيس مباحث أمن الدولة في البحرين لما يقرب 30 عاما، قد طرد من كينيا بعد استقلالها بسبب ما قام به من حملات قمعية ضد ثوار الماوماو هناك، حيث أعلن حينها، وزير الداخلية الكيني أوغينغا أودينغا في أكتوبر/ تشرين الأول 1964 أن هندرسون و4 ضباط أمن بريطانيين آخرين أصبحوا «أشخاصاً غير مرغوب فيهم وعليهم مغادرة كينيا خلال 48 ساعة» بعد تظاهرات تطالب بطردهم من كينيا.
ليتم استقدامه إلى البحرين بعد ذلك في 1966 إذ قام بإعادة تشكيل القسم الخاص بمباحث أمن الدولة الذي تأسس في العام 1957، وظل يترأس أجهزة المخابرات السرية المعنية بمتابعة السياسيين حتى العام 2000.
الوثائق البريطانية: لا براءة للحكومة هناك من تغطية هندرسون
على الرغم من أنَّ السلطات البريطانية لا زالت تتسر على ملفات كثيرة في أرشيف الوثائق حول فترة تولي هندرسون والضباط الأربعة للملف الأمني في البحرين، ونحن هنا لن نتحدث عن قائد الشرطة البريطاني الشكلي "جيم بيل" الذي تم تجنيده جنبًا إلى جنب مع هندرسون وبقي في البحرين حتى التسعينيات ولم يكن لديه أي سيطرة على هندرسون، بل كان هندرسون يتجسس على مكالماته كما كشف عن ذلك في حوار صحفي زميله السابق ضابط الشرطة الإستعماري ديريك فرانكلين، والذي اختلف معه في نهاية 1971.
تمتلك وزارة الخارجية البريطانية -على سبيل المثال- 28 ملفا حول الزيارات الملكية إلى الشرق الأوسط بسنة 1986 ولم تسمح بنشرها، تدور في معظمها حول رحلة قام بها المالك الحالي تشارلز والأميرة الراحلة ديانا لدعم حلفاء بريطانيا السعودية وعمان وقطر والبحرين في نوفمبر عام 1986. ومن الملفات التي تم إخفائها ملف بعنوان "الشؤون السياسية الداخلية في البحرين".
إلا أنَّ هنالك عددا من الوثائق البريطانية كانت تكشف عن المتابعة الدبلوماسية البريطانية ودورها في الأجهزة الأمنية، ففي وثيقة حول تواصل هندرسون مع مستشار الشرطة في الخارجية البريطانية تنص بالتالي:
"السفير البريطاني روبرت تيش، اتصل بعد ظهر أمس ليقول إن إيان هندرسون رئيس الفرع الخاص بالبحرين، قد طلب منه الإتصال بنا بهدف تجهيز الأسماء وعناوين الاتصال للمرشحين المحتملين لفرع البحرين الخاص الذي يبدو أنه قيد التوسيع.. في ظل هذه الظروف ، سأكون ممتنًا لو طلبت من السير جورج دونتز تنظيم قائمة بحث عن المرشحين المحتملين للخدمة في فرع البحرين الخاص. بمجرد استلامنا لأسماء وعناوين الاتصال الخاصة بهؤلاء المرشحين، أود أن أكتب مباشرة إلى إرنست نوبل، رئيس مكتب القنصلية في البحرين، والذي بدوره سيتفاوض مباشرة مع هندرسون".
ولطالما تهربت الخارجية البريطانية من أسئلة الصحافيين عن إيان هندرسون كما تفيد بذلك الوثائق البريطانية.
كما أنَّ إحدى الوثائق الأمريكية التي نشرتها ويكليكس في تقرير سري حول رضا الحكومة البحرينية عما يفعله هندرسون يرد النص التالي:
"خدمة الاستخبارات: الشخصية الأمنية الرئيسية في البحرين هي رئيس الفرع الخاص إيان هندرسون. يدير هو وسبعة من زملائه البريطانيين شبكة استخبارات فعالة للغاية ومخيفة، وترفع تقاريرها إلى رئيس الوزراء والأمير. لقد أعرب الأمير شخصيًا لي عن ثقته الكاملة في هندرسون. وطوال فترة إقامته الطويلة في البحرين ، كانت هناك تقارير دورية تفيد بأن هندرسون كان على وشك المغادرة. إنه لا يزال هنا.
لا نرى أي دليل على عدم رضا الحكومة البحرينية عن أداء وحضور الشرطة البريطانية وضباط الاستخبارات.".
في العموم، لست في وارد كتابة مرافعة حول التورط البريطاني، وإلا فترة ما قبل السبعينات فيها ما فيها ويكفينا استذكار قادة هيئة الاتحاد الوطني، كما أنَّي لست في وارد تبرأة حد، فالجناة معروفون، إلا أنَّها فرصة للتذكير بتجربة ضحايا ثورة الماو ماو، لعل لضحايا هندرسون فرصة لللانتصاف من الحكومة البريطانية في يوم من الأيام!.
*رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان