عيسى بن راشد آل خليفة… أن تكون إنساناً طبيعياً بمميزات عائلية
2020-03-20 - 6:31 م
مرآة البحرين (خاص): يوم الخميس 12 مارس 2020 غادرنا عيسى بن راشد آل خليفة، أحد أبناء أسرة آل خليفة البارزين، عن عمر ناهز الـ 83 عاماً بعد صراع مع المرض.
ابن المحرق الشاعر وعاشق الرياضة، الذي عمل قاضيا وعسكريا في السابق، لم يكن بالشخص العادي، أثار بوفاته حالة من الوحدة الخليجية التي فقدت منذ سنوات بسبب الخلاف الحاد مع قطر، لكن الخلاف هذا بدا متلاشياً أمام برقيات التعزية التي انهالت على المنامة من كل دول الخليج وفي مقدمتهم قطر، التي أبرق أميرها إلى عائلة عيسى بن راشد معزياً، واهتمت صحف الخليج كلها في اليوم التالي بإبراز التقارير عن الشخصية الرياضية المحبوبة من الجميع.
محلياً، تصدرت صوره مواقع التواصل الاجتماعي، نعاه البحرينيون بحبّ، على اختلاف توجهاتهم وأطيافهم. مشهد من النادر تكراره مع رجالات أسرة آل خليفة.
لماذا أحبه الجميع دون استثناء خلافاً لمواقف فئات كبيرة من البحرينيين من أبناء العائلة الحاكمة؟
كان لعفوية الرجل وقربه غير المصطنع من الناس، وتواضعه في الحديث والتعامل مع الجميع بلا تكلّف أو ترفع الدور الأكبر في ذلك. لقد نأى بنفسه عن أي موقف شخصي طائفي، وعندما فاض الشارع بخطابات الكراهية والشحن الطائفي ضد فئة معينة من المواطنين، التزم هو عبر لغته البسيطة المسلّية وحكاويه المرتجلة الطريفة، ما يعكس محبته وقربه من كل الناس سنة وشيعة على حد سواء.
يحكي الرجل الثمانيني سيرته في كثير من الفعاليات الثقافية، أو مع وسائل الإعلام، تراه معتزاً بانتمائه للمحرق التي ولد فيها وترعرع قبل انتقاله للرفاع، يتحدث كثيراً عن طفولته في قرية الدير، حين كانت عائلته (وفي مقدمتهم جده عبدالله بن عيسى) تتخذ من تلك القرية مصيفاً لها.
"الدير أهلي، آنه تربيت في الدير وعشت طفولتي فيها"، بتلك العبارة يبادر عيسى بن راشد مباشرة، حين يلتقي أحداً ويعرف إنه من قرية الدير. خطاب ينذر أن يصدر من أحد أفراد العائلة الحاكمة التي لا ترى نفسها متشابهة مع المواطنين، الشيعة بشكل خاص، وتتعامل مع الشعب بطبقية وطائفية.
وبطبيعة الحال، استفاد عيسى بن راشد من مميزات انتمائه لأسرة آل خليفة. يقول إنه لم يستطع الحصول على بعثة عام 1955 للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، فتوجه إلى مصر بناء على توصية جده، وهناك درس الحقوق في جامعة عين شمس. تم تمويل دراسته من مخصصات الأسرة التي تُصرف له، فكان يتلقّى مبلغ 3 آلاف جنيه سنوياً، وسكن في شقة بأحد الأحياء الراقية جداً بإيجار 12 جنيه شهرياً بالإضافة إلى 5 جنيهات للعامل الذي يقوم بالتنظيف والطباخة في المنزل.
ويضيف «معاشات العائلة كانت تنزل في البنك، وكان محمد أبوالفتح يعطينا معاشاتنا لـ 9 أشهر، ونحن نأخذها معنا إلى مصر» إشارة إلى ما يتلقاه مع عدد من أفراد الأسرة الذين تلقوا تعليمهم هناك في الخمسينات والستينات.
مميزات الأسرة الحاكمة بوأته أعلى المناصب أيضاً، تخرج في العام 1963 وعاد إلى البحرين، (لم يكن قد تخرج من عين شمس تخصص حقوق حينها سواه هو وصلاح المدني وعبدالعزيز بن جابر الذي شغل منصب النائب العام)، لكن أول وظيفة عمل بها وظيفة «قاضي».
يقول إنه طلب من رئيس المحاكم دعيج بن حمد آل خليفة في العام 1961 أثناء دراسته، بحضور جلسات المحاكم أثناء تواجده في البحرين، ويبدو إن ذلك أهله للعمل قاضيا فور تخرجه بتقدير جيد، عمل لمدة 6 شهور مع القاضي علي بن خليفة بن دعيج آل خليفة، وبعد ذلك صار يرأس جلسات المحاكمات، واستمر في العمل لمدة 5 سنوات.
في كشف خطير، يوضح في مقابلة تلفزيونية إن الملك حين كان ولياً للعهد في العام 1968 طلب منه العمل معه في قوة الدفاع كمستشار قانوني، وإن الأمير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، سأل ابنه حمد، لماذا أخذتم عيسى بن راشد من المحكمة، لماذا لم تستعينوا بأردني للعمل كمستشار قانوني، لكن الإبن أجاب (والكلام هنا لعيسى بن راشد) "لا نبي عيسى بن راشد"، وكان عمله وضع القوانين لكي تتلائم مع البحرين. لكنه أوضح أن مساعده كان أردنياً، ما يشف عن مدى اعتماد الحكم على الأجانب وتحديداً الأردنيين في مناصب حساسة ذات طبيعة أمنية وعسكرية.
يتحدث عيسى بن راشد بتواضع عن خلفيته العسكرية، لا يتباهي ولا يصنع لنفسه بطولات، تلقى دورة عسكرية لمدة شهرين فقط، وبحسّه الفكاهي يخبرنا إنه أثناء الدورة العسكرية رفض صعود السلم العالي لأنه يخشى على نفسه من السقوط، وأبلغ رفضه للملك الذي كان يشغل حينها منصب القائد العام لقوة الدفاع، فضحك ووافق على استثنائه من استكمال هذا الاختبار في الدورة العسكرية المتواضعة جداً.
يثير نقطة أخرى، فبعد ترقيته إلى منصب نائب القائد العام لقوة الدفاع، سافر حمد بن عيسى (ولي العهد والقائد العام لقوة الدفاع) إلى أمريكا لحضور دورة خاصة بهيئة الأركان، فأصبح عيسى بن راشد أرفع قائد عسكري لقوة الدفاع، وهنا ينقل حادثة طريفة تظهر واقع العمل العسكري في قوة دفاع البحرين.
يعرّف عيسى بن راشد نفسه بأنه إنسان بسيط، يروي أنه في إحدى المرات اتصل بأحد الجنود (وهو جاره وصديقه في المحرق) يطلب منه فرقة موسيقية (كون الجندي يعمل في الفرقة العسكرية الموسيقية)، لكن قيادات الجيش (اشتكوه) عند حمد بن عيسى بأنه لا يفهم في العسكرية، فكيف لنائب القائد العام أن يتصل مباشرة بجندي عادي، وهنا يرد عليهم عيسى بن راشد بحسه الفكاهي: «شنو يعني ما أفهم بالعسكرية؟ انتو بتروحون حرب؟».
لكن هذا الرجل البسيط وصاحب الحس الفكاهي، والمولع بالرياضة والشعر والأغاني، خرج من القيادة العامة، وأصبح وكيلاً لوزارة الدفاع، وبقي لمدة 8 أعوام في السلك العسكري قبل أن ينتقل للعمل وكيلاً لوزارة الإعلام، اهتم بالفن والطرب والفرق الشعبية التي عاشت أفضل أحوالها معه طوال 12 عاماً بقي فيها، وانتقل لاحقاً للقطاع الرياضي بعد اختياره رئيساً للمؤسسة العامة للشباب والرياضة برتبة وزير.
عيسى بن راشد أحد أكثر أبناء أسرة آل خليفة الطبيعيين، عاش في المحرق وخالط أبناء أحياء المحرق حتى عشقها، الجزء الأكبر من ذكريات طفولته كانت في الدير، القرية الشيعية التي أحبها وأحب أهلها، لم يعرف عنه الغرور، امتاز بحسه الفكاهي وتواضعه وحبه للناس، لكن مميزات انتمائه لهذه الأسرة لم تخضعه لاختبارات الحياة الحقيقية، لم يضطر عيسى بن راشد للعمل في سوق المحرق لدى الشواطرة، ولم يعمل موظفاً عادياً في إحدى وزارات الدولة، لقد بدأ حياته المهنية قاضيا، وانتقل للجيش مستشاراً قانونيا، وترقى خلال أعوام قليلة نائباً للقائد العام لقوة الدفاع، ومن هناك وكيلاً لوزارة الدفاع، وبعدها وكيلاً لوزارة الإعلام، وانتهى به الحال على رأس المؤسسة العامة للشباب والرياضة برتبة وزير، لكن الناس لم يكونوا ليطلبوا منه أكثر من أن يكون طبيعياً معهم، ولذلك أحبوه.