الفصل ما قبل الأخير في الحكاية الأكثر غموضاً.. 6 بحرينيين ينتظرون تنفيذ الإعدام على جريمة لم تقع!
2018-04-25 - 7:27 م
مرآة البحرين (خاص): ها هي محكمة التمييز العسكرية اليوم تنهي الفصل ما قبل الأخير في القضية الأكثر غموضاً منذ 2011على جريمة غير تامّة، معنونة بالشروع في اغتيال المشير خليفة بن أحمد الخليفة، فاقدة لأي أدّلة ملموسة، غير اعترافات انتزعت تحت التعذيب. لقد أيّدت هذه المحكمة صباح اليوم الأربعاء 25 إبريل 2018، حكم الإعدام على أربعة بحرينيين هم مبـارك عـادل مبارك مهـنا، فاضـل السيد عباس حسن رضي، السيد علـوي حسيـن علوي حسين، محمـد عبدالحسن أحمد المتغوي. إثنين آخرين هما مرتضى مجيد رمضان علوي (السندي)، حبـيب عبدالله حسن علي (الجمري)، أصبح حكمهما نهائياً لعدم الاستئناف في الميعاد القانوني، ليصبح عدد المحكومين بالإعدام من محكمة عسكرية 6 بحرينيين بشكل نهائي. كما أيّدت السجن 7 سنوات مع إسقاط الجنسية لثلاثة آخرين.
حسم القضاء العسكري قراره النهائي، تاركاً البحرينيين يتقلبّون في التوجّس والقلق، خشية إسدال ستار الفصل الأخير، والمتمثّل في تنفيذ الحكم المسيّس البغيض، خاصة مع توارد أنباء عن إبلاغ عوائل المحكومين بالإعدام بضرورة حضور شخص واحد من كل عائلة إلى المحكمة العسكرية يوم غد الخميس الساعة 9:30 صباحاً لأسباب مجهولة، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان قد تم التصديق على تنفيذ الحكم من قبل ملك البلاد، كونه قد صدر قبل ساعتين فقط من الاتصالات التي تلقاها الأهالي، وكون المادة (74) من الدستور تنص على أنه لا يتم تنفيذ أحكام الإعدام ما لم يصدق عليها الملك.
كيف بدأت الحكاية؟
بدأت منذ العام 2016، في 26 سبتمبر/أيلول حين داهمت قوّة أمنية منزل الشاب فاضل عباس في مدينة حمد. اُعتقل إلى جهة غير معلومة، لم يسمح له بمقابلة عائلته أو توكيل محام. لم يكن أحد قد سمع باسمه، ولم يظهر اسمه ولا صورته للعلن إلا عبر بيان لمركز البحرين لحقوق الإنسان بعد حوالي 3 أشهر من اعتقاله.
بعد أكثر من شهر من اختفاء الأول، اختفى آخر هو سيد علوي حسين (من الدراز أيضاً)، لكن على خلاف الأول، قامت الدنيا ولم تقعد، وشنّت حملة إعلامية كبيرة لكشف مصيره.
اختفى الرجلان تماما، إلا من اتّصالات تعد على الأصابع، كان واضحا فيها الصوت المنهك من التعذيب. رفضت النيابة توكيل محامين، وعرف في البداية أنهما في عهدة التحقيقات الجنائية، ورغم مناشدات وضغوط منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، لكن السلطات لم تكشف أية معلومات تذكر عن مصيرهما.
نقل شهود في ديسمبر/كانون الأول 2016 تعرض سيد علوي لتعذيب وحشي، في حين تردّدت معلومات غير مؤكّدة أن أجهزة الأمن أرادت انتزاع اعتراف منه ضد شخصيات محددة لتوريطهم في قضيّة ما.
كان ذلك يجري بينما الوضع السياسي يحتد بشدة، ضمن تداعيات إسقاط جنسية المرجع الشيعي الأعلى في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم، والحكم عليه بالسجن، وإحاطة أنصاره منزله باعتصام مفتوح، فضلا عن حل جمعية الوفاق، واعتقال مزيد من الشخصيات الحقوقية والسياسية، على رأسها نبيل رجب.
في 9 مايو/أيار 2017، وقبل عملية اقتحام الدراز بأسبوعين، ورد أول تصريح رسمي عن أحد المختفين. أعلنت النيابة العامة تحويل سيد فاضل إلى (محاكمة عسكرية). كان الملك البحريني قد صادق قبل حوالي شهر من ذلك (4 أبريل/نيسان 2017) على تعديلات دستورية تسمح بمحاكمة مدنيين عسكريا. كانت تلك أولى المفاجآت.
قالت الأنباء الرسمية حينئذ إن القضاء العسكري «ينظر لأول مرة في قضية ثلاثة أشخاص، أحدهم ذو صفة عسكرية واثنين آخران غير عسكريين متهمين بارتكاب جرائم لغرض إرهابي متعلقة بالتخطيط لاستهداف منشآت عسكرية ومنتسبي قوة الدفاع»! لم يعرف بعد من هو الرجل العسكري، ولا المدني الآخر في هذه القضية.
بينما اتّجهت الأمور للأسوأ، وصولا لاقتحام الدراز في 21 مايو/أيار 2017، والذي أسفر عن مقتل 5 متظاهرين، وفرض إقامة جبرية على منزل الشيخ قاسم، ضاع مصير الرجلين، وبدت قضيتهما وكأنّها هامشية. وسط تصاعد الأحداث السياسية محليا وإقليميا، لم ترد أية أنباء أخرى عن القضية، وظلت محل صمت.
في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وبعد مرور عام من اعتقال الرجلين، صرّح القضاء العسكري بأن «الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة الإرهاب في قوة دفاع البحرين تمكنت من خلال ما ورد إليها من معلومات وما قامت به من أعمال البحث والتحري والمراقبة من القبض على «خلية إرهابية» استهدفت ارتكاب عدد من الجرائم الإرهابية ضد قوة دفاع البحرين» وأن النيابة العامة العسكرية أحالت المتهمين في هذه القضية إلى المحكمة العسكرية المختصة.
بعد يوم واحد، بدأت جلسات المحاكمة في هذه القضية، وعلى عكس العام الذي استغرقه تركيبها، كانت وتيرة جلساتها متسارعة، 5 جلسات في أقل من شهر، كلّها سرّية.
تبيّن لأوّل مرة أن من بين المتّهمين في القضية ذاتها، والذين كانوا محتجزين لدى الجيش، الرجل المختفي الآخر، سيد علوي، بعد حوالي العام على اختفائه.
السيد علوي (43 عاما)، هو مهندس اتّصالات يعمل في شركة بتلكو. اختطف من مقر عمله في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2016، على يد مجهولين. لم يكن معروفا إلا بقدر ما يمارسه من نشاط ديني في قريته الدراز.
لم يتوقّع أحد، أن يُربط سيد علوي بالرجل المختفي الأول سيد فاضل، في قضية واحدة، فلا توجد علاقة تجمع الرجلين. في هذه الأثناء، ازداد عدد حالات الاختفاء القسري التي يعلن عنها، ولم يفهم أحد شيئا، حتى تم ضمّهم جميعا إلى القضية ذاتها.
تسرّب بعد ذلك أن محور القضيّة يدور على اتّهام المجموعة بالتخطيط لاغتيال «المشير»، خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد العام للجيش (قوة دفاع البحرين)! بدا ذلك أقرب إلى الطرفة غير المضحكة حينها.
المتّهمون الرئيسيون المقبوض عليهم في القضية: مبارك، جندي يعمل في الجيش (من الطائفة السنية)، سيد فاضل عباس، سيد علوي حسين، محمد الشهابي، محمد المتغوي، أما المتّهم الآخر فهو وللمفارقة، الشهيد محمد كاظم زين الدين، الذي استشهد في الهجوم على الدراز 23 مايو/أيار 2017.
آخرون أيضا، تم ضمّهم إلى القضية، في أدوار أصغر، ليصل مجموع المتهمين إلى 18، بعضهم محتجز أصلا على ذمّة قضايا أخرى، في سجن الحوض الجاف، وسجن جو، و8 مطلوبون داخل البحرين وخارجها.
وكعادتها زعمت أن القضية تشكيل "خلية إرهابية"، لكن هذه المرّة أضافت عنواناً جديداً صارخاً وغير مسبوق، حملت الدعوى اتّهام المجموعة بـ «تشكيل جيش اسمه جيش المهدي» لتنفيذ عمليات ضد أهداف عسكرية، وكان أبرز خططه وفق زعمها هو "الشروع في اغتيال القائد العام لقوة الدفاع"، وكان هذا الزعم الأخير، مسوّغها المفتوح، لفتح الانتقام على بوابته الأوسع وتحويل المتّهمين المدنيين إلى القضاء العسكري المعروف بقساوة أحكامه.
لقد حُوّل المتهمين المدنيين إلى القضاء العسكري، مع أنهم اعتقلوا جميعا قبل التعديل الدستوري الذي قضى بإعطاء القضاء العسكرية الصلاحية في محاكمة مدنيين. بدا وكأن تعديل قانون المحاكم العسكرية، فصّل خصّيصا لأجل هذه القضية.
تدّعي الرواية الرسمية أن سيد فاضل التقى بالمتهم الرئيسي الأول مبارك، وعرض عليه عملا مقابل مبلغ مالي. مبارك هو جندي تم توظيفه حديثا في الجيش، وكان يحرس في أحد الأبراج بأحد معسكرات قوة الدفاع، عُرف أنّ له سوابق في قضايا تتعلق بتعاطي المخدرات. لكن الرواية الرسمية تزعم أنه قد "تم إغوائه عن طريق المخدرات والنساء والمال"! وأن أعضاء الخلية نجحوا في إقناعه بالقيام بالمهمة باستخدام سلاحه العسكري لاغتيال المشير، وأنهم قد أعطوه مبلغا من المال.
وتكمل الرواية أن (مبارك) "وافق على الانخراط في تدريبات عسكرية لباقي المتهمين، وتقاضى مبالغ مالية عن كل تدريب يحضره، ووصل الأمر إلى حد مشاركته في أعمال التظاهر والشغب ضد رجال الشرطة وكذلك المشاركات الدينية ومواكب العزاء".
وتزعم الرواية أيضاً، أن أعضاء الخلية وعدوا "بإعطاء مبارك (مائة ألف دينار) في حالة نجاحه في تنفيذ العملية"، وكأنه كان سيتمكّن من الخروج سالماً من وزارة الدفاع، في حال تمكّن بالفعل من تنفيذ مثل هذه العملية أصلاً!
وبحسب تلك الرواية، فإن خطة اغتيال المشير هي أن يترصّد له مبارك حين يأتي لتفقد الوحدة العسكرية التي يعمل فيها، بناء على أن المشير دأب على تفقّد الوحدات العسكرية التابعة للجيش من وقت إلى آخر.
تتهم السلطات السيد علوي بأنه كان يموّل مبارك. وأن المبالغ المالية جاء بها من عند المتهم الخامس محمد المتغوي، والمتهم السادس الشهيد محمد كاظم زين الدين! وهما بدورهما يتواصلان مع سيد مرتضى السندي (رجل دين معارض مقيم في إيران) الذي هو الممول والمخطط لهذه العملية.
تبقى هذه الحكاية محفوفة بالغموض في كل تفاصيلها، بدءاً من الأشخاص الذين انتقتهم الداخلية لإلباسهم هذه التهمة غير المسبوقة، مروراً بالحكم الصادر بإعدام 6 منهم على جريمة غير تامة، في حين أن تهمة الشروع في الاغتيال موجهة لمتهم واحد فقط، وهو ما أوضّحه المستشار القانوني إبراهيم سرحان في تعليق له: "الشروع في محاولة الاغتيال كانت موجهة للمتهم الأول فقط وباقي المتهمين كانت تحريض ودعم للمتهم الأول، وقانونا الشروع في الجريمة التي عقوبتها الإعدام تكون العقوبة السجن المؤبد لكون أن الجريمة غير تامة"، ويبقى الغموض يلفّ هذه القضية انتهاءاً بالأدلة التي لا وجود لها سوى في اعترافات المتهمين المنتزعة تحت التعذيب، لكن يبقى شيء واحد يفسّر جانب من هذا الغموض: الانتقام الأسود!