بروفايل بلدوزر الفساد فوزي الجودر... من هو رئيس اللجنة الوطنية لتقويم المؤهلات العلمية؟
2018-08-26 - 10:28 م
مرآة البحرين (خاص): تعرف معنا على قصة صعود سريع لأحد أهم مسؤولي التعليم في البحرين. بطل القصة وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم والمناهج، رئيس اللجنة الوطنية لتقويم المؤهلات العلمية الدكتور فوزي عبدالرحمن الجودر.
الجودر الذي حرم المئات من الطلبة خارج البحرين من حصاد تعبهم، وأعادهم للمربع الأول، ليكونوا مجرد حملة ثانوية عامة، اليوم هو الرجل الذي تشرئب له الأعناق في قضية الشهادات المزورة، خرج بعد صمت دام أيامًا ليصرح بـ"استحالة تمرير أي مؤهل غير مستوفٍ للشروط والمعايير"، وأن هناك "إجراءات دقيقة للتأكد من صحة المؤهلات العلمية".
بعد أن وجه رئيس الوزراء لما أسماه (التحقّق) من قضية الشهادات الوهمية، قال الجودر، كمن نفخ صدره حسب التعبير الشعبي: "اللجنة الوطنية وقسم معادلة الشهادات الأجنبية على أتم الاستعداد لأن تعمل يداً بيد مع جميع الجهات ذات العلاقة بالمملكة وخارجها، من أجل التصدي ومكافحة الشهادات الوهمية والحد من انتشارها وتداولها في المجتمع التعليمي والمهني في مملكة البحرين". تصريح نسخه بعد ثلاثة أيام حينما حاول حرف القضية نحو قضية شهادات الطلبة الدارسين لتخصص الطب في الجامعات الصينية.
دعونا نمر على ملخص لسيرة الجودر في السنوات السبع الماضية:
في العام 2011، بعد صدور قرار حكومي بتوقيف إدارة معهد البحرين للتدريب، تم وضع المعهد تحت سلطة وزارة التربية والتعليم، وانتدبت أربعة من أكاديميي جامعة البحرين، بينهم الجودر، كي يشغلوا مناصب قيادية فيه.
كان مفروضاً أن يرأس الجودر قسم الكهرباء كونه خريج الهندسة الكهربائية ومحاضراً في جامعة البحرين، لكن بقدرة قادر أصبح نائبا للمدير العام للشؤون الإدارية والمالية.
تولى الجودر بنفسه إجراءات الفصل والتوقيف عن العمل والتحقيق مع معظم موظفي المعهد، وعمل بصرامة على استبدال رؤساء الأقسام البحرينيين برؤساء أقسام أجانب.
ثم تولى الجودر عملية تطهير المعهد من أغلب الموظفين الشيعة - ولا داعي لتلطيف الجريمة بمصطلحات مخففة- وإحلال آخرين مكانهم. كانت هذه الإجراءات مخالفة للقانون حتى إن ديوان الرقابة المالية عدها في تقريره لعام 2013- 2014 واحدة من مخالفات وزارة التربية والتعليم التي يقع المعهد تحت إدارتها.
نقل الجودر نحو 50 من موظفي المعهد الشيعة إلى مدارس تابعة لوزارة التربية، بعدها قامت وزارة التربية والتعليم بندب 53 موظفا من موظفيها وأغلبهم من المتطوعين غير المؤهلين للعمل في المعهد، لكي تكتمل عملية التطهير، ويتحقق الإحلال والسيطرة من وجهة نظر السلطة.
ويمكن العودة إلى تفاصيل ما ذكره ديوان الرقابة المالية والادارية في نوعية المخالفات الواضحة التي قام بها الجودر والردود التبريرية التي قدمتها التربية في هذا الصدد.
قام الجودر، بحرمان موظفي المعهد من العديد من الحقوق والامتيازات مثل التأمين الصحي والترقيات والحوافز، فضلاً عن الزيادة العامة لرواتب موظفي الحكومة التي صرفت في العام 2011 بمقدار 15%.
حريم السلطان
استغلال الجودر لمنصبه في إقامة علاقات عاطفية مع الموظّفات، طالما كان محل وشوشة موظفي المعهد وتنابزهم. عندما عُيّن مديراً للمعهد، ظلّ محتفظا بمنصبه كنائب المدير العام للشؤون المالية والإدارية لفترة، وظلّ يتراوح بين المكتبين لفترة مع 5 سكرتيرات تحت يده، اثنتان لمكتبه كنائب للمدير العام للشؤون المالية والإدارية، وثلاث لمكتبه كمدير المعهد.
الجودر طالما أحرج مسؤولي المعهد الآخرين، ففي غداء عمل مع مسؤولي عدد من شركات القطاع الخاص، فضّل الجلوس والتضاحك مع سكرتيراته تاركاً مسؤولي الشركات لوحدهم على طاولة أخرى.
كذلك سفراته المتكررة مع الموظفات اللاتي يجلبهن بنفسه للمعهد. ففي سفراته لاختيار المدرسين للمعهد وإجراء المقابلات، كان لا يسافر إلا مع واحدة من موظفتين معروفتين، مستثنياً الرؤساء المختصين. وفي إحدى السفرات التي ذهب فيها برفقة وفد مصاحب، تفاجأ أعضاء الوفد أنه قد تمّ حجز فندقين، أحدهما أقام فيه مع سكرتيرته، والفندق الآخر لباقي الوفد، وكان ذلك مثار استغرابهم وتهامساتهم.
إحدى السكرتيرات (نتحفّظ عن ذكر اسمها) أعطاها الجودر صلاحيات واسعة للأمر والنهي لكل من هم تحت المدير العام، ثمّ عينها رئيساً للبرامج، ومكان دوامها في مكتبه نفسه. وأخرى (نتحفّظ عن ذكر اسمها أيضاً) تكررت سفراتها إلى لندن على حساب المعهد بحجة ابتعاثها إلى دورات لم يثبت دخولها في أي منها. وكان يقضي ساعات في مكتبه المغلق بمعية إحدى سكرتيراته. وإضافة للسكرتيرات الخمس هناك الكثير من الموظفات يعملن تحت إمرته، يتهامس الموظفون بتسميتهم "حريم السلطان".
فساد السلطان
هذا على صعيد الفساد الأخلاقي والسلوكي، أما الفساد المالي، فيكفي أن نعرف بأنه قبل الجودر، كان لدى المعهد وديعة مالية قيمتها سبعة ملايين ديناراً (أكثر من 18 ونصف مليون دولار) تدر خيرا للمعهد وتساهم في تمويله، وعندما صار الجودر مسؤولاً عن الأمور المالية في وظيفة نائب المدير العام للشؤون المالية والإدارية، تم كسر الوديعة وتم سحب المبلغ الذي اختفى خلال عام واحد!
يقول أحد العاملين في المعهد: قام الجودر بإنشاء قسم للزراعة في المعهد، وأتى برئيسة قسم آسيوية (فيلبينية) براتب يتجاوز 1000 دينار، إضافة إلى امتيازات تذاكر السفر السنوية. هذا القسم لم يسجل فيه أحد سوى طالب واحد قبل أن ينسحب. وهي لا تفعل شيئا منذ قدومها، حتى المعرض الزراعي لا تقدم فيه شيئا.
قبل نحو عامين حدث أمر استغربه الموظفون، إذ صدر قرار من وزير التربية بتعيين (جعفر الشيخ) قائما بأعمال مدير المعهد، كان الجودر حينها في إجازة (مجهولة)، بعد يومين فقط تم سحب القرار وعاد الجودر، وبعد عدة أشهر تم تعيينه وكيلاً في وزارة التربية والتعليم بعد تقاعد الوكيل السابق عبدالله المطوّع.
هكذا خلال خمس سنوات صعد الجودر السلّم، من محاضر في جامعة البحرين إلى وكيل وزارة، ورئيس للجنة العليا لتقويم المؤهلات ومعادلة الشهادات (يخيط ويبيط) في مستقبل آلاف الخريجين من جامعات أوروبا وآسيا.
عملياً، خلال هذه السنوات خسر معهد البحرين سبعة ملايين دينار كانت تحرس خزينته، وأُلغيت عدة أقسام هامة بينها الحسابات والمشتريات والموارد البشرية، ونُقل عدد من موظفي المعهد ليقوموا بأدوار اعتباطية، كأن ينقل متخصص في المحاسبة، إلى مدرس في الحاسب الآلي في وزارة التربية والتعليم. وانخفض عدد طلاب المعهد من نحو ألف و200 طالب في 2011 وما سبقه، ليصل لنحو 600 طالب فقط بداية العام الدراسي الماضي، والعدد في تناقص مستمر. هذا غير الطلبة من العاملين في الشركات الذين يلتحقون بدورات قصيرة.
صراع الوكلاء
بعد ترقية الجودر لمنصب الوكيل، تم تعيين (سماح العجاوي) مديرة للمعهد، وهي محسوبة على الوكيل محمد مبارك (وكيل وزارة التربية للموارد البشرية)، ولمن لا يعلم، فإن هناك حرباً ضروس بين الجودر ومبارك، وهذه الحرب ساحتها معهد البحرين للتدريب.
جاءت العجاوي لتخوض حربها مع (حريم السلطان وجنوده)، أحالتهم جميعاً إلى التحقيق بعد ما خرج هؤلاء من الدوام بناء على دعوة شخصية من (السلطان) لتناول الإفطار. العجاوي لم تفوت الفرصة وقامت بإحالتهم إلى التحقيق لتركهم العمل وقت الدوام دون استئذان.
لم تسلم حتى مباني المعهد من صراع الوكيلين. أحد المباني الصغيرة تم تجهيزه ليصبح مدرسة البحرين المهنية، فاشتعلت الحرب بين الوكيلين بخصوصه. وكان هناك مبنيان جديدان حينما تسلمت الوزارة المعهد ووضعت يدها عليه في 2011، بقى المبنيان معطّلان حتى انتهت فترة الضمان التي يمنحها المقاول للمباني الجديدة، وبعد سنوات تم نقل عدد من الموظفين للطابق الأول في أحد المبنيين، والطابق الثاني تم تحويله صالة للفعاليات والمناسبات، أما المبنى الثاني فبقي معطلاً نحو خمس سنوات كاملة، ثم تم تخصيصه مؤخرا لمشروع مشترك إقليمي، وهذا المشروع تابع لوزارة التربية والتعليم، ولم يستفد المعهد عمليا من هذا المبنى.
رؤساء المحسوبية
كان الجودر يتجاوز رؤساء الأقسام، ويقوم بترقية موظفين وموظفات دون استشارة رؤساء الأقسام وتقاريرهم المهنية عن الموظفين وأدائهم، معيار الجودر كان الولاء له والمحسوبية.
صار أمراً معتاداً أن يتفاجأ موظفو المعهد بين ليلة وضحاها بترقية أحدهم من موظف عادي إلى رئيس قسم، مثل (فاطمة بهلول) التي تم تحويلها لأخصائية بقرار مباشر من الجودر، قبل أن تغيب عن العمل لفترة وتعود في منصب رئيسة قسم القبول والتسجيل. أما (مريم الذوادي)، التي لم تكن أكثر من مدرسة عادية في قسم اللغة الانجليزية، وفي غمضة عين صارت رئيسة قسم الجودة. كذلك الفلسطيني (محمد أبو كبير) الموظف في قسم الكهرباء، بدون مقدمات رقّاه الجودر ليصبح رئيساً لأحد الأقسام، وهو الآن رئيس قسم التدريب الخاص بالمؤسسات في المعهد.
الأهم من الخسائر، أن المعهد كان حتى 2011 يمنح البكالوريوس التطبيقي من جامعات بريطانية، عدد كبير من طلاب المعهد استفادوا من هذا البرنامج وتم توظيفهم في الشركات برواتب مغرية نظراً لتميزهم، هذا البرنامج تم إيقافه بمجرد أن وضعت التربية يدها على المعهد.
برامج احترافية هامة تم إلغاؤها مثل برنامج المحاسبة. وفي مجال تقنية المعلومات كان هناك برنامج مشترك مع سيسكو وهي عملاق تقنية المعلومات في الشرق الأوسط، سيسكو كانت تعترف بالمعهد كمركز إقليمي في الخليج والشرق الأوسط، لكن للأسف هذا البرنامج على وشك الانتهاء.
التتبع السريع لبضع سنوات من سيرة وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم والمناهج، رئيس اللجنة الوطنية لتقويم المؤهلات العلمية، الدكتور فوزي عبدالرحمن الجودر، تقول بوضوح أنه بلدوزر فساد يشغل منصبًا هامًا جداً في البلاد.
نطرح سؤالاً هنا: ما حقيقة تعطيل الجودر ولجنته الاعتراف بجامعات ومعاهد بريطانية أمريكية راقية، فضلاً عن الصينية؟ سنتناول الإجابة على هذا السؤال في تقرير لاحق.
هامش
للتعرف على قصة ومخطط وضع اليد على المعهد من قبل وزارة التربية، وثقت مرآة البحرين القصة في ثلاثة تقارير مفصلة وقامت بنشرها