عباس المرشد: هل يلتقي قداسة البابا بالرموز والقيادات السياسية في السجون؟

عباس المرشد - 2022-10-31 - 12:00 ص

منذ الإعلان عن زيارة قداسة البابا إلى البحرين للمشاركة في مؤتمر حول التسامح الديني، استنفر الشعب الشيعي في البحرين للتواصل مع الفاتيكان وكتابة الرسائل الخاصة والمناشدات العمومية ومطالبة قداسة البابا بأن يأخذ على عاتقه مسألة إنهاء الأزمة العالقة في البحرين منذ عقود وتضخمت بشكل لا يطاق بعد 2011.
في رصد الاستنفار الشيعي سنجد رسالة من الرهائن السياسيين في السجون البحرينية تطلب تدخل قداسته لوضع حد لأزمة الرهائن في البحرين وإطلاق سراحهم وإيقاف الانتهاكات الحقوقية بحقهم.
وسنرى رسالة أخرى موقعة من قبل المهجّرين الذين اضطروا لهجرة بلدهم الأصلي والعيش في المنافي المتعددة وتحمل الاغتراب عن أرض الوطن والبالغ عددهم أكثر من 400 عائلة تحرم من حق العودة لبلادها وتخاف الانتقام الدائم.
وفي بيان خاص كتب مجموعة من علماء الدين المعتقلين والصادرة بحقهم أحكام مؤبدة وقاسية رسالة خاصة أعربوا فيها عن ترحيبهم بزيارة البابا إلى البحرين ولفت نظر قداسته إلى تباين الواقع الذي ستطأ قدم البابا أرضه وهو أن التسامح معمول به مع الجميع باستثناء الشعب الشيعي الذي يتعرض للاضطهاد الديني والانتقام الطائفي.
إلى جانب هذه المراسلات العلنية وجدت رسائل خاصة من قبل بعض الرموز السياسيين مرسلة إلى البابا تحثه على بذل جهود حقيقة لإنهاء معاناة الشعب الشيعي في البحرين وأن تكون زيارته بوابة لبدء حوار سياسي حقيقي مثمر يوصل إلى عقد اجتماعي جديد يحفظ حقوق الشعب الشيعي.
إضافة إلى ذلك لم تنقطع الزيارات الخاصة لسفارات الفاتيكان في عدة دول عربية وأوروبية تطرح المطالب نفسها.
يمكن وضع الزيارة المرتقبة لقداسة البابا ضمن مستويين أشارت لهما قائمة الرسائل السابقة وهما:
المستوى الأول : الإسناد الخارجي للشرعية
هذه الزيارة تأتي ضمن سياق عام يمارسه نظام الحكم في البحرين وهو البحث عن الشرعية الخارجية والإسناد الخارجي لمواجهة أزماته الداخل.
فالنظام ومنذ عقود طويلة يستند في شرعيته السياسية على الإسناد الخارجي والدعم من دول الإقليم أو الدول الكبرى الراعية للإقليم. ومن المفيد هنا الإشارة إلى جدة توظيف الدبلوماسية الدينية ضمن هذا السياق حيث بدأ النظام في البحرين حريصا جدا على توظيف الدين ومتعلقاته في كسب الرأي العام الخارجي أو تمرير شرعيته المختلف عليها في الداخل.
وعندما نتحدث عن افتقاد النظام للشرعية الداخلية فنحن نتحدث بصورة مباشرة حول العقد الاجتماعي الذي تجاوزه النظام منذ 2002 عبر الانقلاب على مشروع ميثاق العمل الوطني ودستور 1973 وإصداره دستور 2002 بصورة منفردة. وهو الأمر الذي خلق شرخا كبيرا في القاعدة الشعبية وأحدث هزة للشرعية السياسية التي من المفترض ان تتضمن عقدا اجتماعيا جديدا يخضع للاستفاء الشعبي أو التوافق الداخلي وهو ما لم يناله نظام الحكم في البحرين منذ 2002 حيث لا تزال الأزمة الدستورية عالقة وهو مصر في جميع حالاته على إجبار قوى المعارضة بالقبول بمرجعية دستور 2002.
وبالتالي فنظام الحكم في المنامة يضع الزيارة الفريدة لقداسة البابا ضمن هذا الإطار الذي يقوي شرعيته الداخلية من خلال إسناد خارجي. يتقوّى هذا التحليل بأخذ دعوة شيخ الأزهر الذي يمثل المرجعية الدينية السنية وإن بدرجة أقل إلى نفس المؤتمر وفي الفترة نفسها فالنظام يريد صكًا براءة وصك غفران من المرجعيات الدينية العليا المسيحية والسنية.

المستوى الثاني: تبيض الاضطهاد السياسي والطائفي
يعاني النظام بين فترة وأخرى من سقوط هبيته الحقوقية وتظهر الدلائل أن الشعب الشيعي في البحرين يتعرض لحملات ممنهجة من الإضطهاد على مختلف الأصعدة. وقد أخذت الرسائل التي تم رصدها مسار شرح تلك الظلامات وإظهار حجم الاضطهاد الذي يمارس ضد الشعب الشيعي.
ومن الملاحظ هنا أن سلوكيات الحكم في البحرين لا تريد التخلي عن منهجية الاضطهاد الطائفي أو السياسي وتستبدل ذلك بالعلاقات العامة والاستثمار في منصات مختلفة من بينها منصة التسامح الديني والتعددية.
هذه المنصة الأخيرة لا تخلو من مرواغة ميكافيلية وهي أن شعارات التعددية والانفتاح على الأقليات تشبه كثيرا قاعدة ( لغاية في نفس يعقوب) حيث يقع خلفها مشروع أضخم وأكبر وهو تحويل غالبية الشعب الشيعي إلى أقلية ضمن أقليات تحتكم في إدارتها وخيراتها إلى نظام الحكم أو الملك.
بمقتضى هذا التداخل بين مشروع الكانتونات الطائفية والبحث عن منصات تبيض الاضطهاد تصبح زيارة البابا غطاءًا على كل ذلك وربما أوحى النظام لقداسة البابا أنه في صدد بناء مجتمع تعددي ضامن لحقوق الأقليات. وقد قدم النظام عربونا كبيرا لتمرير هذا المشروع وهو تعهده ببناء أكبر كسنية في منطقة الخليج وإعادة ترميم وفتح الكنيس اليهودي وبالمثل فالمعبد الهندوسي أصبح من المعالم السياحية للبلاد.
ولا يجد النظام غضاضة في حجب الشعب الشيعي وتراثه وثقافته بل وأن يذهب إلى شيطنة الشيعة في البحرين رغم أنها يمثلون الأكثرية والأكثر أصالة من غيرهم.
لقد تسلّم قداسة البابا تلك الرسائل بما فيها رسائل خاصة تتضمن دعوته لزيارة القيادات الدينية والسياسية المعتقلة في سجون البحرين والبحث معها سبل حل الأزمة العالقة.
وأن خلاصة كل تلك الرسائل والمناشدات لا تخرج عن وضع قداسة البابا أمام مسؤوليته الدينية وتوظيف مكانته الدبلوماسية في رفع الأذى عن الشعب الشيعي الذي يتعرض لإبادة ثقافية وإقصاء سياسي ممنهج. حيث يتطلع الشعب الشيعي في البحرين لإنهاء أزمة سياسية عميقة خلفت ولا تزال تخلف الكثير من الانتهاكات الفضيعة والتي سيكون قداسة البابا ملوثا بتركتها إن لم يأخذ تلك المطالب على محمل الجدية ويشترط لإتمام زيارته إلى البحرين أخذ تعهدات رسمية لإنصاف الشعب الشيعي المضطهد.
ليس من المؤكد سماح النظام لقداسة البابا الاستجابة لتلك الرسائل وسعي النظام لإشغال البابا بأمور أخرى ضمن وقته الضيق أصلا في الزيارة. ولكن إن أراد قداسة البابا لقاء الرموز والقيادات الدينية في السجون فهم مستعدون لتلك المقابلة وعلى قداسته ان يختار إما أن يعطي النظام ما يريده من أسناد خارجي وتبيض للاضطهاد أو أن يسلك مسلك الروحانيين والوعاظ ويفتح بابا لأن يراجع النظام سياساته ويعيد بناء الثقة والشرعية الداخلية ويصفّر السجون السياسية.

* كاتب وباحث بحريني مقيم في المملكة المتحدة