إميل نخلة: تناقضات صارخة في سياسة الولايات المتحدة في أوكرانيا والشرق الأوسط

الوزراء العرب المشاركين في قمة النقب مع الوزيرين الأمريكي والإسرائيلي
الوزراء العرب المشاركين في قمة النقب مع الوزيرين الأمريكي والإسرائيلي

إميل نخلة - موقع responsiblestatecraft الأمريكي - 2022-05-06 - 7:30 م

ترجمة مرآة البحرين

ترسل واشنطن أسلحة إلى أوروبا للقتال من أجل الدّيمقراطية، في حين تساعد المستبدين العرب، ومن بينهم البحرين، على قمع النّضال من أجل الحرية بإرسال الأسلحة الأمريكيّة إليهم. إدارة بايدن مُحِقة في الرّد على الفظائع الروسية المُعلَن عنها من خلال تسليح أوكرانيا للدّفاع عن نفسها، ولها ما يُبَرّر بالقدر ذاته تجنبّها للمواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا بوتين.

ونظرًا لتأثير الحرب الرّوسية في أوكرانيا اقتصاديًا وسياسيًا على الشرق الأوسط، تشهد شعوب هذه المنطقة عددًا من التّناقضات الصّارخة في كيفية تعامل الرئيس بايدن مع كلا المنطقتين.

ففي أوكرانيا، أنفق بايدن مليارات الدولارات على أسلحة من جميع الأنواع لمساعدة الرئيس فولوديمير زيلينسكي في الدّفاع عن بلاده في معركتها من أجل الديمقراطية والحرية ورفض دكتاتورية بوتين وحربه غير الإنسانيّة. وعلى النّقيض من ذلك، باعَت واشنطن في الشّرق الأوسط ما قيمته مليارات الأسلحة للدّيكتاتوريين العرب على الرّغم من سجلّهم الفظيع في مجال حقوق الإنسان وقمعِهم للحريّات المدنيّة لشعوبهم.

تُقَدّم إدارة بايدن دعمها لحرية أوكرانيا في الاختيار والقِيَم التي تناضل من أجلها في السّياق الشّامل للقيم العالمية، لكنها امتنعت، لحسابات سياسيّة، من القيام بالأمر ذاته في الشّرق الأوسط. يحاول الرئيس بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بشدة إقناع أقرب حلفاء واشنطن وأكبر مستلمي الأسلحة الأمريكية في المنطقة بإدانة أعمال بوتين الإرهابية في أوكرانيا علنًا وبقوة.

ومكافأة لهذا الدّعم، غضّت إدارة بايدن طرفها عن مطالبة الشّعوب العربيّة بالعدالة والحريّة.

على الرّغم من ذلك، حظيت هذه الجهود الدّبلوماسيّة بنجاح ضئيل، إن حصل على كل حال. رفضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة و"إسرائيل" ودول أخرى الحملة المُناهضة للولايات المتحدة ضد بوتين في المنطقة. ولا تزال دبي مقصدًا للأثرياء الأوليغاركيين الرّوس. كذلك تُرَحّب تركيا أيضًا باليخوت الفاخرة الّتي تملكها روسيا في موانئها. أصبحت العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية السعودية الروسية أكثر بروزًا على السّاحة العالميّة على الرّغم من المناشدات الأمريكيّة بعكس ذلك.

لقد تلاشى الوعد الّذي قطعه الرّئيس بايدن في حفل تنصيبه في أوائل العام الماضي بشأن مركزيّة حقوق الإنسان في أجندته. وهو يواصل تدليل الدّيكتاتوريين في الشّرق الأوسط من دون إيلاء أي اهتمام، بخلاف الخطاب، للدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان والحريّات المدنيّة. قد لا تكون الشعوب الشّرق أوسطيّة ثريّة أو مؤثرة، لكنّها ذكيّة بما يكفي لترى ما يحصل. ومؤخرًا، أخبرني صديق في الشّرق الأوسط أنّه ومواطنيه لا يلمسون اختلافًا كبيرًا بين رئاستي ترامب وبايدن على مستوى الموقف تجاه الدّيكتاتوريين العرب. استخدم ترامب كلًا من الخطاب والأفعال للتّقرّب من المستبدين العرب، في حين لجأ بايدن إلى القوة النّاعمة (الخطاب) لتمجيد فضائل القِيَم الدّيمقراطيّة، لكنّه بسط دعم القوة الصّلبة للدّيكتاتوريين نفسهم.

وتواصل مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها بلايين الدّولارات التّدفق إلى السّعودية والبحرين ومصر وغيرها من الدّول العربيّة وغير العربيّة في المنطقة بغضّ النّظر عن الانتهاكات المُستَمرّة لحقوق الإنسان، سواء في السّعودية أو مصر أو الإمارات العربية المتحدة أو الضّفة الغربية وغزة الفلسطينيتين. وما المأساة الإنسانيّة المستمرة في اليمن إلّا أحد الأمثلة على التّناقضات الصّارخة في نهج واشنطن تجاه المنطقتين.

هناك أمل أن يساعد الضّخ المستمر للأسلحة الأمريكيّة إلى أوكرانيا الجيش الأوكراني على هزم العدوان الرّوسي. ومن جهة أخرى، ستُمَكن مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية الضّخمة الدّيكتاتوريين العرب من هزيمة نضال شعوبهم من أجل الحريّة والكرامة الإنسانيّة. يقود الغضب الأخلاقي إزاء وحشية بوتين في أوكرانيا مهمة بايدن في تلك الدّولة، ويُعزّز إحساسًا عالميّا بالأمل في أن يفوز زيلينسكي المُنهَك من الحرب على جارته الّتي لا ترحم.

لا يرى النشّطاء المطالبون بالحريّة والشّعوب العربيّة أيّ أمل على الإطلاق في أن يُكبّل انتصارٌ في أوكرانيا قمعهم المستمر [من قبل الحُكّام]. إذ سيُسَبّب الانتصار الأوكراني بمساعدة الولايات المتحدة معضلة أخلاقية لإدارة بايدن بشأن موقف واشنطن تجاه حقوق الإنسان في العالم العربي، ويجب أن يحصل ذلك.

ومع أنّه من الصّحيح أنّ أوكرانيا تتعرّض للغزو من قبل قوة أجنبيّة، وأنّ الدّول العربيّة تُنتَهك من قبل أنظمتها نفسها، إلا أنّه لا فرق في أنْ تُسحَق القِيَم الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان من قبل ديكتاتور أجنبي أو ديكتاتور محلي.

لا يجب أن يفوت القادة الأمريكيون هذا الانقسام أثناء سعيهم وراء نموذج استراتيجي جديد في الشّرق الأوسط بعد حرب أوكرانيا. لا يمكن لتغطية العيوب من خلال ما يسمى باتفاقيات أبراهام والتّقارب المتطوّر بين "إسرائيل" والأنظمة الخليجيّة العربيّة أن تمحو التّناقض بين الالتزام المُكلِف والعميق للولايات المتحدة بحقوق الإنسان في أوكرانيا، ومناصرتها اللّامبالية (في خطاباتها على الأغلب) للقِيَم الدّيمقراطية في الدّول العربيّة.

ومع فقد الأنظمة العربيّة لسلطتها كفاعلين رئيسيين في المنطقة، ورؤيتها أنّه يتم استبدالها بثلاث دول غير عربيّة -وهي إسرائيل وتركيا وإيران- تميل [الأنظمة العربيّة] إلى سنّ قوانين وممارسات أكثر قمعًا لإخضاع شعوبها. وتساوي على نحو خاطئ بين خسارتها لنفوذها الإقليمي وبين القمع المتزايد في الدّاخل. وبقصر نظر، تقمع  براعة شعوبها وإبداعها وتوقها إلى الحريّة، ما يحد من قدرة تلك الدّول على النّمو اقتصاديًا والابتكار تقنيًا.

وفي حال سُمِح بظهور الإبداع والابتكار، فباستطاعتهما تمكين المجتمعات العربيّة للمضي قُدُمًا. وترى الشّعوب العربيّة، من لبنان إلى الجزائر، أنّ بلادها في دوامة تدهور اقتصادي لا توفّر الوصول إلى الأعمال والتّكنولوجيا والابتكار العلمي والنّمو إلا على نحو ضئيل. وإن أصبحت جزءًا من عملية الحكم، يمكنها مساعدة زعمائها على استعادة نفوذها ومكانتها الإقليميّة المفقودة. غير أنّه بخلاف ذلك، لا يمكن استعادة نفوذ مماثل من خلال الاستبداد المتفشي.

يعكس الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب كجزء من القمة السّداسية مع وزيري الخارجية الأمريكي والإسرائيلي تحالفًا ضد شيء ما أو دولة ما - إيران والحوثيين على سبيل المثال- لكن ليس من أجل هدف استراتيجي محدد يمكن لكل شعوب المنطقة أن تستفيد منه. ومن المهم الإشارة إلى أنّ مشاركة مصر في القمة جاءت بعد تردد خوفًا من أن يُهمشها "هرج ومرج" التقارب العربي الإسرائيلي.

لم يتطرّق اجتماع وزراء الخارجية العرب إلى مطالب واشنطن بأن يتبنوا موقفًا أشدّ ضد حرب بوتين في أوكرانيا أو الكارثة الإنسانية في اليمن وسوريا وغزة. ومن وجهة نظر عربية، برز واقع غير سار من الاجتماع: "إسرائيل" هي القوة الحقيقيّة في الشّرق الأوسط العربي -على المستوى الاقتصادي والعسكري والتقني، والآن، الدبلوماسي.

بفضل الدّعم العسكري الأمريكي، تمتلك أوكرانيا فرصة جيّدة للصمود في وجه العدوان الرّوسي وربما هزيمته. يجب التّمسك بالمثال العالمي للحريّة والدّيمقراطيّة الّذي تطمح إليه شعوب العالم -سواء في أوكرانيا أو تايوان أو السعودية أو مصر أو فلسطين - والدّفاع عنه من حيث المبدأ لا وفقًا للحسابات السّياسيّة. وهذا المثال غير قابل للتّجزئة، كما أنّه غير انتقائي، وهو عالمي وليس إقليميًا، وقائم على المبادئ، لا على الصفقات السّياسيّة.

يجب أن يكون النّهج الأخلاقي الرّفيع الّذي اتبّعته إدارة بايدن في أوكرانيا مبدأً إرشاديًا للعلاقات الأمريكيّة مع أنظمة الشّرق الأوسط. ولا ينبغي أن يتغلب السّعي وراء المصالح السّياسية على الالتزام الفعلي للإدارة بالمُثُل الدّيمقراطيّة في العلاقات مع الأنظمة العربيّة.

 

النص الأصلي