البحرين: لا أكثرية شيعية لا أقلية سنية.. وطن واحد للجميع دون قبلية
يوسف مكي - 2012-08-05 - 8:27 ص
يوسف مكي*
إذا ما أخذنا المعيار الطائفي (المذهبي) كمقياس فإن الشعب البحريني في الأساس يتكون من الطائفتين الشيعية والسنية. هذا واقع لا يمكن نكرانه سوسيولوجياً وانثروبولوجياً. وإذا ما أخذنا معايير أخرى فإن هذا الشعب يتكون من عرب وعجم وهولة ومن أصول افريقية وهندية، والبعض من أصول بدوية والبعض الآخر من أصول حضرية. وإذا ما استمرينا في لعبة المعايير فلن ننتهي إلى قرار.
لكن لإيضاح الأمور فيما يتعلق بمناقشة حقوق الشيعة باعتبارهم مواطنين أو رعايا أو أي تسمية، سنعتمد المعيار الأكثر عمومية – أعني المعيار الطائفي – فيما يتعلق بالسلطة والثروة والامتيازات طالما أن المعيار الموضوعي الجامع – أعني المواطنة – غائب أو مغيّب عن الممارسة السياسية ولأسباب سياسية من قبل النظام حتى إشعار آخر، وعليه سآخذ الواقع البحريني كما يبدو لي وفقا لهذا المعيار الطائفي الذي لا أرغب فيه، ولست من دعاته، ولكني أشخص واقعا وأقرر حقيقة على الارض. هي هكذا الأمور للأسف الشديد يصطف الناس على أسس ما قبل الدولة أو هكذا صنفهم النظام الحاكم القائم هو الآخر على نوعين من المعايير، قبلية وطائفية.
لن أدخل أيضا في جدال حول من أكثر. الطائفة السنية، أم الطائفة الشيعية إلا فيما يخص مناقشتي ويوضح أفكاري واستنتاجاتي. لكن إذا أخذت جملة من المؤشرات المكانية والزمانية والديمغرافية واللعبة السياسية الحالية في التركيبة السكانية (الديمغرافية) من قبل النظام من خلال التجنيس السياسي فإن هذه كلها تؤشر وبشكل بديهي إلى أن الطائفة الشيعية تشكل أغلبية أو أكثرية بين السكان، ومع ذلك لن أدخل بخصوصها في متاهة الأرقام، وإلا لماذا هذا اللعب بالتركيبة السكانية على امتداد اثنتي عشرة سنة الأخيرة، هذا اللعب الذي هو من حيث البداية والنهاية يراد له من قبل النظام أن يستهدف طائفة تمثل أكثرية بهذا القدر أو ذاك لصالح طائفة أخرى هي الطائفة السنية، ولن أقول إنها تمثل أقلية لكنها بالتأكيد لا تمثل الأكثرية، حتى حدث الإنفجار الكبير في 14 فبراير جراء هذا التجنيس وغيره من الأسباب الجوهرية المعلقة دون حل منذ انتفاضة التسعينات.
ومع ذلك ليس هذا موضوعي، إنما موضوعي هو الحقوق الخاصة بالطائفة الشيعية التي من المفترض أن تكون مماثلة لحقوق الطائفة الأخرى وفقا لمنطق السياسة الطائفية وتشطير المجتمع التي ينتهجها النظام ووفقا لحجمها. فلو أخذنا بمعيار مبدأ الأكثرية والأقلية ومبدأ المحاصصة الطائفية كما يحلو للنظام فسيكون نصيب الأفراد الذين ينتمون للطائفة الشيعية من الوظائف العامة مجتمعة ومفردة بنسبة أكثرية إلى أقلية، فلو اعتبرنا أن الطائفة الشيعية 60% من السكان فسيكون لها نفس النسبة من الوظائف العامة، وسيكون للسنة 40% من نفس الوظائف، كما سيكون النسبة نفسها بالنسبة للطائفتين على مستوى المؤسسات منفردة، أي نسبة 6 من الشيعة إلى 4 من السنة أو ما يعادل 60% إلى 40% في أي مؤسسة منفردة.
هذا على افتراض ذلك. إلا أن الواقع هو غير ذلك، فالوضع في البحرين مقلوب. فالنظام لا يمارس محاصصة طائفية، إنما يمارس تمييزا ضد طائفة من الشعب ذات ثقل عددي ونوعي، ويتم اقصاؤها وحرمانها من ممارسة حقوق طبيعية هي من حقوق المواطنة أو حتى حقوق بمنطق الرعايا، ويجعل منها أكثرية / أقلية مهدورة الحقوق، في حين هي – الحقوق - مباحة للطائفة الأخرى الشريكة في الوطن دون قيد أو شرط على الأقل من الناحية النظرية، محاولا النظام بذلك الإيهام بأنها أكثرية، وبالتالي من الطبيعي أن تحظى بامتيازات الأكثرية في الوظائف العامة وما يستتبعها. طائفة شيعية تمثل أكثرية لكنها محرومة من حقوق الأكثرية ومحرومة في نفس الوقت من حقوق الأقلية، إنه وضع غريب وعجيب، في توزيع الخير العام في هذا البلد.
لكن، لنذهب إلى خيار آخر غير معيار الأكثرية. لنفترض أن المكونين الشيعة والسنة متساويان، أي 50% لكل منهما، فإن هذا يعني وفقا لمبدأ المنطق الطائفي القائم على سياسة المحاصصة أن تستحوذ كلا الطائفتين على نصف الوظائف العامة مجتمعة ومفردة، أي نسبة 5 إلى 5، ومع ذلك لا يوجد شيء من هذا القبيل، حيث يظل الشيعة من حيث المعاملة أقلية في كل الأحوال في التمثيل العمومي للدولة عموما وممنوعين من بعض المؤسسات مفردة خصوصا، كما أنهم ممنوعون من بناء مؤسساتهم الدينية في بعض المناطق، وكذلك ممنوعون من سكن بعض المناطق، في حين لا يوجد شيء من هذا النوع من الممنوعات تجاه الطائفة الأخرى. إنه التمييز المركب بأجلى صوره، وأبشع أشكاله من قبل النظام السياسي تجاه مكون أساسي وأصيل من الشعب البحريني، فقط لأنه شيعي ويدين بولائه لتراب الوطن لا إلى أشخاص، ولا إلى قبيلة.
أما الآن واسترسالا في المناقشة، لنصرف النظر قليلا عن كون الشيعة أكثرية أو نصف المجتمع، ولنعتمد مبدأ الأقلية، أي لنعتبر أن الشيعة في البحرين أقلية بالقياس للسنة، مما يعني أن لها في مثل هذه الحال حقوق الأقلية ضمن منطق المحصاصة الطائفية، وذلك وفقا لحجمها العددي والنوعي، أي ما يعرف بحقوق الأقليات.
فلو افترضنا أن الطائفة الشيعية تمثل 40% من الشعب البحريني، فمن الطبيعي أن يكون لها من الوظائف والأوضاع العامة ما يعادل هذه النسبة، أي أن تشغل ما نسبته 40% من الوظائف العامة مجتمعة ومفردة. أي ممارسة حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية كأقلية على قدم المساواة مع الأكثرية من حيث ممارسة الحقوق والتنعم بخيرات وثروات وامتيازات بلدهم، وفي حدود حجمهم.
إلا أن سياسة النظام تأبي إلا أن تعتمد التمييز الطائفي، والإقصاء المبرمج في كلا الحالات، في حالة كون الشيعة أكثرية فليس لهم حقوق الأكثرية ولا يتم التعامل معهم على هذا الأساس، وفي حالة اعتبارهم نصف السكان لا يعاملون على هذا الأساس، وفي حالة اعتبارهم أقلية فإنهم لا يحظون بحقوق الأقلية، في حين أن هناك أقليات دينية ربما أعدادها بالعشرات أو المئات تحظى بحقوقها على داير مليم كما يقال ويفتخر النظام بذلك. وبهذا المعنى الإقصائي فإن الشيعة من وجهة نظر النظام مواطنون أو رعايا بشكل أدق من الدرجة الثالثة، والتمييز ضدهم يكاد يكون شاملا ومحكما، وهم حسب سياسة النظام ليس لهم حقوق الأكثرية، ولا حقوق الأقلية، إنما لهم سياسة الإقصاء والتمييز ومصادرة الحقوق.
وفي وضع سياسي اجتماعي كهذا، يعتبر النظام الخليفي هو المسئول عنه، وهذا بتقديرنا مرتبط بمورث الغزو الخليفي للبحرين والذي لا يزال مستمرا ويتجلى في المعاملة الإقصائية / الطائفية من قبل النظام للطائفة الشيعية على امتداد أكثر من قرنين من الزمان. وفي نفس الوقت يعود ذلك لشعور النظام الدائم بأن شرعيته دائما ما تكون موضع شك بالنسبة للطائفة الشيعية التي أخذها بالسيف على حين غرة. ولتثبيت هذه الشرعية لابد من معاملتهم بسيف الغزو تارة وبالإقصاء والريبة والإبعاد والتمييز والحرمان من ثروات وخيرات الوطن تارة أخرى، بدلا من التصالح معهم.
إلا أن قضية التمييز من قبل النظام لا تقتصر على الطائفة الشيعية، بل تشمل الطائفة السنية، ولكن لأسباب أخرى تتمثل في نظرة آل خليفة إلى الطائفة السنية بأنهم أتباع وموالون وقد جاءوا إلى هذه البلد في أثرهم أو بالتبعية، وبالتالي فإنهم – آل خليفة – يعتبرون أنفسهم أولياء نعمة الطائفة السنية وما كان لهؤلاء – حسب رؤية النظام - من مكان في هذا البلد لولا الغزو الخليفي الذي مهد لهم الطريق، وأن مصيرهم مرتبط ببقاء آل خليفة. وهم في ضوء هذه النظرة يستعملون ويوظفون الطائفة السنية لمصالحهم هم ضد المكون الآخر في السلم وفي الحرب وللتغلب على الشرعية المفتقدة من لدن الشيعة البحارنة وتعويضها بشرعية الطائفة السنية، أو الوقوف في وجه احتجاجاتهم المتكررة منذ لحظة الغزو، وليس من أجل مصلحة الطائفة السنية كمكون أساسي.
لقد أوضح تقرير مؤتمر تجمع الوحدة الوطنية الأخير دون لبس استخدام النظام للسنة من أجل ضرب المكون الآخر/ الشيعة، لماذا؟ بالتأكيد من أجل عيون النظام، وضد الطائفة الشيعية، وبالتأكيد ليس من أجل عيون الطائفة السنية ولا من يقودونها. فهي في حالة خسارة حتى ولو بدت وكأنها تكسب بعض المغانم والفتات من النظام، وكأنها تعيش معه شهر العسل السياسي. لكن النظام ليس له أمان وليس له صداقات دائمة، ولكن له مصالح دائمة وأتباع دائمون. وسرعان ما ينتهي شهر العسل. والنظام في جوهره ليس شيعيا وليس سنيا، إنما قبلي/ عائلي ويضحك على الاثنين، فهو يوظف أي نوع من الإنتماء لمصلحة منطق القبيلة، لكنه لا يوظف القبيلة من أجل مصلحة الشيعة ولا من أجل مصلحة السنة.
وفي هذا الوضع بالتحديد الذي وضع السنة أو قيادتهم أنفسهم فيه، تكمن خطيئة قيادات الطائفة السنية، لكي لا أقول الطائفة السنية، في تفصيل موقفها السياسي على موقف النظام وبالضد من شريكها الآخر في الوطن بل بالافتراء عليه وتحميله ما ليس فيه، بينما كان من الحكمة لقيادات الطائفة السنية الوقوف مع الطائفة الأخرى يدا بيد، لا لشيء إنما لسبب بسيط، لكنه مهم واستراتيجي هو أن مصلحة الطائفة السنية على المدى البعيد وحتى المتوسط تكون مع التوافق مع الإخوة الشركاء في الماء والملح والوطن، وليس في الارتباط الآني والضيق الأفق مع النظام وتبرير أخطائه وإجراءاته التعسفية. فالشعوب ومكوناتها تبقى والأنظمة تزول. وأيضا ليس بإفساح المجال له باستعمال الطائفة السنية لمصلحته هو وبالضد من مصلحة السنة والشيعة على المديين القريب والبعيد على حد سواء. لذلك فإن مفارقة قيادات الطائفة السنية أنهم في الوقت الذي يرفضون فيه مواقف الشريك الآخر/ الشيعة، فإنهم يقبلون ويدافعون باستماتة عن الموقف القبلي. ولا أدري كيف يستقيم ذلك.
نصل إلى القول أن النظام الحاكم في الوقت الذي يقصي الطائفة الشيعية، فإنه يفعل ذلك للحفاظ على مغانم ومصالح القبيلة المثبتة بحكم شرعية الغزو، وعندما يستعمل الطائفة السنية بتقريبها منه وإعطائها بعض المغانم والمكارم التي لن تدوم فإن ذلك إنما يتم من أجل مصلحة القبيلة، وأن السنة أتباع وموالين وليس لهم إلا واجب الطاعة، فالنظام على الرغم من استعماله الطائفة السنية لتحقيق أجندته السياسية في مواجهة الحراك الشعبي، فإنه لم يجعل من الطائفة السنية شريكا فعليا له، لا ولن يقبل بها شريكا، لكنه سيظل يستعملها متى ما تطلب الأمر ذلك. وهذا بتقديرنا يعود إلى مشكلة في الطائفة السنية وقياداتها، وتتجلى هذه المشكلة في بنية الطائفة السنية والموروث التاريخي في علاقتها بالنظام، حيث تشكل لدى الطائفة السنية مع مرور الوقت وبدعم من ايديولوجيا النظام التخويفية والترعيبية (من الرعب) من المكون الآخر، ووفقا لمبادىء علم النفس الاجتماعي، ما يعرف بالسيكولوجيا الجمعية المتمثلة في اللاشعور الجمعي بالولاء للنظام باعتباره وليا لنعمتها وحامي حماها من المكون الآخر، وقد انطلت هذه اللعبة على قيادات الطائفة السنية، وجعلت هذه القيادة من السنة مجرد أداة للنظام.
وأظن أنه قد حان الوقت للطائفة السنية ولقياداتها، أن تغادر هذا الموقف وتنظر إلى أن مصلحتها في بناء جسور التوافق مع المكون الآخر وغيره من المكونات من أجل بناء وطن ديمقراطي جامع وعادل لكل أبنائه ومكوناته وبغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الدينية أو العرقية... الخ. ودون ذلك سيظل السنة والشيعة في نظر آل خليفة رعايا، ويستعملون هذا الطرف ضد ذاك الطرف كلما جد جديد في لعبة لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، والنظام يجيد هذا النوع من اللعب السياسي / الطائفي، والحقيقة أن مصلحته فوق الشيعة والسنة، فهل يعي السنة وقياداتهم ذلك، هل يعون أن النظام يلعب بهم ولا يقبل بهم شركاء في القرار، وهل يعون أن الوطن للجميع باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والوجبات وعلى درجة واحدة، وليسوا سنة وليسوا شيعة، ولا أكثرية ولا أقلية، والوطن ليس لفئة أو طائفة دون أخرى، وبالتأكيد ليس لقبيلة، فقط لمواطنين يظللهم مبدأ المواطنة، وهل يعون أن وقوفهم إلى جانب إخوانهم في الوطن سيجعل منهم شركاء وفاعلين، وذلك بخلاف وقوفهم مع النظام الذي يجعلهم موالين وأتباع لا شركاء، ويستعملهم حسب الحاجة متى ما أراد لخدمة مصالحه ويركنهم متى ما شاء، أقول هل يعي السنة ذلك، هل تعي قياداتهم ذلك. هذا ما ستبديه الأيام.
*باحث بحريني متخصص ي علم الاجتماع.