مريم الخواجة: حمد بن عيسى أسّس نظامًا يقوم على الدّيكتاتورية والقمع

الناشطة البحرينية مريم الخواجة مع والدها سجين الرأي عبد الهادي الخواجة (أرشيف)
الناشطة البحرينية مريم الخواجة مع والدها سجين الرأي عبد الهادي الخواجة (أرشيف)

مريم الخواجة - موقع بحريني ليكس - 2022-05-30 - 3:06 م

ترجمة مرآة البحرين 

قالت الناشطة الحقوقية البارزة مريم الخواجة إنّ ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أسّس نظامًا قائمًا على الدكتاتورية والقمع وسحق أيّ معارضة سلمية في البلاد.

وفي مقابلة مع موقع الديمقراطية الآن للعالم العربي، صرّحت الخواجة أنّ حملة القمع في البحرين بدأت في أغسطس/آب 2010 عندما قال حمد بن عيسى آل خليفة إنّه سيطبّق ملكية دستورية.

وقالت إنّه "لم نكن نعرف أنّه يعتقد أنّ ما لدينا حاليًا هو ملكية دستورية، ومن الواضح أنّها ليست كذلك"، فلقد "غيّر من جانب واحد الدستور ليجعل نفسه ملكًا، وجعل البحرين مملكة، ثم أنشأ برلمانًا من دون سلطات تشريعية أو مساءلة أو رقابة. لذلك ، أنشأ نظامًا أصبح فيه ديكتاتورًا أكثر من والده".

وتعمل مريم الخواجة، وهي ناشطة سياسية وحقوقية بحرينية في منطقة الخليج، وفقًا لقواعد محددة كناشطة في الخارج. لم تعدْ إلى البحرين منذ العام 2014.

حُكِم على والدها عبد الهادي الخواجة بالسجن المؤبد عندما اعتقلت الحكومة البحرينية قادة الثورة الشعبية الّتي سُحِقَت في ربيع العام 2011.

كان والدها أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين، وقد قُدِّم للمحاكمة مع أعضاء بارزين آخرين في المجتمع المدني البحريني وأدين "بتنظيم منظمة إرهابية وإدارتها".

بعد أن أمضى عبد الهادي الخواجة أكثر من عقد في السجن، تدهورت حالته الصحية نتيجةً للتّعذيب الّذي تعرّض له على يد قوات الأمن في وقت اعتقاله وسوء المعاملة الّتي تلت ذلك، طوال فترة اعتقاله، بما في ذلك حرمانه من الرّعاية الطّبيّة في الأشهر الأخيرة.

وعلى الرغم من طلبات عائلة الخواجة إلى السلطات البحرينية على مرّ السنين، لم تُسَلّم سجلاته الطّبية إلى عائلته.

تقول مريم الخواجة إنّ والدها الآن مُعرّض لخطر الإصابة بالعمى بسبب حرمانه من العلاج الطبي لاحتمال إصابته بمرض الجلوكوما.

وحذّرت منظمة العفو الدولية الشهر الماضي من أنّ "هذا أحدث عرض للقسوة من قبل السلطات البحرينية الّتي تمتلك سجلًا حافلًا بالإهمال الطبي للسجناء".

وبسبب مخاوفها الجديّة بشأن صحته وسوء معاملته في سجن جو في البحرين، وجّهت أسرة عبد الهادي الخواجة دعوات عاجلة للإفراج عنه. وقد أوضحت مريم الخواجة في المقابلة كيف أوقفت إدارة السجن الرّعاية الطبية والعلاجات التي كان والدها يتلقاها.

وقالت إنّ "ما نشهده الآن هو استمرار لهذا الأمر، إذ يحاول النظام جعل والدي يخضع لما يريده، وهناك آلية واضحة جدًا لتوجيه رسالة إلى والدي مفادها أنك تُعاقَب الآن".

وتعتقد مريم أن والدها يعاقَب على خلفيّة احتجاجه على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى البحرين في منتصف فبراير/شباط، عندما ردّد عبد الهادي الخواجة شعارات مناهِضة في ساحة السجن تضامنًا مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى إصراره المستمر على حقوقه كمواطن بحريني. كما أضرب عن الطعام العام الماضي.

وترمز معاناة عبد الهادي الخواجة في السجن إلى كيفية تعامل الحكومة البحرينية مع النّشطاء السّياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وجميع سكان البلاد.

خلال أكثر من 11 عامًا، حين اتّخذ المحتجون خطوات غير مسبوقة للتّحرك الجماهيري والمطالبة بالإصلاح والحقوق السياسية، أصبحت البحرين أكثر قمعًا مما كانت عليه - ولا تزال شريكًا وثيقًا للولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول غربية أخرى.

من الأمور المثيرة للاهتمام بشأن البحرين وثورات العام 2011 بشكل عام أنّه، في كثير من الأحيان، وخاصة في وسائل الإعلام الغربية، كان بعضها سببًا لحصول البعض الآخر -أي أنّ هذه الثّورة انطلقت وتسبّبت بحصول ثورة أخرى. في الواقع، ليس هذا ما جرى بالضّبط. ما جرى هو أنّ كلّ بلد كان يمتلك أسبابًا حقيقيّة للغاية وراء انتفاضته، ولماذا ثار، ولماذا نزل شعبه إلى الشّوارع. يتشابه الكثير من هذه الأسباب عندما يتعلق الأمر بالتّعذيب والفساد والسّجن والقتل خارج نطاق القضاء وغيره. والأمر ذاته ينطبق على البحرين. لقد استلهمت الشّعوب من ثورات بعضها البعض، لكنّها لم تتسبّب بها. استوحى البحرينيون إلهامهم من التّونسيين والمصريين أيضًا، عندما رأوا الناس ينزلون إلى الشوارع وحقيقة أنّهم تمكنوا بالفعل من التّخلص من بن علي، ومن مبارك لاحقًا.

لكن حقيقة الأمر هي أن حملة القمع في البحرين لم تبدأ في العام 2011، بل بدأت في أغسطس/آب 2010. في العام 2001، عندما قال (الأمير آنذاك) حمد بن عيسى آل خليفة إنه سوف يطرح ملكية دستورية، لم نكن نعلم أنه يعتقد أن ما لدينا حاليًا هو ملكية دستورية، ومن الواضح أنها ليست كذلك. غيّر الدستور من جانب واحد ليجعل نفسه ملكًا، وليجعل البحرين مملكة ، ثم أنشأ برلمانًا ليس له سلطات تشريعية أو مساءلة، أو رقابة. في الواقع، أنشأ نظامًا أصبح فيه ديكتاتورًا أكثر من والده.

وبعد ذلك، تقدّم سريعًا من تلك النقطة -لمدة 10 سنوات، وساد نوع من الهدوء. استمرت بعض الاحتجاجات. كان والدي جزءًا منها. كانوا لا يزالون يتعرضون للضرب، وسيظل الاعتقال يُمارس ضدهم، لكن الوضع كان هادئًا بشكل عام. اعتُقِل والدي عدّة مرات في تلك الفترة. لكن الأمر لم يكن كما هو عليه الآن. يتعرضون للضرب والإفراج عنهم؛ ثم يُلقى القبض عليهم ولاحقًا يتم إطلاق سراحهم. لقد كان بابًا دوارًا للاعتقالات كما نسميه. لكن شيئًا ما تغيّر في العام 2010. إذ إنّه من العام 2001 حتى العام 2010، كلّما أُلقِي القبض على الناس، كانوا يلومون رئيس الوزراء آنذاك خليفة بن سلمان آل خليفة،  عم الملك، لكونه مسؤولاً عما كان يجري. وبعد ذلك يخرج الملك وولي العهد، سلمان بن حمد آل خليفة - اللّذين كان من المفترض أن يكونا أفضل، واللّذين يحبهما الغرب أكثر- ويصدران العفو.

لكن ما حصل في العام 2010 هو أنّه تم اعتقال عدد من الأشخاص العائدين إلى البحرين في المطار، بمن في ذلك عبد الجليل السنكيس، الذي يخوض منذ فترة طويلة إضرابًا عن الطعام. كان عبد الجليل عائدًا من لندن بعد أن تحدّث في مجلس اللوردات عن التعذيب في البحرين، وكانت هيومن رايتس ووتش قد أصدرت لتوّها تقريرًا ورد فيه أنّ التّعذيب كان أكثر انتشارًا ومنهجية. حصل ذلك في أغسطس/آب 2010. كنت أحد الأشخاص الذين اضطروا إلى مغادرة البلاد بسرعة كبيرة لأنّني كنت تحت تهديد الاعتقال أيضًا، وغادرت إلى لندن في ذلك الوقت. وأذكر أنه خلال تلك الفترة، من أغسطس/آب حتى ديسمبر/كانون الأول 2010، حدثت هذه الحملات القمعية خلال شهر رمضان. وكان الناس يقولون إنّه "حسنًا، كما تعلمون، سيأتي العيد. سيخرج الملك وولي العهد، وسوف يطلقان سراح الجميع. وسيكون الأمر كالمعتاد". لكن شيئًا ما تغير في ذلك العام، وبدلًا من الخروج لإطلاق سراح المعتقلين، خرج الملك وولي العهد لدعم حملة القمع. عندها، أدركنا أنّ شيئًا ما تغير، شيء ما قد تبدّل في الوضع في البلاد.

وفي تلك الفترة، من أغسطس/آب 2010 حتى اندلاع الانتفاضة في فبراير/شباط 2011، عاد التعذيب. كما شاهدنا عددًا من حالات اختطاف الأطفال. جُرّد بعضهم من ملابسهم والتُقِطَت صورهم، ثم هُدِّدوا بأنّهم إذا لم يوافقوا على العمل كمخبرين للشرطة، فسيتم نشر صورهم على الإنترنت. كان ذلك جديدًا في العام 2010؛ لم نشهد ذلك سابقًا. تركّز عملي بشكل أساسي على توثيق هذه الحالات، ثم استخدامها في المناصرة في الخارج.

لذلك عندما حلّ شهر فبراير/شباط، وعندما حدثت الثورات في تونس ومصر، كان الناس غاضبين بالفعل. في البحرين، كان لدينا بالفعل وضع  مناسب جدًا لاندلاع انتفاضة. وعندما خرج النّاس، أرادوا أن يصدقوا أنّه يمكن أن تتحسن الأمور، تمامًا كما فعلوا في العام 2001. عندما قدّم الملك كل هذه الوعود، أراد الناس أن يُصَدّقوا أن الأمور ستتحسن. عندما خرج الناس إلى الشوارع، لم يطالبوا حتى بإسقاط النّظام. كانوا يقولون له: نفّذوا وعودكم منذ العام 2001، أعطونا الدستور الذي وعدتمونا به. وحتى نتمكن من المُضي قدمًا في هذا الوضع، أطلِقوا سراح السّجناء السياسيين، وأوقفوا التّعذيب، وتوقّفوا عن ملاحقة الأطفال، وما إلى ذلك. فقط بعد أن بدؤوا بقتل الناس في الشوارع، قال الناس إنّه كما تعلمون، طلبنا دستورًا يمثل الشعب، لكنكم تطلقون النار علينا من أجله، وبالتالي، على النظام أن يرحل.

حصل التّحول آنذاك. أذكر أين كنت هناك في تلك اللحظة، إذ خرجت من المستشفى [في المنامة] مع الطبيب بعد مقتل أول شخص على يد الشرطة. كانت الحشود الهائلة تقف خارج المستشفى. وبمجرد أن أعلن الطبيب أننا شهدنا أول عملية قتل في انتفاضة البحرين، بدأ الناس يهتفون: "الشعب يريد اسقاط النظام!" بدأت عندها المطالبة بإسقاط النّظام. كان ذلك بعد مقتل أول شخص أصيب برصاصة في ظهره وهو يهرب - لم يكن حتّى يواجه الشرطة.

ومنذ ذلك الحين، ازدادت الأعداد. وواصلت الارتفاع، وفجأة خرج عشرات ثم مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع للاحتجاج. من الملفت أنّ البحرين بلد صغير، ولم تحظّ بذات القدر من الاهتمام فيما يتعلق بالأرقام، لأنّها بدت صغيرة جدًا. لكن  إذا نظرتم فعليًا إلى نسبة المشاركة، ستجدون أنّ البحرين شهدت بعضًا من أكبر الاحتجاجات في ثورات المنطقة، إذ كان لدينا ما يقرب من 40 إلى 50 في المئة من السكان في الشوارع.

هذا أيضًا لأنّه لدى البحرين برأيي حركة حقوق مدنية قديمة جدًا - واحدة من أقدم حركات الحقوق المدنية في المنطقة، والّتي بدأت في عشرينيات القرن الماضي. كان الناس يحتجون، وإذا نظرتم إلى مقاطع فيديو من قناة بي بي سي، تعود إلى أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي، ستجدون أنّهم أجروا مقابلات مع قادة الحراك في ذلك الوقت، وكانوا يتحدثون عن نفس المطالب التي نتحدث عنها اليوم. يتحدثون عن الدستور، وعن عدم الوفاء بالوعود. وستجدون أن هناك علاقة بين الانتفاضات التي حدثت كل 10 سنوات تقريبًا منذ عشرينيات القرن الماضي حتى الآن.

لقد شهدنا نزول هذه النسبة المئوية من الناس إلى الشوارع، وهو أمر لم نرَه سابقًا. وكان لدى الناس إحساس بأنّه "أتعلم؟ يمكنني الآن أن أقول ما أريد ". لقد رُفِعت كل هذه اليافطات، وكان بعض السّياسيين يحاولون التخفيف من حدتها بالقول إنّه "لا تقولوا إسقاط النّظام، اجلسوا مع النّظام، وتحدّثوا عن الإصلاح." وكان ردّ الناس أنّه "بالطبع لا، إذا قتلونا في الشوارع، سنقول إنّه على النظام أن يرحل".

حصلت حملة القمع الأولى في 17 فبراير/شباط 2011. كنت في دوار اللؤلؤة عندما جرى ذلك الهجوم. كنّا في منتصف الليل، وكان الناس نائمين، وهاجمونا من دون سابق إنذار. وقُتِل عدد من الأشخاص في ذلك اليوم. لا أذكر ذلك بالتفصيل، إذ كما تعلمون، في أعقاب الصّدمة، يميل الشخص إلى حجب الكثير من الذكريات. لكنّني أذكر رواية ما أعلم أنه حدث.

أذكر فقط الطريقة التي أطلقوا بها النار، علمًا أنّه كان هناك رجال ونساء وأطفال في تلك الساحة، وعلى الرّغم من ذلك، كانوا يطلقون النار من دون أيّ اعتبار. أذكر أيضًا كيف تمكّن بعضنا من الهروب من الميدان في ذلك الصباح. كان ذلك عندما جاءت القوات العسكرية أيضًا -وهي قوات عسكرية تُعَد "حليفًا رئيسًا من خارج حلف شمال الأطلسي"، ويتم تدريبها في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. كانت حقيقة أنّ النظام البحريني قرر استخدام الجيش في تلك الحالة، ضد المتظاهرين المسالمين وغير المسلحين مرة أخرى، شكلاً من أشكال الرسائل إلينا كمحتجين بأنهم لا يعتقدون أنّهم سيُحاسَبون، لأنهم يعرفون أنّه قد يكون لاستخدام الجيش الذي تم تدريبه في الغرب عواقب، لكن الأمر مختلف بالطبع لكونهم حلفاء، وفي الخليج.

غادرتُ البلاد بعد مرور وقت قصير على الهجوم الأول. بعدها، أرسل مجلس التعاون الخليجي جيشه إلى البحرين - درع الجزيرة، كما أسموه، وهو مؤلف بشكل أساسي من عناصر من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. هاجموا الساحة وقتلوا الناس وأحرقوا كل شيء. التُقِطَت صور مروعة في ذلك اليوم لأشخاص أُطلِقَت النار على رؤوسهم، أي أُعدِموا. منذ ذلك الحين، بذلت الحكومة قصارى جهدها: لقد استخدمت الكثير من العنف لقمع المتظاهرين، وبعد ذلك - وفقًا لما أعتقد أنّه نصائح من حلفائها الغربيين- تعلّمت كيفية استخدام القضاء كأداة رئيسة للقهر.

تستخدم الحكومة البحرينية الورقة الطائفية منذ وقت طويل جدًا، تمامًا كما تفعل الحكومة السّعودية وغيرها في العالم العربي. تستخدمه لخلق هوة بين المجتمعات، لجعلها أقل تسييسًا بطريقة ما، ولكن أيضًا لجعل تعبئة النّاس أكثر صعوبة للناس، ولجعل الاحتجاجات والهتافات تتعلق بطوائف معينة، لا بحقوق الإنسان والكرامة. عندما نشرت دول مجلس التعاون الخليجي قوة درع الجزيرة في البحرين في العام 2011، لم تقل إنّها تهدف لسحق الثورة، بل قالت إن الهدف منها "حماية" البحرين من "التّدخل الأجنبي". وهناك الكثير من الناس، بما في ذلك في الخليج، الّذين دعموا الاحتجاجات في عدد من الدّول في العالم العربي، لكن توقفوا عندما وصل الأمر إلى البحرين، لأن الحكومتين البحرينية والسعودية تلاعبتا بهذه الورقة الطائفية، واستخدمتا إيران كفزّاعة، لإبعادهم عن تقديم الدّعم لها.

كانت هناك مشكلة تتعلق بالتضامن في المنطقة والمدى الّذي وصل إليه - ما الّذي كان الناس على استعداد للتضامن معه ومن أجله، مقابل عدم القيام بذلك. وهذا شيء حاولنا خرقه كناشطين خليجيين. ولم أكن الوحيدة، فقد قام بذلك نشطاء سوريون، وفلسطينيون، ومصريون. كانت هناك مجموعة بيننا تحاول اختراق الصور النمطية وتلك الخطابات التي كانت هذه الحكومات تخلقها لتفريقنا عن بعضنا البعض.

وهذا شيء نراه مرارًا وتكرارًا. تحاول هذه الحكومات خلق هذه الروايات، للتأكد من أننا لا نستطيع العمل مع بعضنا البعض، ففي نهاية المطاف، أحد أكبر التّهديدات التي تواجهها هذه الأنظمة هو متى نتعلّم العمل معًا، ومتى نتعلّم من بعضنا البعض، ومتى نتعلّم ما هي المكاسب والخسائر وكيف يتم تحقيقها، وما الّذي ينجح وما الّذي لا يفعل، ومتى نتضامن مع بعضنا البعض. ذلك يُحدِث فرقًا بالفعل. وبالطبع، ما يقومون به هو محاولة اكتشاف كيفية تفريق مجموعات العمل المدني هذه، وكيفية فصل هؤلاء النشطاء والمتظاهرين عن بعضهم البعض،  وقد حاولوا القيام بذلك من خلال استخدام الطائفية، وذلك لسهولة تأجيجها. كانت هناك نكتة أحببتها -إذ اتّهمتني الحكومة البحرينية بالعمالة لإيران، ولوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وللموساد. وأكرّر دائمًا أنّه يجب لا بد أنّني فائقة الذّكاء، إذ إنّني الوحيدة القادرة على جعل هذه الأطراف الثلاثة تتفق على أمر ما، أليس كذلك؟

هذا أحد الأمور الّتي تُظهِر مدى سخافة مزاعمهم.  والجزء الآخر هو أن الأمر لا يتعلّق أبدًا بالطّائفيّة، إذا نظرتم إلى الوضع في البلاد. هناك عدد هائل من السّنة أيضًا في السجون وتعرّضوا للتعذيب في المملكة العربية السعودية. تزعم هذه الدول أنها تناصر أمرًا ما لأنّه يخدم هدفًا ما -سياسيًا أو اقتصاديًا أو غير ذلك. لكن عندما تطلعون على تفاصيل المُضطَهَدين والمُلاحَقين من قبلها، ستجدون أنّهم هم الّذين يناهضون الطّائفية فعليًا.  

ما مدى فعالية أن تكوني ناشطة خارج البلاد، وما هي توقعاتك؟ وبرأيك، ما الذي يجب على المنظمات الحقوقية فعله لتسليط الضوء على الوضع البحريني، مثل المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في السجن وبينهم والدك؟

إنه أمر مثير للاهتمام، لأنني كتبت بالفعل ورقة بحثية لمجلة براون جورنال أوف وورلد أفيرز حول ما تعلمناه منذ العام 2011، مع تحديد 10 دروس من السّنوات العشر الماضية. هناك بعض القواعد التي عشتُ وفقًا لها في السنوات العشر الماضية والتي خدمتني جيدًا. إحداها أنه عندما غادرت البحرين، وضعتُ على الفور قاعدة لنفسي مفادها أنه ليس لدي الحق في مطالبة الناس بفعل شيء لا أستطيع فعله بنفسي. لذلك، لن أمنح نفسي مطلقًا الحق في الجلوس في كوبنهاغن أو في أي مكان أكون فيه وأن أقول للناس في البحرين: يجب أن تخرجوا إلى الشوارع ، وتحتاجون إلى الاحتجاج، وإلى تعريض حياتكم للخطر، لأنه ما لم أتمكن من أن أكون هناك على الأرض معهم للقيام بهذه الاحتجاجات، فليس من المناسب لي أن أجلس براحة في مكاني وأن أطلب من الناس تعريض أنفسهم للخطر. يمكنني الإبلاغ عن ذلك، يمكنني القول إنّ هذه الاحتجاجات تحدث أو تم تنظيمها، لكن لا يمكنني أن أطلب من الناس أو أطلب منهم القيام بهذه الأشياء ما لم أكن معهم.

كانت القاعدة الثانية أنّه بما أنّني لستُ على الأرض، عندما أتحدث عن البحرين، أو عندما أتحدث عن بلدان أخرى، أعتبر أنّني مكبر صوت، ولستُ المتحدث الرسمي. وظيفتي هي نقل ما يحدث من خلال ما أعرفه من الناس على الأرض. عدتُ إلى البحرين في العام 2014 وقضيتُ بعض الوقت في السجن، وعندما خرجت حاولت أن أتجول وألتقي بأشخاص. وأدركتُ أنه بغضّ النظر عن مدى علاقتك بالموقف الّذي يحصل على الأرض، هناك دائمًا بعض التّفاصيل الدّقيقة الّتي ستضيع عندما لا تكون هناك بالفعل. لذلك من المهم جدًا أن نحظى بهذا التّواضع في أخلاقياتنا.

طاقتنا محدودة ومواردنا محدودة. نحتاج لأن نكون استراتيجيين للغاية في كيفية استخدامنا للموارد المحدودة الّتي نمتلكها، سواء كانت أفرادًا أو أدوات أو شركاء. من أجل ذلك، كتبتُ الورقة البحثية حول الدروس المُستَفادة من السّنوات العشر الماضية - تلك كانت طريقتي في التّأمل الذّاتي. الآن أحاول التّوصل إلى استراتيجية لنفسي. من الواضح أنّه لا يمكنني التّحدث بالنّيابة عن أشخاص آخرين. لكنّني الآن أحاول ذلك مع نفسي. كيف أتوصل إلى استراتيجية أعتقد أنها تخدم بشكل أفضل القضية أو القضايا الّتي نناضل من أجلها؟

 

النص الأصلي