قصة «إصلاحات الكبسي»: عن الشاطر اليمني الذي لبّس البحرين «الطاسة»
2019-01-12 - 8:53 م
مرآة البحرين (خاص): عن سؤال كيف يخطط عِلْيَةُ القوم للاقتصاد البحريني، وعن الأساس الذي يقوم عليه «فريق البحرين» الاقتصادي الحالي، هناك قصة قصيرة، وجواب يحكي ملخص 14 عامًا بدأ بدراسة «ماكنزي» لإصلاح سوق العمل، وإطلاق رؤية 2030 في البحرين، لكن هذه القصة يمكن حكيها بالمقلوب.
في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2016، أطلت الكاتبة سوسن الشاعر ضيفة في برنامج حديث العمر الذي يذاع على قناة روتانا خليجية، وحذّرت السعوديين من الاعتماد على رؤية 2030 ودراسة شركة ماكنزي، وأعلنت (آنذاك) بعد 12 عاماً على اعتماد البحرين دراسات ماكنزي أن رؤية 2030 فشلت في البحرين.
لم تستطع الشاعر أن تخفي التجاعيد البحرينية، وراحت تنصح السعوديين «إننا طبقناها قبلكم في البحرين منذ 10 سنوات، واتضح أنها مجرد كلام نظري على الورق صعب التطبيق، لأنها قائمة على هدم الوظيفة الحكومية وخصخصة كل القطاعات». عددّت الشاعر بعض الأسباب وسكتت عن كثير من أسباب الفشل.
في ديسمبر/كانون الأول 2015 كتب المستشار السعودي المعروف برجس البرجس في صحيفة الوطن السعودية، مقالاً ينتقد فيه شركة ماكنزي ورؤية 2030، قال فيه بالنص «أتذكر عندما عملت ماكنزي خطة التحول الوطني لمملكة البحرين قبل 11 عاما لإصلاح سوق العمل وتوليد الوظائف، ومع أنني كنت أتساءل آنذاك كيف بشاب لديه خبرة 7 سنوات فقط يعمل خطة تحول وإصلاح لبلد مثل مملكة البحرين!، هذا الشاب حاليا هو مدير شركة ماكنزي في السعودية وقائد فريق العمل لهذه الخطة، لنقرأ الآن ونتمعن: ماذا عملت تلك الخطة للبحرين، وكيف هو حال سوق عملها الآن بعد 11 عاما، فلنسأل أهل البحرين كيف أهل المنامة!».
إن سؤال برجس البرجس هو جواب وليس سؤالا في عمقه، جواب مفاده: انظروا لحال اقتصاد البحرين المتدهور لتعرفوا أن «خطة ماكنزي 246، والتي تزعم مضاعفة حجم اقتصاد المملكة في 15 عاما، من خلال استثمار القطاع الخاص لـ 15 تريليون ريال لتوّلد 6 ملايين وظيفة، (هي) رسم ليس من الخيال بل من خيال الروايات الأسطورية» بحسب وصف البرجس.
في مارس/آذار 2009 أُعلن بأن مجلس التنمية الاقتصادية الذي يديره ولي العهد، عيَّن شركة ماكنزي وشركاءها لتنفيذ الخطة الاستراتيجية الاقتصادية لمملكة البحرين، بعقد قيمته تصل إلى أكثر من 14 مليون دولار.
هدف الخطة المعلنة كان السعي إلى مضاعفة دخل الفرد البحريني إلى الضعف بحلول العام 2030، وطمحت الدولة من خلال هذه الخطة إلى الانتقال من اقتصاد قائم على الثروة النفطية إلى اقتصاد متنوّع قادر على المنافسة عالميا، وتضمّن الإعلان اعتزام البحرين إقامة مدينة تكنولوجية ضخمة كخطوة أساسية لتنفيذ استراتيجيتها الاقتصادية المستقبلية التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتوطين الصناعات المتطورة.
الجميع يعرف الآن أن كل ما تضمنه إعلان تعيين ماكنزي كان «خزّانا من الهراء»، فلقد وصل الاقتصاد البحريني إلى الحضيض، وباتت البلاد تنفذ برنامجاً إجبارياً للوصول إلى التوازن المالي في موازنة الدولة، مع دين يفوق 31 مليار دولار، وأرقام هائلة تدفعها الدولة كفوائد على هذه الدين.
بالعودة إلى المستشار السعودي برجس البرجس، ومقاله في صحيفة الوطن السعودية في 2015، نجد أن البرجس يكشف عن الشخص الذي كتب دراسة ماكنزي لـ «إصلاح سوق العمل البحريني»، يقول البرجس «في منتدى جدة الاقتصادي 2011، بارك مدير ماكنزي آنذاك الشاب غسَّان الكبسي -مدير ماكنزي حاليا- قرارات الإصلاح الاقتصادي التي تم الإعلان عنها في مارس/آذار 2011، ووصفها بأنها تمثل الحزام الآمن للطبقة الوسطى، وذكر أيضا أنها تحتاج إلى كثير من الخطوات في الفترة المقبلة».
يعلّق البرجس «ها هو يفصح الآن عن تلك الخطوات بعد 5 سنوات بخطة كطائرة جامبو دون محركات بتاتا». وفي ختام مقالته يطالب البرجس بمناظرة مع غسان الكبسي وتوفير لقاء معه لتوجيه أسئلة إليه عما يطرحه من خطط وتغييرات في الاقتصاد السعودي.
بالفعل حصلت ماكنزي في السعودية على حصة كبيرة من العقود الاستشارية أكثر من غيرها، لكنها تبرّأت من كونها كتبت رؤية 2030 للسعودية، كون هذا الأمر أضحى مثالاً للفشل الذي تريد ماكنزي إبعاد نفسها عنه!
بالعودة لسوسن الشاعر ولقائها مع قناة روتانا خليجية الذي حاولت فيه التحدث بلهجة أهل البادية بشكل مضحك، تتبرع سوسن كعادتها لتعليم السعوديين بما ينتظرهم، وتقول لهم إن هناك مثلا مصريا ينطبق على موضوع ماكنزي ودراساتها، يقول المثل «يخرب بيت اللي اتجوز قبلي ولا قلّيش، واللي اتجوّز بعدي ولا سألنيش».
من السخرية أن يعرف البحرينيون بعد 14 عامًا من دراسة ماكنزي التي طبّل لها معارضون وموالون، أن شابا يمنيا خبرته في العمل لا تتجاوز 7 سنوات قدّمها مهرا للزواج من مجلس التنمية الاقتصادية، وما يثير السخرية أكثر أن يكتب الضابط السابق رئيس هيئة تنظيم سوق العمل أسامة العبسي، كتابا تحت عنوان «عشر سنوات من الريادة الاقتصادية» احتفاءً بـ «إصلاحات الكبسي!».
إنها عشر سنوات بل أربعة عشر عامًا من قصة شاطر يمني متفوّق دراسيًا، نجح في تلبيس بلد اسمه البحرين «الطاسة» كما يقول المثل الشعبي.