يوسف ربيع: شمس غازي لا تغيب
يوسف ربيع - 2021-08-15 - 4:36 م
وصلني كتاب "رابعة الشمس" الذي أصدره مركز أوال للدراسات والتوثيق احتفاءً بالشاعر المرحوم الأستاذ غازي الحداد مع حلول شهر محرم الحرام الذي تشهد له جنبات المحرم حضور غازي الشاعر والانسان.
الكتاب يقع في 96 صفحة، ويعد منطلقًا لمشروع في نشر الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر غازي الحداد.
لا أخفي أنّ هذا الإصدار استفزني نحو الكتابة عن غازي الحداد الذي أصفه ب "الشاعر العنيد" حيث حظيت بمعرفته ومجالسته استماعاً تارة ومناقشاً له تارة أخرى.
أعود إلى"الشاعر العنيد" فالعناد هنا عند غازي كان عناداً أصيلاً بأصالته وليس طارئًا، إيجابياً وليس سلبياً، عناداً في تواضع وليس في غرور وتكبر، فالرجل عنيد بصلابة في عقيدته التي كان ينهل منها في قصائده.
علاقته مع اللغة والكلمات كانت لا تخلو أيضاً من عناد، فيجعل الألفاظ والصور تنقاد له مسلّمةً في قصائد آسرة، وهذا ما تلحظه في قصيدته المركزية "قمري أنت أم أنت القمر؟"وفي قصيدتي الديوان "نصرة الجواد" و"رابعة الشمس".
الحقّ أن قصيدة كربلاء عند غازي مدهشة مفاهيماً وجمالياً، فكربلاء في نص الحداد ليست مصارع وشهداء بقدر ماهي واقعة ممتدة ونصاً راهناً ضد "أعلام الفساد" كما يعلنها في قصيدة "نصرة الجواد".
أكسبني عملي في التعليم أن أنفرد بمقاربة خاصة لغازي وقصيدته الشعرية، فقد كانت نصوص غازي وألطاف تصاويره تتحرك معي من خلال عدد من طلبتي الذين يسكنون منطقة البلاد القديم وتحديداً في فريق"الجنوب". هؤلاء تشربوا من مجاورة غازي مندمجين بعضهم كالشاعر الصحفي عقيل ميرزا أو ناقلين لها في القصيدة الموكبية كالرادود الحسيني عبد الأمير البلادي والملا الشاب السيد موسى البلادي.
على أن الخطيب الشيخ حسن القيدوم الذي ارتبطت معه في علاقة خاصة أيضاً له مقام مميز بين هؤلاء "المتماهين" مع غازي حيث تكفل الشيخ القيدوم بعرض قصيدة غازي الكربلائية فوق منبر الخطابة وبطريقته الهادئة في الإلقاء فكان بحق مع الرادود البلادي كاتبين لنص غازي في نص ناهض وجديد.
لقد كان الشيخ القيدوم مهتماً بعرض تصويرات غازي في الحوراء زينب وكلامها مع أخيها الحسين (ع)، وكان الشيخ علي الدوام يتزين بجلال مرثيات غازي ويردد: "الله يوفق هذا الأستاذ الشاعر"وهو يعني غازي الحداد.
لقد شكّل التوثيق لواقعة كربلاء في نص غازي أدوات خصبة في استعادة مفهومات التاريخ بطريقة تجبرك على الوقوف أمامها بتأمل وإعجاب، ناهيك عن قدرته على معارضة شعراء الحسين الكبار في البحرين، أمثال ملّا عطية الجمري والشيخ حسن الدمستاني وابن فايز وآخرين وكأنما أراد أن يقول: إن استحضار كربلاء هي الهوية التي ينتمي إليها غازي وأجداده في هذه الأرض.
على أن غازي الحداد يحوز على خاصية تفرد بها، حيث كما أراه يكتب نصه الشعري، مرتين مرة حين يخطه بيده السيّالة، ومرة أخرى حين يصدع به بحنجرته البحرانية، وبين النصّين تسابق إلى اللطف والهيمنة، ولا تعارض بينهما.
إذا كانت كربلاء مادة غازي في الشعر، فإن متبناه السياسي لا يغيب أيضاً، لأنه يكون نتاجاً من كربلاء الحاضرة وهي عقيدة طالما وقف مدافعاً عنها، هذا ما تكشفه قصيدة "لو كان لساني مقطوعاً" وهي القصيدة التي ينشر فيها مواقفه السياسية بحرقة والم.
في التداول الشعبي عند البحارنة "الحسين غني ويغني"، وقد أصبح غازي الإنسان الشاعر غنياً بالحسين، لقد فتح غازي كتابه حباً في كربلاء، وإذا كانت كربلاء لا تغيب، فإن شمس غازي حاضرة تستمد بهاءها ووجودها من كربلاء الحسين التي كان غازي ناطقاً باسمها نصاً، وروحاً.
من هنا، تعد خطوة مركز أوال للدراسات والتوثيق في حفظ ونشر آثار الشاعر غازي الحداد عملاً مهماً وخطوة ذكية، فالحديث عن غازي هو حديث عن أوال وأهلها الذين أحبوا كربلاء، ومع ذلك تحيط بهم بُهمُ التجهيل الحالكة وآفات الإقصاء، لكنهم باقون وراسخون في أطناب بلادهم البحرين.