التعليق السياسي: الحكم بالمؤبد على الشيخ علي سلمان لا يقل بشاعة عن تقطيع أنفاس جمال خاشقجي
2018-11-05 - 7:05 ص
مرآة البحرين (خاص): الحكم الصادر اليوم بالسجن المؤبد لزعيم المعارضة في البحرين الشيخ علي سلمان، لا يقل بشاعة عن الحكم بتصفية الصحافي جمال خاشقجي الذي هزّ العالم. يأت هذا الحكم في سياق تصفية الأنظمة الاستبدادية لكل صوت إصلاحي معتدل داخل بلدانها. خطاب الشيخ علي سلمان كان وما زال يمثل الخطاب الإصلاحي الذي يريد أن ينقل نظام الحكم في الخليج من نظام الممالك المستبدة إلى نظام الممالك الدستورية، وهذا ما سعى إليه جمال خاشقجي في معارضته لنظام حكم محمد بن سلمان.
العقل الذي حكم بتصفية الصحافي جمال خاشقجي هو ذاته الذي حكم اليوم بتصفية الشيخ علي سلمان، وإن اختلفت المشاهد التفصيلية، وتباين سيناريو التصفية بحسب ظروف كل منهما. إنه العقل الواحد الذي يدير تلك الممالك الخليجية بعقلية التصفيات. التصفية لكل الخصوم ولكل صوت مصلح أو معارض بمناشير الاغتيالات أو أحكام الإعدام أو السجن المؤبد أو إسقاط الجنسيات. كلّها تصفيات تصدر من أعلى سلطة في الدولة. وبين خاشقجي وسلمان تلتقي تشعبات كثيرة.
جمال خاشقجي هو نفسه رئيس قناة العرب الإخبارية الخاصّة التي اتّخذت من البحرين مقرّاً لها، وبدأ بثّها وانتهى في 1 فبراير 2015. بشّر خاشقجي من خلالها بعهد إصلاحي إعلامي جديد والعمل على تغطية الأخبار السياسية على الصعيد الإقليمي والعالمي، لكن هذه القناة تم توقيفها بعد ساعات من بدء بثّها. والسبب أن ضيفها الأول كان معاون الشيخ علي سلمان، خليل المرزوق. قامت القيامة على هذه الاستضافة وتم اعتبارها قناة منحازة وغير محايدة. لم يطرح معاون الشيخ علي سلمان شيئاً غير ما يقوله سلمان في خطاباته العلنية من مطالبة بالإصلاح السياسي، لكن لم يُقبل ذلك وتمّ تصفية القناة كما تمّ تصفية رئيسها لاحقاً ويتم اليوم تصفية صوت الشيخ علي سلمان. ورغم محاولات إعادة بثّ القناة في دول أخرى لكنّ كان الحكم بالتصفية أقوى من قدرتها على الصمود حتى أعلنت توقفها نهائياً.
أوضح خاشقجي لاحقاً أن اختيار مقر القناة كان خاطئا منذ البداية لكن القائمين عليها كانوا يرغبون أن تجد لها مكانا في منطقة الخليج، وأشار أن سبب إيقاف القناة في البحرين يعود إلى "اتصالات من دولة مجاورة". إنها ذات الدولة التي قامت بتصفية جمال خاشقجي لاحقاً.
الدولة المجاورة (السعودية) هي ذاتها التي ذهب إليها ملك البحرين في 3 نوفمبر الجاري، أي قبل يوم واحد من إصدار الحكم على الشيخ علي سلمان في 4 نوفمبر، ليُفاجأ العالم اليوم بالانقلاب على الحكم السابق ببراءة الشيخ من تهمة التخابر مع (قطر) إلى الحكم بالسجن مدى الحياة. إنّها قطر التي جنّدت إعلامها لقضية مقتل خاشقجي بالقدر الذي أثار غضب (الدولة المجاورة) بما يكفي للانتقام منها. فتجريم الشيخ علي سلمان بتهمة التخابر هو تجريم لقطر بتهمة التآمر، وتبرئة سلمان هو تبرئة لقطر. إنه انتقام من قطر عبر تصفية الشيخ علي سلمان، وهو في الوقت ذاته إشغال للإعلام القطري والرأي العام بموضوع آخر يخفف على (الدولة المجاورة) ضغوطات التعاطي الإعلامي الصاخب مع قضية مقتل خاشقجي.
ولأن البحرين هي الدولة الفقيرة أبداً إلى أموال الدول الخليجية الغنية، فإن قرارها السياسي بيد تلك الدول التي تموّل عجزها الناتج عن فساد إدارتها. وعليها دائماً أن تكون (ريتويت) لهذه الدول ومحلاً لأعمالها القذرة وإلى المهمّات التي لا تريد هذه الدول أن تتورّط فيها ظاهرياً. لقد كشف برنامج "ما خفي أعظم" أن البحرين والملك حمد الذي كان ولياً للعهد حينها، هي مقر غرفة العمليات التي قادت محاولة الانقلاب على أمير قطر في 96 رغم أن التخطيط كان سعودياً إماراتياً. ورغم أن السعودية والإمارات هما رأس حربة الخلاف مع قطر، فإنه منذ إعلان الحصار في 2017، تصدّرت البحرين لواء الردح الإعلامي ضد قطر عبر كتبتها وصحافتها ووزير خارجيتها، وتبنّت مزاعم الكشف عن خلايا متآمرة مع قطر منذ 2011، تلك التي اتهم فيها الشيخ علي سلمان والقياديان الوفاقيان حسن سلطان وعلي الأسود، صدر في حقّهم جميعاً السجن المؤبد اليوم، هكذا يحوّل الدعم الخليجي البحرين إلى غرفة عمليات المهمات القذرة، وتكون محطّة لتصفية الحسابات الإقليمية، وتصفية الأصوات المعارضة، وتصفية الخطابات الإصلاحية.
وهكذا تبقى البحرين رهينة الدول الداعمة مادياً لها، فالدعم الخليجي ليس من أجل حل المشكلة التي تعيشها البحرين، بل من أجل استمرار المشكلة، أي استمرار بقاء هذا النظام الفاسد المستبد. فالاستقرار بالنسبة لهذه الدول يعني الإبقاء على الأنظمة المستبدة، ويعني استمرار تصفيتها لكل ما هو مخالف لنهجها الاستبدادي.