» رأي
من سُهيل القُصيبي لـ«سَعِيد الحمد»... فاصل ونواصل
أحمد البوسطة - 2012-09-12 - 12:45 م
في 25 أبريل/نيسان 2011 كتب سُهيل بن غازي القصيبي، الذي صار فيما بعد رئيس المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني، رسالة ثلثها نقداً، وثلثيها مديحاً، إلى سعيد الحمد هنّأه فيها على برنامجه (حوار مفتوح) الذي وصفه بـ"الشيّق" وكذلك، امتدح جل مقالاته، حتى "أصبح سُهيل من معجبي سعيد"، ثم شكره على "مواقفه الثابتة وآرائه المنطقية أثناء الأزمة الأخيرة التي هزّت الكيان البحريني، بل الخليجي كله"، وقال له في رسالته: "فقد أثبت ولاؤك ووطنيتك وحبك لهذه المملكة الغالية".
ما جاء في هذه السطور، كان مقدمة تمهيدية لطرح ثلاث تعليقات/تحفظات من سُهيل إلى سعيد على برنامجه الشيًق (حوار مفتوح)، وقال: "إني أخشى أن بعض ما تقوله قد يؤجج الطائفية المقيتة والمشاعر السلبية المنتشرة في مجتمعنا وكلي ثقة بأنك من مبغضي الطائفية والمنفرين منها".
أعطى سُهيل ملاحظاته الثلاث لسعيد، أولى هذه الملاحظات: "أين الطرف الثاني في هذا (الحوار المفتوح؟) وكيف يدافع عن نفسه إن لم يكن أصلاً في الاستوديو؟"
ملاحظة جميلة من القصيبي، ولا يحتاج المشاهد أن يذهب إلى معهد الصحافة كي يكتشف بؤس المهنية وفقرها والمفارقة بين عنوان البرنامج وسذاجة محتواه والقائمين على إعداده في غرف مغلقة مملوءة بالدخان الأسود، ومن ثم تقديمه بغرض زرع الكراهية بين أبناء وطن تقاسموا كسرة الخبز سوياً وهم يبحثون عن عدالة اجتماعية مفقودة على مدى تعاقب أجيال وتواريخ راسخة في أعمق أعماق الناس.
الملاحظة الثانية التي أبداها سهيل هي: "من المقصود عندما تقول “هم” و“أنتم”؟ المعارضة؟ الشيعة؟ الشباب الثائر؟ أرجو التوضيح، لأنه كما تعلم كثير من إخواننا الشيعة لم يذهبوا الى الدوار، وكثير من الذين ذهبوا لم يطالبوا بإسقاط النظام"
هنا بدأ سُهيل "يدس السَمَّ في العسل"، وأتمنى أن أكون مخطئاً، مرة يستوضح: مَن "هُم؟" ومَن "أنتم؟" ويكرر "الشيعة" مرتين: مرة يجمع بها المعارضة والشباب الثائر باعتبارهم شيعة، ومرة يؤكد إن كل من كانوا في الدوَار "شيعة". تفضحه لغته: "كما تعلم، كثير من إخواننا الشيعة لم يذهبوا إلى الدوّار، وكثير من الذين ذهبوا لم يطالبوا بإسقاط النظام". وهنا يختزل سُهيل كل ما جرى من حراك ما هو إلا شيعي زين وشيعي مو زين: شيعي ذهب الدوار وشيعي لم يذهب، شيعي طالب بالإسقاط وشيعي لم يفعل.
سُهيل وسعيد يعلمان، وبلا شك، كيف وصل الناس، شيعة وسنة، شيوعيون وقوميون منتمون وغير منتمين إلى الدوَار، مهندسون، أطباء، فنانون، كتًاب، صحافيون، رياضيون، أكاديميون وطلبة، وزراء سابقون، سواق سيارة أجرة وشاحنات، معلمون وتلاميذ، نساء ورجال، صبية وصبايا، نقابات عمالية ومهنية، وأيضاً عسكريون في الجيش والشرطة، وكل هؤلاء وحدّهم غضب ضد طبقة حاكمة جشعة استحوذت على ثروات البلاد والعباد، وكل هؤلاء لم يأتوا للترف والنزهة، بل كان في داخلهم إصرار وتحدٍ لتقريب وحشية وهمجية الطبقة الحاكمة صوب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الطامة الكبرى تكمن في الملاحظة الثالثة، المُرسِل كأنه يقول إلى المُرسَل إليه، إن شعبنا رفع الراية البيضاء للاستسلام وحان الوقت لـقلب صفحة جديدة هكذا ببساطة: "أليس من الأجدر أن نركّز على المسقبل بدلاً عن الماضي المؤلم؟ لقد انتصرت الحكومة ومساندوها بالضربة القاضية، فما الفائدة من إذلال الخصم المهزوم؟"
سُهيل خذله حَدَسه، فلم تعد الضربة "قاضية" كما تصور، والحكومة لم تنتصر، والخصم لم يُهزم كما يقول تصوَره الخاطئ، فقد راكم انتصاراته وخرج من تحت الرماد كطائر الفينيق، وإلا ماذا يعني يا أستاذ سُهيل بن غازي القصيبي ـ رحمة الله على والدك، هل تعتقد إن الحكومة ومسانديها يقاتلون موتى منذ 25 أبريل 2011 تاريخ تحرير رسالتكم المفتوحة إلى اليوم؟!..الموتى لا يؤذون أحدا، الميت لا يخيف فكيف تقاتل حكومة أناس انتصرت عليهم بـ"الضربة القاضية؟!"
قُل لمحبك، سعيدك، فاصل ونواصل، نهدأ لنبدأ، لن يرجع أصغر طفل بحريني بـ"خفي حنين".
* صحفي بحريني.
ما جاء في هذه السطور، كان مقدمة تمهيدية لطرح ثلاث تعليقات/تحفظات من سُهيل إلى سعيد على برنامجه الشيًق (حوار مفتوح)، وقال: "إني أخشى أن بعض ما تقوله قد يؤجج الطائفية المقيتة والمشاعر السلبية المنتشرة في مجتمعنا وكلي ثقة بأنك من مبغضي الطائفية والمنفرين منها".
أعطى سُهيل ملاحظاته الثلاث لسعيد، أولى هذه الملاحظات: "أين الطرف الثاني في هذا (الحوار المفتوح؟) وكيف يدافع عن نفسه إن لم يكن أصلاً في الاستوديو؟"
ملاحظة جميلة من القصيبي، ولا يحتاج المشاهد أن يذهب إلى معهد الصحافة كي يكتشف بؤس المهنية وفقرها والمفارقة بين عنوان البرنامج وسذاجة محتواه والقائمين على إعداده في غرف مغلقة مملوءة بالدخان الأسود، ومن ثم تقديمه بغرض زرع الكراهية بين أبناء وطن تقاسموا كسرة الخبز سوياً وهم يبحثون عن عدالة اجتماعية مفقودة على مدى تعاقب أجيال وتواريخ راسخة في أعمق أعماق الناس.
الملاحظة الثانية التي أبداها سهيل هي: "من المقصود عندما تقول “هم” و“أنتم”؟ المعارضة؟ الشيعة؟ الشباب الثائر؟ أرجو التوضيح، لأنه كما تعلم كثير من إخواننا الشيعة لم يذهبوا الى الدوار، وكثير من الذين ذهبوا لم يطالبوا بإسقاط النظام"
هنا بدأ سُهيل "يدس السَمَّ في العسل"، وأتمنى أن أكون مخطئاً، مرة يستوضح: مَن "هُم؟" ومَن "أنتم؟" ويكرر "الشيعة" مرتين: مرة يجمع بها المعارضة والشباب الثائر باعتبارهم شيعة، ومرة يؤكد إن كل من كانوا في الدوَار "شيعة". تفضحه لغته: "كما تعلم، كثير من إخواننا الشيعة لم يذهبوا إلى الدوّار، وكثير من الذين ذهبوا لم يطالبوا بإسقاط النظام". وهنا يختزل سُهيل كل ما جرى من حراك ما هو إلا شيعي زين وشيعي مو زين: شيعي ذهب الدوار وشيعي لم يذهب، شيعي طالب بالإسقاط وشيعي لم يفعل.
سُهيل وسعيد يعلمان، وبلا شك، كيف وصل الناس، شيعة وسنة، شيوعيون وقوميون منتمون وغير منتمين إلى الدوَار، مهندسون، أطباء، فنانون، كتًاب، صحافيون، رياضيون، أكاديميون وطلبة، وزراء سابقون، سواق سيارة أجرة وشاحنات، معلمون وتلاميذ، نساء ورجال، صبية وصبايا، نقابات عمالية ومهنية، وأيضاً عسكريون في الجيش والشرطة، وكل هؤلاء وحدّهم غضب ضد طبقة حاكمة جشعة استحوذت على ثروات البلاد والعباد، وكل هؤلاء لم يأتوا للترف والنزهة، بل كان في داخلهم إصرار وتحدٍ لتقريب وحشية وهمجية الطبقة الحاكمة صوب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الطامة الكبرى تكمن في الملاحظة الثالثة، المُرسِل كأنه يقول إلى المُرسَل إليه، إن شعبنا رفع الراية البيضاء للاستسلام وحان الوقت لـقلب صفحة جديدة هكذا ببساطة: "أليس من الأجدر أن نركّز على المسقبل بدلاً عن الماضي المؤلم؟ لقد انتصرت الحكومة ومساندوها بالضربة القاضية، فما الفائدة من إذلال الخصم المهزوم؟"
سُهيل خذله حَدَسه، فلم تعد الضربة "قاضية" كما تصور، والحكومة لم تنتصر، والخصم لم يُهزم كما يقول تصوَره الخاطئ، فقد راكم انتصاراته وخرج من تحت الرماد كطائر الفينيق، وإلا ماذا يعني يا أستاذ سُهيل بن غازي القصيبي ـ رحمة الله على والدك، هل تعتقد إن الحكومة ومسانديها يقاتلون موتى منذ 25 أبريل 2011 تاريخ تحرير رسالتكم المفتوحة إلى اليوم؟!..الموتى لا يؤذون أحدا، الميت لا يخيف فكيف تقاتل حكومة أناس انتصرت عليهم بـ"الضربة القاضية؟!"
قُل لمحبك، سعيدك، فاصل ونواصل، نهدأ لنبدأ، لن يرجع أصغر طفل بحريني بـ"خفي حنين".
* صحفي بحريني.
- هوامش