قصة «المدينة الشمالية» مع نخبة المال والسلطة… 8 كيلومتر مربع مجانا للجامعة الأهلية وأراض شاسعة لـ«نسيج» العقارية بلا مقابل
2018-04-22 - 8:22 م
مرآة البحرين (خاص): لم نسمع اعتراضات على تصميم ومساحات البيوت في مدينة الحد الإسكانية، أو في إسكان الجنوبية، ولا غيرها من المشاريع، فلماذا المدينة الشمالية، التي تعود بداية مشروعها إلى 16 عاما مضت؟ والتي زار ولي العهد منزل الشيخ عيسى قاسم على هامش الاحتفال بوضع حجرها الأساس؟
في دولة الرفاه، التي ينتظر المواطنون فيها نهاية النظام الريعي قريبا، عبر فرض الضرائب لأول مرة، ورفع الدعم الحكومي عن أغلب السلع الرئيسية، تم تحطيم آمال المواطنين المنتظرين سنين طويلة حالمين بمنزل العائلة، على أرض بلادهم، في مقابل ملء جيوب وأرصدة نخبة المال والسلطة في المجتمع.
تماما كما قال ولي العهد السعودي عما يسميه الإصلاح في بلاده «إنه العلاج بالصدمة»، لكن صدمة الفقراء، مختلفة تماما عن صدمة الأثرياء.
جال هؤلاء الفقراء مصدومين في أرجاء المدينة الجديدة. تجلت أمام أعينهم نتائج كل السرقات، وكل الرشاوى والفساد في وزارة الإسكان والحكومة بأكملها.
شرق الحد الإسكاني المدينة الشمالية الإسكاني
عيون على الكعكة
كانت حجّة الحكومة في عدم القدرة على تلبية طلبات الإسكان للمواطنين هي «شح الأراضي» كما يقول تصريح رسمي صادر عن وزارة الإسكان في أبريل/نيسان 2017، تعقيبا على اعتراضات مواطنين على مساحات وتصاميم البيوت الجديدة في المدينة الشمالية. تقول الوزارة إن معيار اختيار النموذج المناسب للبناء «استند على حجم الأراضي المتوافرة للمشروع الإسكاني، وطاقته الاستيعابية».
كان المخطط النهائي للمدينة الشمالية، قد أقر بعد عامين من وضع حجر الأساس، أي في العام 2004، وعقب ضغوط شعبية من المعارضة. جاء ذلك خلال اجتماع عقده ولي العهد رئيس لجنة الإسكان والإعمار سلمان بن حمد آل خليفة مع رؤساء المجالس البلدية في قصر الزاهر لمناقشة التخطيط الهيكلي للبحرين.
توفّرت الأرض «الضخمة» عبر ردم البحر المحيط بالدراز والقرى المجاورة. ولكن، مرت الأعوام، ولم يتغير شيء! واليوم عاد تحدّي «شح الأراضي»، بعد أن تقلّصت الأرض المخصّصة المشروع، كثيرا. فأين ذهبت؟
كانت عيون أصحاب السلطة والمال على أراضي المدينة الشمالية التي اعتبروها كعادتهم كعكةً يجب أن ينالهم جزء منها بأي طريقة. إنّه الجشع في بلد تسمح الممارسات فيها بتقديم الرشى حتى على حساب ميزانية الدولة ومواردها، من أجل رضا الكبار، في السوق، والقصر.
لن يبنى شيء، قبل اقتسام الكعكة، ولأنّها المدينة الشمالية، طارت الكعكة بأغلبها.
مقر الجامعة الأهلية
بدأت سلسلة السرقات في وضح النهار، إذ رصدت لجنة تحقيق برلمانية فيما يخص المدينة الشمالية، وجود مذكرة تفاهم بين الأمانة العامة لمجلس التنمية الاقتصادية، والجامعة الأهلية مؤرخة في 1 يونيو/حزيران 2006، بشأن تخصيص أرضٍ مساحتها قرابة ثمانية كيلومتر مربع (75,840 مترا مربعا) بالجزيرة رقم (11) بالمدينة الشمالية لإنشاء الجامعة الأهلية، ووجود خطاب موجه من رئيس الوزراء يحث فيه مجلس التنمية على تخصيص أرض للجامعة الأهلية بسرعة، وهو الأمر الذي تم بالفعل.
وُهبت هذه المساحة الضخمة جداً مجّانا لمجموعة من الأثرياء يمتلكون هذه الجامعة الخاصة التي تصل رسومها إلى 17 ألف دينار على الطالب الواحد في برنامج البكالريوس (45 ألف دولار)، والتي وصل رأس مالها المصرّح به إلى 20 مليون دينار. يقوم هؤلاء الأثرياء حاليا باستثمار هذه الأرض، عبر بناء حرم جامعي على ارتفاع تسعة طوابق وبتكلفة إجمالية لن تقل عن 120 مليون دينار بحريني.
إنهم النخبة، أصحاب رؤوس الأموال، وعليه لا ينبغي أن تحتاج أحلامهم إلى جهد، ولا إلى انتظار، ولا حتى إلا استثمار رؤوس أموالهم، في شراء أرض، ما دام يمكن سلب أحلام الفقراء ومصادرة حقوقهم، بشيء من الصداقة، مع رئيس الحكومة.
في فبراير/شباط 2016، سيظهر هؤلاء بصحبة خليفة بن سلمان، تملأ وجوههم الضحكة الساخرة من أحلام الفقراء المنتظرين، وهم يضعون حجر أساس استثمارهم المجاني الكبير، على هذه الأرض المغتصبة.
شركة نسيج: أراض مجانية لمنازل السكن الاجتماعي
بعد سنوات قليلة قدم وكيل وزارة الأشغال والإسكان محمد خليل السيد استقالته من منصبه، ليغيب قليلاً ويظهر بعدها عبر شركة نسيج المشتغلة في العقار، والتي يمتلكها هو والملياردير خالد جناحي وآخرون.
منحت هذه الشركة مجانًا أراض في الشمالية تقوم ببنائها ثم تبيعها لاحقا على المواطنين المنتظرين على لوائح الطلبات الإسكانية عبر مشروع السكن الاجتماعي الذي طرحته وزارة الإسكان!
وفي حين يضطر المواطن الفقير للاقتراض من البنوك التجارية مباشرة (بتسهيلات مزعومة من وزارة الإسكان) ليستطيع تحصيل المبلغ المطلوب لشراء مثل هذا المنزل، تستفيد على حساب أراض الدولة العامة، التي كان يجب أن تخصص له، شركة يمتلكها مسؤولون سابقون في وزارة الاسكان وأثرياء مثل خالد جناحي، الذي يرأس هو نفسه بنكا يستفيد أيضا من ذات العملية، عبر توفيره قروضا للراغبين في الاستفادة من هذا المشروع، وهو بنك إثمار.
لم تكن حصة شركة نسيج (التي يبلغ رأس مالها المصرح به 1.08 مليار دينار) سهلة من الأراضي المجانية، فبموجب عقد الشراكة بينها وبين وزارة الإسكان يتبين أن الأراضي الممنوحة للشركة ستبنى عليها 2817 فيلا وشقة في المدينة الشمالية.
ومع أن تلك المنازل كان من الرداءة والضيق بمكان، تم بيع المنزل الواحد بنحو 100 ألف دينار، بينما لم يكن يستحق أكثر من 50 ألف دينار، لكن هذه السرقة لم تكن الأخيرة أيضاً!
أين مساحة سبع من أصل 17 جزيرة؟
تناوبت الدواوين الحاكمة في أخذ ما تريد، ومنح من تريد من تلك الأراضي في المدينة الشمالية وما حولها، وتقلصت الجزر الـ 17 التي كان يفترض أن تقام عليها المدينة إلى 10 جزر، وفي هذه الجزر العشر أيضا تم الاستيلاء على أراض ومنح أخرى كهبات، ليخرج مشروع المدينة الشمالية قزمًا في صورته النهائية، وانعكس ذلك على منازل المواطنين البسطاء التي سيدفعون أثمانها لمدة 25 عامًا.
في 3 فبراير/ شباط 2014 كشف مجلس بلدي المنطقة الشمالية عن «بيع وتوزيع أكثر من 300 أرض تقع في المدينة الشمالية المخصصة لإنشاء مشروعات إسكانية عامة فيها، إلى أشخاص ومستثمرين وشركات عقارية».
وأفاد المجلس البلدي بأن «عملية بيع وتوزيع الأراضي المخصصة للمشروعات الإسكانية تمت بتصرف من كبار المسئولين في وزارة الإسكان وغيرهم»، مؤكداً أن «المجلس البلدي ليس له علم عن أي تفاصيل في هذا الشأن».
وطالب المجلس وزارة الإسكان ببيان تفاصيل بيع الأراضي لصالح شركات استثمارية وأشخاص بمسمى توفير السكن الاجتماعي لأصحاب الطلبات الإسكانية، معتبراً ذلك التفافاً على طبيعة المشروع، ومحاولة لردع أي اعتراض على التصرف في الأراضي الإسكانية بصورة مباشرة. فيما طالب أيضاً بلقاء وزير الإسكان باسم الحمر.
وقال نائب رئيس المجلس آنذاك سيد أحمد العلوي، إن «أراضي مشروع المدينة الشمالية باتت تباع وتوزع من دون علم أي طرف بما فيهم المجلس البلدي، والمجلس في هذا الجانب يبرئ نفسه من أية مسئولية».
أملاك الدولة
في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2007 شكل البرلمان الذي كانت تشارك فيه المعارضة، لجنة للتحقيق في أملاك الدولة، وأنهت اللجنة أعمالها بعد التمديد لها في مارس/آذار 2010، وقد أصدرت تقريراً صادماً رغم أنها حققت في أوضاع الأملاك العامة للدولة ما بعد عام 2002 فقط.
ثبّتت اللجنة سرقة ما مقداره 65 كيلو متراً مربعاً من الأراضي العامة، وقدر رئيس اللجنة عبدالجليل خليل قيمة الأراضي التي تمت سرقتها بنحو 15 مليار دينار بحريني أي ما يقارب 40 مليار دولار، كما ثبتت اللجنة وجود أراض مغمورة بالماء بمحاذاة المدينة الشمالية تبلغ مساحتها 35 كيلو متر مربع أصبحت فجأة أملاكاً خاصاً، وسرب بعض النواب حينها أن هذه الأرض العملاقة في واجهة البحر هي للملك وأبنائه. ثبتت اللجنة أيضا سرقة الأراضي المغمورة بالمياه المحاذية للساحل البحري لقرى: باربار، جنوسان، جدالحاج، كرانة، مساحة شاسعة جداً كانت إحداها جزيرة نورانا التي يمتلكها أحد أبناء الملك أيضاً.
بالعودة إلى تصريح سابق، يقول رئيس لجنة التحقيق في أملاك الدولة عبدالجليل خليل «العقارات المحيطة بالمدينة الشمالية، تقدر بما يعادل 37 كيلومترا مربعا، ولدى سؤال جهاز المساحة عن العقار، كان دائما يتعلل بعدم وجود هذه العقارات، ثم اعترف بأنها أملاك خاصة». اللجنة في تقريرها أكدت أن جهاز المساحة تواطأ وأصدر أوراق ملكية رسمية لجهات وأشخاص استولوا على هذه الأراضي. لم يتخذ أي إجراء بالطبع، فجهاز المساحة العقاري يرأسه قريب للملك بل أحد أقرب أصدقائه سلمان بن عبدالله بن حمد آل خليفة.