محمد ناس: حوار السلطة لا يختلف عن حوار جورج الخامس لجورج الخامس

محمد ناس - 2022-10-16 - 3:06 ص

تصادف أبان ثورة ١٩١٩ المصرية الذي كان هدفها الأساسي استقلال مصر عن بريطانيا ، في عهد الملك فؤاد الأول، أن ارتفعت بعض الأصوات المتخاذلة بضرورة التفاوض مع الإنجليز ورأت أغلبية الثوار أن ذلك فيه خروج عن الإجماع الوطني وكان آنذاك جورج الخامس هو ملك إنجلترا وإمبراطور الهند بين عامي 1901و1936.
وبالرغم أنه كان يتمتع بشعبية كبيرة في بلاده إلا أن صورته اختلفت تماما في الشارع المصري واعتبره المصريون رمزا للهيمنة الاستعمارية وسبب ذلك أنه خلال المفاوضات التي جرت بين الزعيم المصري سعد زغلول واللورد ملنر في لندن،، سأل الزعيم المصري المفاوض الإنجليزي: «من الذي يعين المفوضين؟» فأجاب ملنر: «الحكومة المصرية» ورد عليه سعد زغلول: إن جورج الخامس يحاور جورج الخامس..

أي أن الإنجليز يفاوضون بعضهم بعضا. وهل يحصل الشعب المصري على شيء عندما يتفاوض الإنجليز مع الإنجليز !؟


وعلى نفس نمط جورج الخامس تريد عائلة آل خليفة محاورة الشعب تحت قبة المجلسين الشورى والبرلمان المسيطر عليهما من قبل رأس الهرم، فالملك البحريني يعين بموجب الدستور 40 عضواً في مجلس شورى وتتشابه صلاحياته التشريعية وعدد أعضائه مع مجلس النواب المنتخب، ولا يحظى مجلس الشورى بأي ثقل سياسي بين أبناء الشعب، إذ يعتبره المواطنون من المعارضة والموالاة مجلسا ملكيا.

وكذلك مجلس النواب العاجز عن سن القوانين والتشريع وبدا ذلك واضحا عندما شاركت المعارضة في انتخابات 2006، وحصدت غالبية أصوات الكتلة الانتخابية إلا أن توزيع الدوائر الانتخابية لم يعطها سوى 18 مقعدا من أصل 40. و طرحت العديد من الملفات والقضايا المهمة، إلا أن المجلس لم يخرج بأي نتيجة حقيقية والسبب يرجع في ذلك للتحصينات الدستورية والقانونية التي قام بها النظام في دستور 2002، السالبة للإرادة الشعبية.

من الواضح أن النظام السياسي في البحرين لا يملك القرار للسماع لمطالب الشعب، فهو مقتنع بأن الحل يكمن في اعتقال الآلاف في السجون، وتغييب مبدأ الفصل بين السلطات، وإغلاق منافذ الإعلام واللجوء إلى تل أبيب ومعاداة الجارة ايران.

وما نشهده اليوم من مسرحية انتخابات ٢٠٢٢ هو مشهد كوميدي متكرر من خلال حوار السلطة مع نفسها، وبناء على التجارب السابقة لم تترك السلطة مجال لمن يقول "سأحاول التغيير من داخل المجلس لأن التغيير من الداخل غير ممكن بقوة القانون، إلا إن كان هدفه من المشاركة في (العرس الديمقراطي) البحث عن مصالح ومكاسب شخصية.

لأنّ المعارضة قاطعت الانتخابات لخلافات تتعلق بصلب العملية التشريعية والسياسية التي تعاني منها البلاد منذ وقت طويل، والمثير أن موضة المنافسة بين وزارات الحكومة على "جيب المواطن" قد انتقلت إلى البرلمان، وهو ما ثبت من خلال الفصل التشريعي الفائت الذي لم يجد إلا جيب المواطن لتنمية موارد الدولة.

ويبدو قائمة المترشحين للانتخابات النيابية ٢٠٢٢، بأن الشعب مقبل على مجلس نيابي أسوأ من الذي سبقه، مجلس سيكون مجرد إدارة حكومية ذات ميزانية باهظة يمثل فيه النائب الإرادة الحكومية لا الشعبية.

ألغت السلطة التعددية السياسية وعزلت الشخصيات التي تحظى بقبول شعبي، من خلال سجنهم أو نفيهم خارج البلاد، بالإضافة الى ممارسة التمييز ضد الشيعة واعتبارهم خونة، وللأسف كل تلك الفضائح تجري عبر وزارات ومسؤولي الحكومة المتهمين بإهدار المال العام.

إلى هنا، تكون السلطة قد أكدت على أنها ليست مستعدة للتنازل عن امتيازاتها، ومازالت متشبّثة بالنهج الأمني، الأمر الذي يعني أن ملك البلاد ما زال هو من يحدّد مساحات اللّعب، والنتيجة سرقة جيوب المواطنين، واستنزاف الاقتصاد الوطني، وارتفاع نسبة التضخم وغلاء الأسعار، وازدياد عدد المهرجين الذين يمارسون التهريج السياسي باسم الولاء والوطنية.

ولو أرادت السلطات معالجة الأزمة بصدق، لفتحت بداية باب الحريات عبر إطلاق سراح السجناء السياسيين وفتح باب العمل السياسي والتأسيس لحوار وطني جامع وجادّ، يعمل على وضع خريطة طريق حقيقية، لكن سلوكيات السلطة نفسها لا تنبئ بذلك على الإطلاق.