بعد حرب سياسية خاسرة ضدّها... الملك يدعو لمراسم عاشوراء بـ"النجاح والتوفيق"
2020-08-30 - 7:56 ص
مرآة البحرين (خاص): بعد فتح المساجد لأوّل مرة منذ 6 أشهر بسبب أزمة كورونا أدّى ملك البحرين صلاة الجمعة في مسجد خاص بقصر الصخير. على هامش الصلاة صدر عنه تصريح مثير تحدّث فيه عن "ختام مراسم إحياء ذكرى عاشوراء الكريمة" وقال إنّه يتمنّى للمراسم "التوفيق والسداد والنجاح".
دعوات الملك البحريني جاءت لتغطية خسارته حربا سياسية شنّتها السلطات على مدى أسابيع لإسكات صوت عاشوراء تحت غطاء كورونا. أمام تحدّي المواطنين الشيعة رضخت السلطات للأمر الواقع وتراجعت عن قرارها السياسي بمنعها.
بدلا من الاعتراف بالهزيمة مثّل الملك دور الراعي والأب الذي لا بد أن يظهر في المشهد، وكأنّ كل شيء لا يمكن أن يُسمح به إلا بإذنه ورضاه.
ومرة أخرى نالت عاشوراء ودون خطاب سياسي من هيبة الدولة وهيبة البوليس كما كانت تفعل على مدى 100 عام. أثبتت أنّها وحدها عنوان مجرّد للتمرّد السياسي ومقارعة الاستبداد "يحمل مثل هذا التاريخ علاقة سياسية خاصة بالتّقاليد المتمرّدة" كما يقول الباحث السياسي جستن غينغلر.
أصرت مآتم البحرين على رفض القرار السياسي بمنع مراسم عاشوراء، وفتحت أبوابها فعلا منذ الليلة الأولى من محرّم (20 أغسطس/آب 2020) لأعداد محدودة من المعزّين مع الأخذ بما تسمح لها قدراتها التنظيمية من احترازات وإجراءات. كما نظّمت بعض القرى علنا مواكب عزاء في الطرقات وسط تباعد المشاركين.
وضعت المآتم السلطات السياسية تحت الأمر الواقع. إجماعها على تحدّي الحظر أفقد وزارة الداخلية القدرة على فرض سلطتها لتفقد هيبتها تماما، بينما فشلت الأوقاف الجعفرية في احتواء الموقف، ولاذت بالصمت.
الصراع الأزلي بين السلطة والشارع الشيعي حول مراسم عاشوراء، انتهى هذا العام بإلغاء قرار منعها السياسي، وإصدار الفريق الطبّي المختص بيانا خاصّا يجيز تنظيمها (الأربعاء 26 أغسطس/آب 2020، 6 محرّم 1442هـ). سمحت الجهات الطبّية رسميّا للمآتم بإقامة المراسم الدينية في الساحات الخارجية المفتوحة، وتنظيم مواكب العزاء في الطرقات، تحت شروط واحترازات أصدرت بيانا خاصّا بشأنها.
أثبت الفريق الطبّي أن منع مراسم عاشوراء كان قرارا سياسيا بامتياز، خصوصا مع رفع القيود عن الكثير من المحال والمؤسسات بما فيها المدارس والمعاهد والمطاعم (حتى ولو على سبيل التجربة). كما تعاطت مع وباء كورونا بشكل أو بآخر، كان بمقدور الدولة التعاطي بوطنية مع شعائر عاشوراء وحمايتها صحّيا وأمنيا، لكنّها اختارت محاربتها وجرها إلى الصراع، فضلا عن إثارة الضغينة الطائفية ضد المواطنين الشيعة.
في خطبة الجمعة تطرّق خطيب جامع الفاتح الشيخ عدنان القطّان إلى ذكرى عاشوراء، وقال إنها مناسبة للاقتداء بآل البيت لما كان بين القرابة والصحابة من التراحم والمحبة والتناصح والتواصل وحب الخير لجميع المسلمين والبعد عن الشر.
هل من البعد عن الشر، أن يُحارب المرجع الأعلى للشيعة في البحرين ويُحاصر وتُسقط جنسيته ويُحكم عليه بالسجن بتهم سياسية. هل من البعد عن الشر أن يظل قادة المعارضة الشيعية من رجال دين ورجال سياسة في السجن 10 سنوات. هل من البعد عن الشر أن يظل آلاف المعتقلين السياسيين في السجون منذ العام 2011 وحتى اليوم. وهل من البعد عن الشر أن يُعدم المزيد من الشبّان الشيعة كل عام؟
يعادي النظام السياسي الحاكم شعائر عاشوراء تماما كما يعادي مواطنيه الشيعة منذ قرن من الزمان. يتّهمها وزير الداخلية علنا بأنها منبر للإثارة السياسية و"انعدام الإخلاص والولاء الوطني" و"بث إشاعات كاذبة" و"التّحريض على كراهية" (النظام) و"تشويه الإنجازات الوطنية" و"السّعي إلى هدم الوحدة".
تنوء السلطة الحاكمة في البحرين بعاشوراء. لا تكف عاشوراء عن إزعاجها بخطابها السياسي حتى لو كان مبطّنا. يكفيك أنّها تذكّر دائما بانتصار الدم على السيف، الانتصار بالتّضحية والرفض والثبات على المبدأ والمعارضة الأبدية للظلم والاستبداد. تهدّد عاشوراء بعمقها الديني والثقافي عروش ملكهم وتنال من هيبتهم وجبروتهم، لكنّها وعلى مدى التاريخ منيعة وعصيّة على القمع دائما وأبدا، لذلك يكرهونها كثيرا.
كلمة الشيخ عيسى قاسم القديمة المخلّدة، لا تزال تذكّر النظام في البحرين كل عام أن عاشوراء نذير من رحم التاريخ لا خلاص لهم منه "معركة كربلاء قائمة بطرفيها اليوم وغدًا في النّفس...في البيت... في كل ساحات الحياة والمجتمع ويبقى النّاس منقسمين إلى معسكر مع الحسين ومعسكر مع يزيد. فاختر معسكرك".