قيس علي: عمر فاروق في السجن، مهارات السجان والمسجون
قيس علي - 2019-05-31 - 3:13 م
في سلسلة من أربع حلقات عرض الفاشينستا عمر فاروق تجربة محاكة في سجون البحرين. تجربة أحلى من ما يكون، كانت سلسة وتمام التمام منذ لحظة الاعتقال حتى التحقيق فالعرض على النيابة العامة فالحكم فتنفيذ العقوبة في السجن ثم استبدالها أخيراً بعقوبة بديلة. ومن زود ما أن الحياة حلوة نظم الرجل على هامش تجربته في السجن وبالتعاون مع ثلاث وزارات في الدولة معرضاً في قلعة البحرين لمنتجات المساجين أُطلق عليه: مواهب ترى النور.
الموهوب الحقيقي صراحةً هو فاروق نفسه، لأنه استطاع أن يعرض لنا حياة النزلاء في البحرين وكأنهم يعيشون في أحد سجون النرويج. حقق معه المحقق دون طراق واحد، أي طراق؟ دون صرخة ولا زمرة، وحينما أدخلوه التوقيف قبل عرضه للنيابة جعلوه - عن الحلال والحرام - يشوبر بمقتنياته لكاميرا المراقبة كي يستلمها كما هي حين يخرج، أيضاً أخبروه في أكثر من مرة عن حقه في إجراء اتصال، وطلب محامي للدفاع.
في السجن، النزيل أبو محمد عنده مزرعة يزرع فيها أصنافاً من الخضار تفوق في عددها الأصناف التي يمكنك أن تشتريها من سوق جدحفص، وهناك نزلاء آخرون يقضون يومهم في تنظيم دوريات لكرات القدم والدومنة، واسمله عليه وعلى عمره فاروق تفاجأ حينما اكتشف أن في السجن أيضاً مكتبة ويش كبرها مليئة بالكتب، ومساجين مثقفين يقرأون كل يوم سواء إن وجدت كاميرا تصورهم أم لم توجد. أما الأكل فالعصيرات والمجابيس والسمبوسة والهمبرقات فمتوفرة ولله الحمد، ولو أنه حزت في خاطر الصبي أن يأكل بدون كاتشاب، لكنه تفهم أن هذا حال السجن على أي حال.
في الحقيقة نشكر فاروق لعرضه مشغولات المساجين وتسليطه الضوء على مواهبهم التي يمارسونها خلال قضاء فترة محكوميتهم في ما أسماه: المدينة الكبيرة. ونود بدورنا أيضاً أن نشارك في عرض مواهب السجانين في المقابل، ورغم أنها أزيد منها ماميش وأنها عصية على الحصر لكن لا ضير من ذكر القليل على سبيل المثال:
موهبة إدارة الأعمال: البزنز الناجح هو الذي يسد حاجة أو مشكلة عند الناس، ولكن السجانين في البحرين لديهم موهبة في إنجاح مشروعهم التجاري لبيع الطعام على المساجين عبر خلق هذه الحاجة والمشكلة وإن لم توجد، وذلك عبر تقليص حصص الطعام التي يوفرها السجن، لكي يضطر المساجين الجوعى لأن يشترون من سماسرة الطعام في السجن.
موهبة التشجيع على الابتكار الطبي: لدى السجانين في البحرين طريقتهم في تشجيع المساجين على إجراء البحوث الطبية واكتشاف أنماط جديدة للطب البديل، مثلاً أن تمنع عنهم العلاج لتجعلهم يجربون إن كان التمضمض بمادة الكلوركس سيخفف عنهم آلام أسنانهم.
موهبة التشجيع إعادة التدوير: يعلم السجانون النزلاء المحافظة على البيئة ويجعلونهم يمارسون إعادة التدوير خلال فترة إقامتهم في السجن. عوضاً عن تلويث البيئة بقناني الكلوركس وأكياس النايلون، يتعلم النزلاء كيف يستخدمونها في الشرب والأكل.
موهبة الواقع الافتراضي: من الخدمات التي يقدمها السجن في البحرين هو أن يجعلك تستمتع بالطقس وتقلب الفصول رغم وجودك داخل السجن، لكل فصل حقه وشعوره اللذيذ الذي لا يحرمك السجن في البحرين منه. كيف يشعر السجين بالشتاء في البحرين؟ نقطع عنه الماء الساخن لكي يشعر ببرد الشتاء وهو يستحم. كيف يشعر السجين بالصيف في البحرين؟ نجعله يقف لساعات تحت لهيب الشمس لكي يسوي تان ويكتسب بعض السمرة.
هذا فيض من غيض، وهناك الكثير من تجارب السجن التي فشل خريج الإعلام حديثاً عمر فاروق في عرضها ضمن سلسلته عمر يجرب، منها أكل شحيحٌ ومُسمم، أمراض لا تبدأ على الجلد ولا تنتهي بالأورام السرطانية، حرمان من العلاج وموت خلف أسوار القضبان، وفنون في التعذيب والتنكيل، أما العقوبات البديلة فهي لأبناء المسؤولين من تجار سلاح ومخدرات. لم تقل في أي سجن كنت تصور يا فاروق ولكن في السجن المركزي حالٌ وبال، دفع أحد السجناء إلى أن ينسى احتياجاته البشرية ويبدأ في تقليد الحيوانات في نظرية التكيف، هذه مهارة لا تجاريها مهارة ولكن تجربتك وأنت شاب بض، تلعب بأحدث أجهزة التصوير، تبحث عن الشهرة ومال الإعلان كانت أقل من أن تعيها. بحفلة العلاقات العامة هذه التي أقبضتك الداخلية ثمنها لم تخدع إلا نفسك، وإن كنت تستغبي وتستهبل الأول والأخير بمادتك الفيلمية التي نمقوها وزيفوها لك كما يزيف مصور دعايات الطعام الأكل ليبدو أكثر شهيةً فأمام تقارير المنظمات الدولية والشهادات الحية للمساجين لم تبدُ إلا أنت غبياً وأهبلاً.
*كاتب بحريني مهتم بالشأن العام، مقيم في نيوزيلندا