المنامة من "شانزلزيه" الخليج إلى "تلْ أبيِبه"... ما الذي يحصل في العاصمة القديمة؟
2022-08-18 - 7:21 ص
مرآة البحرين (خاص): قبل ثلاث سنوات من الآن كان الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة مجرّد متنفذ جشع استولى بالتشارك مع أحد أبناء عمومته على أرض سكنية ضخمة في منطقة عراد من أراضي النفع العام وقررا معاً بناء مجمع خاص استهلاكي فوقها. ثم تحت ضغط الرأي العام المتواصل واعتصامات الأهالي الغاضبة بسبب أن الأرض كانت تمثل المتنفس الوحيد لهم لإقامة الأنشطة والفعاليات المحلية اضطرّا لسحب المشروع وإعادة الأرض للمالية العامّة.
هذا الشخص نفسه أصبح رئيساً لهيئة البحرين للثقافة والآثار الآن بديلاً عن إحدى أميرات عائلته الشيخة مي بنت محمد آل خليفة.
هناك مهمة واحدة لدى الشيخ الجديد كانت الأخيرة قد امتنعت عن القيام بها فطيّرت منها الحقيبة الوزارية التي ظلت بعهدتها قرابة عقدين من الزمان. هذه المهمة هي "تهويد المنامة".
لن يبني الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة مجمعه التجاري على أرض مجمع 243 السكني بمنطقة عراد بعد أن أرغم على سحبه تحت الضغط الشعبي. ولكنه سيبني بدلاً منه الآن "الحي اليهودي" في العاصمة المنامة ضمن خارطة سياحية جديدة تستهدف تحويل 40 % من أحياء المدينة القديمة إلى مسارات ومبان ورموز يهودية.
ومعه هذه المرة "فرمان" الدعم الكامل والقوي من رئيس الحكومة فضلاً عن دعم الملك نفسه.
ولدى الرجل مقوّمات "عائلية" تؤهله إلى القيام بهذه المهمة. فهو الأخ الشقيق لوكيل وزارة الخارجية البحرينية الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة الذي يعد أحد أكثر الأوجه صهيونية ــ نعم صهيونية! ــ في عائلته. وكانت أحد أبرز تصريحاته المثيرة للدهشة تصريح خلال مقابلة في مؤتمر ميونخ للأمن العام الماضي حين قال إن "جهاز الموساد موجود في البحرين". حتى أن محاوره قرر التوقف للتأكد وسؤاله ما إذا كان يدرك معاني ذلك وأنها ليست مجرد زلّة لسان.
العديد من التصريحات الأخرى له تصب في هذا السياق وخاصّة تلك التي أدلى بها بعد يوم واحد فقط من إقالة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار مثل قوله إن "إسرائيل جزء من المنطقة وستبقى" و"لا نخجل من علاقتنا مع إسرائيل" و"لا نعتبر ما جرى معاهدة سلام بل إقامة علاقات دبلوماسية".
هذه هي الخلفية العائلية التي يأتي منها الرئيس الجديد لهيئة الثقافة. وهذا هو رأسماله الثقافي الأساسي للقيام بالمهمة الجديدة.
لا تربط رئيس هيئة الثقافة الجديد أية أواصر صلة مع المشهد الثقافي المحلي والفاعلين فيه كالمثقفين والأدباء أو الفنانين والموسيقيين. وحتى العام 2011 كان جلّ اهتمامه يتلخّص في الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية. لكن مثل جميع الامتيازات التي يحظى بها أبناء وبنات عائلته فقد جيء به كي يترأس إدارة المتاحف في هيئة البحرين للثقافة والآثار العام 2016 بعد أن أنهى ماجستير في المجال نفسه في العام السابق له.
والآن بعد أن أنهى سبع سنوات تطبيقيّة من العمل في مجال دراسته النظرية معزولاً في مكتب ناءٍ بمتحف البحرين الوطني فقد أوكلت له المهمة الوحيدة والأبرز التي سيطلّ بها على المشهد الثقافي المحلّي معرّفاً العاملين الثقافيين بنفسه؛ ألا وهي تهويد المنامة وجعلها "كعبة" للسياح الإسرائيليين مقابل تفريغها من أي رمزيات ثقافية للشيعة. إنها مهمّة ثقافية ما من شك ولكن إطارها سياسيّ وظرفها سياسي والأهم غاياتها سياسية.
لا أفضل من أن يقوم بالمهمّة الأخ الشقيق لرجل المهمّات القذرة ذي التوجهات الصهيونية في وزارة الخارجية.
تظهر الخارطة السياحية الجديدة للمنامة التي تم تعليقها مؤخراً عند مدخل باب البحرين والتي تمثل فعلياً أوائل القرارات التي يعتمدها رئيس هيئة الثقافة الجديد العديد من المعالم الثقافية والدينيّة مثل الكنيس اليهودي والمعبد الهندوسي وجامع الفاضل فضلاً عن محلات الذهب والمعالم الأخرى لكن من دون الإشارة إلى أيّ معلم شيعي واحد. وهي لفتة رمزية كافية لإيضاح توجهاته والوظيفة المقرر أن يضطلع بها من خلال منصبه.
مثله لا تحمل سلفه الشيخة مي آل خليفة ودّاً إلى رموز الثقافة المحلية. ولطالما اشتكى المثقفون والأدباء المحليون من تجاهلها مطالبهم فضلاً عن قيامها بتهميشهم خاصة عن تظاهرات ثقافية مهمّة مثل "ربيع الثقافة" و"تاء الشباب" و"صيف البحرين".
ومع ذلك فهي لم تكن تحبذ الخطوة التي أقدمت عليها عائلتها بالتطبيع مع إسرائيل. وتستند في هذا إلى توجّه قديم حيث واظبت في المركز الذي أسسته وهو مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث والبيوتات التابعة له على استضافة العديد من الفرق الفلسطينية ورموز الثقافة والغناء من الداخل الفلسطيني بشكل سنوي. بل أنها استضافت مفكراً يهودياً مناهضاً لإسرائيل والصهيونية "إيلان بابيه" بالتزامن مع توقيع اتفاقيات إبراهيم.
وطوال السنتين اللتين أعقبتا توقيع الاتفاقية كانت تتهرب من اللقاء أو مصافحة الوفود الإسرائيلية العديدة الزائرة فضلاً عن السفير الإسرائيلي منذ اعتماده سفيراً لدولة الاحتلال في البلاد.
لكن أهمّ ما فعلته هو رفضها مشروع إقامة "حيّ يهودي" في المنامة. وقد جيء ببديل لها من عائلتها كي يتولى القيام بهذه المهمّة على وجه الخصوص.
لطالما كان "مقهى حاجي" في المنامة بطاولاته البسيطة المكركبة في الزقاق الضيق مقصداً للسياح بمختلف مشاربهم وعلامة ثقافية بارزة على قائمة الطعام البحرينية الشعبية بنكهاتها وألوانها العديدة المختلفة. لكن عمّاً قريب سيحظى بمنافسة من معلم قريب بلون واحد!
لقد افتتح فندق "ميرشانت هاوس" Merchant House الذي تمّ تطويره مؤخراً بالقرب من مدخل المقهى ليشكّل منطلق ما يعرف بالأحياء والممرات اليهودية.
صمم الفندق بشكل يحاكي فن العمارة عند أعضاء الجماعات اليهودية. وعلقت على جدرانه لافتات باللغة العبرية فضلاً عن العديد من اللوحات التي تحكي ملامح من التاريخ اليهودي مع خلفية موسيقية مكرّسة لإبراز التلاوات والأغاني اليهودية. ما من اعتراض هنا على الثقافة اليهودية خاصة تلك المتعلقة بمواطني البلاد ولكن المشهد برمّته مختلق وهو أبعد ما يكون عن الثقافة لأنه يأتي في ظل توجّه مبرمج يتم معه إقصاء ثقافة المواطنين الشيعة الذين يشكلون أغلبية البلاد ومحاصرة هويتهم بل حتى أناشيدهم.
لقد شاهد البحرينيون عبر الفيديوهات المصورة كيف سمح لوفد يهودي زائر الرقص أمام "باب البحرين" أحد أبرز المعالم القديمة في المنامة وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي "هاتكفاه" الذي تقول إحدى فقراته "ما دام في القلب داخل، روح اليهودية لا تزال تتوق نحو أقاصي الشرق، العين لا تزال تنظر نحو صهيون". وفي مقابل ذلك شاهدوا أيضاً ملاحقة الشرطة للمواطنين الشيعة الذين يشغلون نشيد "سلام يا مهدي" الذي تدور كلماته حول الإمام الثاني عشر المهدي الذي يعتقدون بأنه سيظهر في آخر الزمان في سياراتهم الخاصة واستدعاءهم مع تغريمهم آلاف الدنانير! وهي مفارقة تستحق التأمّل طويلاً لما يراد إلى العاصمة المنامة أن تكون عليه.
لكنّ هذا هو أهون ما في الأمر. إذ يتم تداول حالياً العديد من الأقاصيص حول مساعٍ يقوم بها يهود لاستملاك أراض وبيوتات آيلة في المنامة بمبالغ خياليّة. وتمكنت "مرآة البحرين" من التحقق من قصة واحدة على الأقل لمواطن عانى بشدّة من تدخل الحكومة في بيع أرض خربة كان يمتلكها. وسمح له فقط ببيعها حين تقدّمت لشرائها شخصية يهودية عبر عرض مبلغ خيالي. الباقي لمخيلتكم!