عباس المرشد: رسائل جماهير صلاة الجمعة بجامع الدراز
عباس المرشد - 2022-05-22 - 1:24 ص
في زمن الاضطهاد الطائفي أوحى بعض الشياطين إلى بعضهم، واجتمعوا مصممين على خنق الوجود الديني وإنهاء ما يصفونه بالإسلام السياسي في المنطقة. فقد وجد القصر أن أحد أهم وأخطر مخازن التعبئة ضد الاستبداد والاضطهاد هو الجامع والمسجد والمرجعية الدينية العادلة. اقتضى ذاك التشخيص تكليف مراكز البحث بوضع مشاريع مضادة وخطوات عملية تحقق الأهداف المرجوة من الاضطهاد الديني والسياسي.
لا توجد وثيقة كوثيقة تقرير البندر تشرح أبعاد المشاريع التي كان القصر ينوي تنفيذها على المدى الزمني القصير والطويل، وربما استطاعت الأجهزة التابعة للقصر أن تنفذ أغلب توصيات صلاح البندر في التطهير الطائفي. وقتها لم يكن للإمارات ومشروع محمد بن زايد حضور قوي كالذي يمتلك اليوم ويمتلك حصة سيادية في القرار الداخلي إضافة إلى حصة سيادية في المنشآت والأصول السيادية للبحرين مثل حصوله على حق الانتفاع من مطار البحرين ومن الموانئ وفي القطاع الأمني وبالتالي حصة للإمارات إلى جانب حصة السعودية التي تمتلك النصيب الأكبر من القرار.
فعلى سبيل المثال كانت أحد أهم وأخطر شروط المارشيال الخليجي البالغ عشرة مليارات دولار أولية وأخرى إضافية هي أن تكون الأولوية في المشاريع وأوجه الصرف للشركات الإماراتية والسعودية وقليل منها يمكن ترسية مناقصاته على بعض الشركات البحرينية والأولوية بالطبع هي للشركات غير الرسمية للعائلة الحاكمة. هي قسمة الغنائم كما كانت تجرى في تقسيم ثروة النفط ثلث للشركة وثلث لخزينة الحاكم وثلث لخزينة الدولة.
في الجانب السياسي كانت الإملاءت أكثر شراسة لتنفيذ رؤية أوسع من البحرين يكون لقصر الصافرية بصامته فيها، فقد وضع محمد بن زايد مشروعه السياسية قائما على ركيزتين هما محاربة وإنهاء الإسلام السياسي من جهة ووأد الديمقراطية وبوادرها من جهة أخرى. إذن هو تلاقي في الاستراتيجية واتفاق على الأدوات مقابل دفعات مالية ضخمة وتعهد بسد العجز المالي الذي يتسبب فيه الفساد السياسي والفساد المالي ويوجب في النهاية اعتماد سياسية الاقتراض حتى دون الحاجة إليه. حتى وصل الدين العام إلى أكثر من 14 مليارا وأن تكون 700 مليون دينار فوائد سنوية لتلك الديون أي ما يعادل ربع الموازنة السنوية تقريبا تذهب لدفع الفوائد دون أصول القروض.
بالعودة إلى مخرجات زمن الاضطهاد الطائفي نفذ القصر مشروعه الخاص الموجه لجامع الدراز بغرض ترويضه وتركيعه وتحجيمه وفك الارتباط الجماهيري بخطابه وبقيادته المرجعية. استعمل القصر كافة الأدوات المتاحة لتنفيذ رؤيته، ففرض أكبر حصار على جامع الدراز وعلى منطقة الدراز نفسها في استعادة واضحة لآليات الحصار التي ينفذها الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، كما عمد إلى شيطنة المرجعية الدينية ومحاولة ربطها بغسيل الاموال والإرهاب ثم اتجه إلى العناصر العقيدية كالخمس والأموال الشرعية والمؤسسات الدينية الأخرى لتحجيم عملها ومحاصرتها. وأخيرا نفذ مجزرة لفض الاعتصام السلمي وقتل خمسة من خيرة شباب البحرين بدم بارد دون محاسبة أو مساءلة وفقا لسياسات الإفلات من العقاب السائدة.
في نهاية المطاف وجد القصر نفسه محصورا وتزدحم عليه النوائب وأن كافة رؤاه الإستشرافية لم تؤت أكلها وأن عليه أن يقدم ملخصا حقوقيا يبرهن فيه سلامة إجراءته الطائفية، وأن يعيد حساباته مع خزان التعبئة الذي لم يتوقف عن ضخ الجماهير إلى الشارع وأن تبقى على ثبات في مطالبها. وأن يسعى لتحسين وضعه في انتخابات الأعيان الباهتة والفاشلة أصلا. وككل الأنظمة الشمولية والاستبدادية لا تكون خطوات التراجع ناتجة عن اعتراف بالفشل أو الخطأ بقد ما تكون خطوات تكتيكية ماكرة سريعا ما يتم التراجع عنها أو العودة إلى طبائعه الاستبدادية.
في الحضور الجماهيري لصلاة جمعة جامع الدراز، بعد رفع قرار المنع، رسائل واضحة:
الرسالة الأولى أن الشرعية الأصلية هي شرعية الجماهير ورضاها وبيعتها السياسية، أما شرعية القمع والأجهزة الأمنية فلا توفر حتى الأمن الميداني.
الرسالة الثانية أن الثبات والاستمرار في خط مواجهة الاستبداد كاد أن يبلغ المائة عام وهو مستمر لمائة أخرى جيلا بعد جيل.
الرسالة الثالثة أن الارتباط بالمرجعية والقيادة الدينية عصي على التفكيك وغير قابل للترويض.
الرسالة الرابعة أن الجماهير نفسها والقيادة ذاتها لديها القابلية للحوار شرط احترام عزتها وكرامتها واحترام الإنسان المودع في هذا الشعب.
الرسالة الخامسة إن الاضطهاد الطائفي وما يعقبه من اضطهاد سياسي تحت إملاءات خارجية أو تقديم أوراق اعتماد لدول أخرى مصيره الفشل وتشديد الخناق على القصر وأجهزته.
كاتب وباحث من البحرين.