دفاعاً عن «منى المؤيد»
2019-01-16 - 4:48 ص
مرآة البحرين (خاص): في عام 1965 قام عمّال شركة بابكو النفطية بإضراب، جرت إثره صدامات وتظاهرات، وسرى الإضراب للمدارس. وقتها اتفقت جميع طالبات المدرسة الثانوية في المنامة على المشاركة في الإضراب وعدم الذهاب للمدرسة تضامنًا مع الموقف، كانت التلميذة الصغيرة منى يوسف خليل المؤيد ترغب مع أخواتها في المشاركة في الإضراب، إلا أن والدها يوسف خليل المؤيد أيقظ بناته في صبيحة ذلك اليوم، ولم يرض أن يشاركن في الإضراب.
كان هذا من الدروس المهمة التي تتذكرها منى المؤيد، التي تضيف «لاحقا أيقنت أنه كان على الصواب، لأن الأولاد لا دخل لهم بالسياسة بل الدراسة هي الأهم لهم».
لا يجب النظر لما اقترحته سيدة الأعمال المعروفة منى المؤيد عضو مجلس الشورى البحريني ورئيسة بنك الإبداع، من إسناد مهمات للسجناء والاستفادة منهم في أعمال، كتنظيف البواليع (المجاري)، لا يجب النظر لذلك على أنه حقد يمتلأ به صدرها تجاه نحو 4 آلاف سجين بحريني وعوائلهم، أو أنها تتقصد إيذاءهم معنوياً، هي بالفعل آذتهم، لكن سياق حديثها وعدة أسباب أخرى يظهر أنها ربما لم تكن ملتفتة بشكل دقيق لأبعاد كلامها.
في حديث لها قبل عامين تقريباً (2016) مع برنامج صنّاع النجاح على قناة روتانا خليجية الفضائية، وجّه لها سؤال لو كانت تتمنى أن يسند لها منصب عام، اختارت أن تكون وزيرة للتربية والتعليم، وقالت بوضوح إنها ترغب بذلك لأكثر من سبب، بينها أن كثير من البحرينيين يتخرجون من الجامعات ولا يحصلون على عمل في السوق كون التعليم لا يلبّي احتياجات السوق، والأمر الآخر قالت إنها تريد أن يتعلم التلاميذ احترام الآخرين، لأن هذا الأمر (احترام الآخرين) ليس موجوداً بالدرجة المطلوبة في مدارس البحرين. ربما احترام الآخرين هو ما تُطالب به الآن السيدة المؤيد، ومن أساليب الاحترام هو الاعتذار عن الخطأ.
إن الهدف الذي تعلمته منى المؤيد التي تدير عائلتها نحو 300 وكالة تجارية، منذ صغرها، أن العائلة تأتي أولاً، هذا ما يتعلّمه أبناء العوائل التجارية الكبرى (العائلة أولاً)، ثانياً أن البحرين هي مكان فيها دكاكين العائلة ومتاجرها، وأن الطبخ البحريني يؤكل مرة في الأسبوع فقط لكي لا تصبح المرأة سمينة، وأن كل ما يتطلبه الحفاظ على الوضع الممتاز للعائلة هو التمتع بعلاقة متينة وهادئة مع بيت الحكم.
الجميع يعرف منى المؤيد. هي ليست امرأة متهوّرة ولا صغيرة وغير ناضجة، هي ممن يعرفون كيف يديرون ألسنتهم، لقد وقفت خلال جلسة الشورى لتدعم موقف وزارة الداخلية المُعارض لمقترح ينص على إعطاء حقوق بديهية للسجناء، هذا كل ما في الأمر بالنسبة لها، أما الأزمة الحاصلة في البحرين وتداعياتها فهي لا تخطر في بالها، ببساطة لأنها لا تعلم شيئا عنها، بالنسبة لها الحدث انتهى مع خروج أخيها فاروق من دائرة الغضب الرسمي آنذاك، ونقطة على السطر.
منى المؤيد مثل أغلب أعضاء الشورى من التجار، يؤدون واجبهم تجاه بيت الحكم للحفاظ على مصالح العائلة، تماماً كما فعلت فاطمة الكوهجي حينما دعت لطرد أي عائلة من المنزل الإسكاني بمجرد إدانة رب الأسرة بجرائم تمس أمن البلد أو جريمة الخيانة العظمى، مع أن الكوهجي ربما بدت أكثر صلافة حينما تمسكت برأيها ورفضت الاعتذار.
منى المؤيد مثل آلاف من بنات الطبقة المخملية في البلاد، تعرف الكثير عن واقع سوق العمل، وأين هي أبواب الدخول لأي صفقة ومناقصة، وما هي مفاتيح كل باب منهم، وتعرف كيفية الربح، واقتناص الفرصة التي تقول «إنها أهم ميزة يجب توافرها لدى التاجر»، لكنها لا تتابع أي شيء عن معاناة أربعة آلاف سجين سياسي وعوائلهم، وربما تكون لا تعلم بالبديهيات من الآلام الشعبية، لأن كل ذلك لا يدخل فيما تأسست منى من أجله ألا وهو «خدمة العائلة» والمقصود هنا عائلة المؤيد.
عضوة مجلس الشورى التي لديها نحو ثلاثة أحفاد «تحب أن تراهم يومياً» ربما لا تعلم أن ثمة سجناء سياسيين لم يلمس أحد منهم يد طفله الرضيع، ولم يقبل رأس والدته أو يمسح دمعتها حين تراه، منذ أن تم وضع الحاجز الزجاجي أثناء الزيارات الشهرية للسجناء.
لكن منى المؤيد كغيرها من بنات طبقتها تعيش ذروة الصيف في مدينة لندن التي تحبها وتستعيد فيها ذكريات الدراسة بجامعة وستمنستر، وتزور لبنان مع زوجها ابن عمتها رجل الأعمال عادل فخرو، هي لا تعرف عمن انقطعت عنهم الكهرباء في عز الصيف بسبب عجزهم عن الدفع، ربما هي تساعدهم لو أخبرها أحد، من يقرأ الصحف يطلّع بين حين وآخر عن مساعدات قدمتها منى المؤيد، لكن بالتأكيد المتابعة الدقيقة للآلام ليس من يوميات أبناء الطبقة المخملية في البلاد، خصوصا إذا كانت تلك المتابعة أو التعاطف يجلب غضب بيت الحكم.
عضوة الشورى قالت ما تعرفه عن كيفية استفادة دول أوروبا من السجناء والمحكومين في أداء وظائف ذات مردود مفيد، لكنها تتجاهل أمرين الأول أن لديها نقطة التقاء مع السجناء من بني جلدتها، وهي أن كل الدول الأوربية لديها تداول للسلطة وهو عين ما يطالب به السجناء السياسيين في البحرين، هم يريدونها مثل أوروبا. الأمر الثاني التي تتجاهله هو أن مجلس الشورى هو من أوائل البالوعات التي يجب تنظيفها في البلاد، الشورى والمكان الذي يأتي منه مرسوم التعيين.
ليس رغبة في إهانة أحد، ولا النكاية، أو العداء المجّاني، لكن قراءة أداء عدد من أبناء العوائل التجارية الكبيرة من أمثال منى المؤيد في مجلس الشورى، ينبئ بوضوح عن معنى التواجد في هذا المكان: الاستفادة المتبادلة.
في البحرين، يتداخل المال مع السلطة والخاص مع العام، فمن يرغب بالجني عليه أن يكون في هذه الدائرة المتداخلة.
أكبر الأمثلة هو العضو الأبديّ في مجلس الشورى جمال فخرو، رجل يعرف كيف تتم السرقات بدقّة شركة التدقيق التي يملكها وتصدر تقارير التدقيق المحاسبي للحكومة، بل إنك أحيانًا تراه في المجلس يناقش بقوة في مواضيع دقيقة كالميزانية مثلاً، لكنه عند التصويت: يبصم بالعشرة!.