التعليق السياسي: عقدان في الظلام؟
2019-03-07 - 11:15 ص
مرآة البحرين (خاص): لماذا نصف الفترة (6 مارس 1999- 6 مارس 2019) بأنهما عقدان في الظلام؟
لأن الحاكم أدخلنا في 14 فبراير 2002 عصور الملوك، في الوقت الذي يخرج الناس فيه من تلك العصور المظلمة. كنا نظن أنها مجرد تسمية، أراد أن يرفل بها شخصه، لكننا خُدعنا، هو كان يعني ملكية مطلقة، ونحن نتوهم ملكية دستورية.
(عقدان في الظلام) لأننا فقدنا قدرتنا على الخروج من القصور الذاتي، مقابل قصور ذاتنا تضخمت ذاته واتسعت قصوره، جرّد إرادتنا العامة من الفعل والقدرة على المشاركة في صياغة دستور عقدي وإدارة الحياة العامة، منحنا دستوراً من ممتلكاته، وصاغ لنا برلماناً على مقاس إرادته لا إرادتنا، وجمع السلطات كلها في يده. لم نعد موجودين، لا صوت لنا، أسدل ستاراً مظلما وسميكاً علينا، صار المسرح كله له والأضواء كلها له.
(عقدان في الظلام) لأن الحياة المدنية انتهت، لا مجتمع مدني يناكف السلطة ولا يراقب المجتمع السياسي، لا نشطاء سياسيين ولا حقوقيين، لا صحافة وسط أو حرة أو معارضة، لا جمعيات سياسية فاعلة. كل شيء مراقب، حتى وسائل التواصل الاجتماعي تحت جيش إلكتروني تابع للملك. يُحاكم الناس على تغريدة، يُحاسبون على مقاصد جملهم البعيدة، مطالبون أن يُراقبوا التعليقات على منشوراتهم.
(عقدان في الظلام) لأننا دخلنا بعمق في الصراعات الطائفية التي يُؤججها ديوان الملك، والتعصبات الدينية التي تغذيها مؤسسات الملك ومناهجه وجمعياته الموالية، يُجرجر الناس إلى النيابة العامة على خلفية آراء تاريخية، حتى صارت مهمة النائب العام الدفاع عن صراعات الخلافات التاريخية ذات الطابع العقائدي والسياسي، لا الدفاع عن قيم المجتمع المدني الحديث وحرياته وسلمه الأهلي.
(عقدان في الظلام) لأن هذا العهد أخرج أسوأ ما فينا، غرائز انتماءاتنا الأولية المظلمة، قسّمنا ساحة شرفاء وساحة خونة، أخرج ألسنة الكراهية وفتح لها الصحف والمنابر ووسائل التواصل. صار يميزنا على أساس عقيدتنا وعرقنا وقبائل تاريخنا، أصبحنا أسرى للماضي، نفتش عن ما يثبت أصلنا الذي جئنا منه، ونتوقع وفقه ما يمكن أن نحصل عليه من مواقع وفرص ومكاسب. ليس لدينا مشروع يفتحنا على المستقبل، أو يحرك رغبات التنافس فينا من أجل أن نُحدث حراكاً يأخذنا من مستنقع الظلام الذي تهنا فيه.
(عقدان في الظلام) لأن الملك في كل مناسبة طوال هذين العقدين، يذكرنا أننا محكومون بسيف الفتح والغزو، سيف جده أحمد الفاتح. يعتقد أننا في ظلام دامس، حتى جاءنا الفتح المبين. ليس هناك في العالم المستنير من يخاطب شعبه ويذكرهم بالقوة التي أذلتهم، ويُمعن في محاربة كل وجود يدل على هويتهم قبل فتح سيف أجداده، وكي لا ينسوا ذلك أقام لهم متحفاً عسكرياً يضم تراث الغزو.
هكذا، صرنا نصرخ في الظلام، ظلام السجون والمعتقلات وقارة الخوف في داخلنا. نخاف الأضواء، نقاوم بالحيلة، ونتحدث بالصمت، وننتظر حدثاً كونياً يُخرجنا من ظلام العذاب، كأبطال فيلم (الصمت Silence).