بالأدلّة: سفير البحرين في موسكو زوّر الدكتوراه عبر شبكة دوليّة باكستانية
2018-08-19 - 4:00 م
مرآة البحرين (خاص): في 13 يناير/ كانون الثاني 2015 نشرت صحيفة "الأيام" خبرا عن حصول أحد مؤسسي ومديري الصحيفة وعضو مجلس الإدارة منذ تأسيسها في العام 1989، على شهادة الدكتوراه في حقوق الإنسان من جامعة "بريسلي" (Presley) في الولايات المتحدة الأمريكية. قالت الصحيفة في معرض تعريفها بالجامعة إنها "واحدة من المؤسسات الأكاديمية الرائدة في الولايات المتحدة في توفير التعليم عن بعد في جميع أنحاء العالم".
لم يتوقف كثيرون عند هذا الخبر رغم أنه كان يحوي في داخله العديد من علامات الاشتباه. فالخبر الذي أرفقت معه صورة أحمد الساعاتي، سفير البحرين الحالي في جمهورية روسيا الاتحادية وخرّيج الدكتوراه "المزعوم" الذي يتطرّق له الخبر، إلى جانب إحدى المسئولات في الجامعة "المزعومة" هي الأخرى (Presley) أثناء تسليمه شهادة الدكتوراه، هذا الخبر كان يحوي في داخله علامة الشبهة الأولى. إذ جاء فيه "وقد قامت بتسليم السيد الساعاتي الشهادة السيدة كيلا هيبرت ممثلة الجامعة خلال زيارتها لمملكة البحرين هذا الأسبوع".
كان على المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أن يتوقفوا عند هذه الإشارة العابرة مليًّا. فلديها خرّيج دكتوراه VIP يزعم أنه تخرّج من جامعة أمريكيّة "رائدة" أوفدت له مندوبة خصّيصاً كي تسلّمه شهادة تخرّجه في بلاده البحرين. إنها إشارة بالغة الغرابة. كم من الجامعات الأمريكيّة الرّائدة يا تُرى الّتي ترسل مندوبين مخصوصين لطلّابها كي تسّلمهم شهادات تخرّجهم المختومة في بلدانهم الأصلية مع صورة أنيقة لنشرها في الصّحافة؟
كان هذا السؤال لوحده ـــ لو أن هناك من سأل ـــ كفيل بأن يفتح أسرار "مغارة علي بابا" لمسئولي الوزارة. لكنّها ـــ يا للغرابة ـــ تركت ذلك وذهبت لمكان آخر. بعد شهرين من ذلك في مارس/ آذار 2015 نفّذت الوزارة حملة ضارية لأسباب طائفيّة على طلبة الطب البحرينيين الدّارسين في الجامعات الصّينيّة. حيث ألغت الاعتراف بالمؤهلات الطبية الصادرة عن الجامعات الصينية التي تستقطب هؤلاء، وهي "تيانجين" و"إكسينجيوتونج" و"زينجزو" و"وينزو" و"زيجيانج" رغم أنها من الجامعات المعترف بها في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب نظام البورد الطبي في ولاية كاليفورنيا.
حُطّم مستقبل حوالي 500 طالب بحرينيّ أغلبيّتهم من طائفة واحدة بالضّربة القاتلة. وكانت قبل سنتين من ذلك قد حطمت مستقبل 360 طالباً آخر أغلبيّتهم من الطائفة نفسها الدارسين في جامعة "بونا" الهندية. أمّا خرّيج جامعة "بريسلي" المزعوم فقد واصل التّرقّي بالشهادة المزعومة: من نائب في البرلمان إلى عضو مجلس المفوضين في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أخيراً سفير مملكة البحرين في موسكو.
إنها رحلة حياة سعيدة لمنتحل دكتوراه كذّاب دفع المال لشراء شهادة وجيء بها إلى مخدعه في البحرين. فـ"بريسلي" ما هي إلا واحدة من شبكة دوليّة من الهيئات التعليمية المزيّفة على شبكة الإنترنت تابعة إلى جامعة تدعى "MUST" والتي قدمت نفسها بوصفها"أكبر جامعة في العالم، ومقرّها كاليفورنيا"، بينما في الحقيقة هي مجرد جزء من شبكة دوليّة من جامعات، ومدارس ثانويّة، ومنظّمات اعتماد وهميّة تتّخذ من كراتشي في باكستان مقرّاً لها.
ويقول لوري ويلسون، رئيس مؤسسة Better Business Bureau، وهي مؤسسة غير ربحيّة ترصد الاحتيال في سوق العمل في الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا "لقد قمنا بإرسال بريد لاختبار العنوان، وقد عاد إلينا لأنّ العنوان غير متاح".
اللافت في هذا الصّدد أنه بعد حواليّ خمسة أشهر من حصول الساعاتي على الدكتوراه من الجامعة المزعومة أعلنت السلطات الباكستانية عن إيقاف شبكة عالميّة من الجامعات التي عملت على الاحتيال على الطلاب من أجل الحصول على المال لقاء شهادات لا قيمة لها والتي كان من بينها جامعة "بريسلي"؛ وذلك تحت تأثير التداعيات التي خلقها نشر صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تحقيقاً عن هذه الشبكة التي بلغ تعدادها 370 جامعة ومعهداً وموقعاً مزيفا على شبكة الإنترنت.
كانت تفاعلات هذه القضية تتدحرج بدءاً من منتصف العام 2015 وتكبر مثل كرة الجليد يوماً في إثر يوم. لكن مرّة أخرى واصلت وزارة التربية والتعليم البحرينيّة "الغطيط في العسل". إن لديها "دكتور" كذّاب يشغل مناصب حساسة ويقوم بنشر مزاعم عن حصوله على رتب تعليميّة بشكل علنيّ. مع ذلك، فهي قد واصلت التصرّف كمن لا يرى أو يسمع أو يتكلم. أما صاحب الشأن، الساعاتي نفسه، سفيرنا في موسكو، فقد راح يحتفل بدكتوراه المزعومة على الصّفحات الأولى للجرائد اليوميّة.