مراد الحايكي: الأيام الجميلة التي لم نعشها بعد
مراد الحايكي - 2018-02-23 - 11:32 م
"في ظل هذه الظروف التاريخية يتطلع الشعب بكل ثقة وعزم إلى مستقبل مشرق، ملؤه الحرية والمساواة، وركيزته العدالة والشورى، وقاعدته المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب في مسؤوليات الحكم" -
ميثاق العمل الوطني
في الرابع عشر من فبراير 2001 قرر شعب البحرين بنسبة 98.4%، أن الإصلاح السياسي والمشاركة في صنع القرار والمصالحة، هو المسار الذي يجب علينا جميعا اتخاذه بعد سنوات عجاف عانى منها شعب البحرين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. فبعد مشاورات ولقاءات جمعت القوى السياسية والدينية بممثلي الحكم، وبعد التطمينات الرسمية حول بعض النصوص التي وردت في نص مشروع ميثاق العمل الوطني وبالأخص فيما يتعلق بدور وصلاحية المجلسين المنتخب والمعين، صوت شعب البحرين من أجل البحرين وكافة تضحيات شعبها على مر السنين لكي يعيشوا تلك "الأيام الجميلة التي لم نعشها بعد".
"تلك الأيام" اسودت بشكل متسارع، فعلى غفلة أصدر ملك البلاد، منفردا، الدستور الجديد في العام 2002، ليعلن أول وأكبر انتكاسة "لمشروعه" الإصلاحي. ورغم رفض القوى الوطنية المعارضة لهذا الدستور المنحة، إلا أن نظام الحكم أصر على الاستمرار بدستور أعوج يفقد الشرعية، روحا وقانوناً.
استمر الحكم في الابتعاد عن المشروع الإصلاحي وميثاقه الوطني بخطوات واثقة، وكأنه قد كان عازما منذ أن أطلق وعده بالإصلاح على أن ينقضه، وكانت كلمات وزير الإعلام السابق ومستشار رئيس الوزراء محمد المطوع التي قال فيها للقوى السياسية بأن عليها "الانشغال في السياسية لا الاشتغال بها" تتحقق على أرض الواقع، فأُضعف المجلس النيابي في أكثر من مناسبة، حيث جاء توزيع الدوائر الانتخابية مفصلاً بالمليمتر لكي يضمن الحُكم عدم وصول أغلبية معارضة للبرلمان، وتم تحصين ذلك من خلال مجلس معين يمتلك ذات الصلاحيات المجلس المنتخب ويساويه في العدد، وقانون جمعيات سياسية حولها إلى أندية اجتماعية يتحكم فيها مكتب في وزارة العدل، وولادة مؤسسات حكومية تتخذ صفة "مؤسسات المجتمع المدني" لمواجهة حراك مؤسسات المجتمع المدني الحقيقي.
وبالأرقام، زادت نسبة الفساد وسرقة الأراضي والسواحل من قبل "متنفذين"، وكثرت المشاكل الاجتماعية المتعلقة بغلاء المعيشة والسكن والوظيفة، وزاحم التجنيس السياسي أبناء الوطن في كافة المجالات من مقاعد التعليم والخدمات الصحية والإسكانية والفرص الوظيفية.
في زمن "المملكة الدستورية" زادت "مصاريف" الديوان الملكي، وزادت معها "البشوت" والمشاريع الخاصة بفلان وعلان. ولم تقف الزيادة عند "المتنفذين"، فقد كان للشعب نصيبه من زيادات من نوع آخر، فزادت "البيوت الآيلة للسقوط" كما زاد العجز الاكتواري في صندوقهم التقاعدي وزادت قائمة الانتظار للمشاريع الإسكانية، وزادت همومهم في الوقت الذي تضخمت وزادت فيه أرصدة "البعض".
بعد مرور عشرة أعوام على ذكرى الرابع عشر من فبراير 2001، لم يشهد المواطنون تلك الأيام التي وعدوا بها وناضلوا من أجلها، وعلى إثر ذلك، خرجوا في عدد من المناطق مطالبين بتحقيق ما وعدوا به، الإصلاح السياسي والشراكة في وطنهم، مطالبين الحكم للعودة إلى مسار الإصلاح والمشاركة الشعبية الحقيقية والتقدم بخطى ثابتة نحو دولة المؤسسات والقانون.
ورغم سلمية تلك التجمعات، كان لدى السلطة وجهة نظر أخرى، فتعريف الديمقراطية والمشاركة السياسية لدى النظام له معنى آخر مضاد تماما لذلك التعريف الذي كان لدى المواطنين، فجاء الرد على المطالبات السلمية أمنيا وعنيفا، أدى إلى استشهاد متظاهر، وفي اليوم التالي سقط ثانٍ، وبعدهما العشرات، ليطلق النظام قبضته الأمنية من شرطة وجيش وحرس وطني وقوات خاصة، ويستعين بقوات درع الجزيرة للقضاء على كل من تسول له نفسه ويطالب بالمشاركة في صنع القرار.
ومنذ أن أعلن في مارس 2011 عن حالة "السلامة الوطنية"، دخل المعتقل الآلاف واستشهد العشرات وأسقطت الجنسية عن العشرات من المعارضين وأفراد أسرهم. قتل عدد من المعتقلين تحت التعذيب، انتهكت الأعراض وارتكبت أبشع الانتهاكات بحق كل من عارض النظام أو شك في معارضته له أو كان فقط ينتمي للطائفة الشيعية.
جاء بسيوني وكشف مع لجنته عن فظاعة الانتهاكات التي ارتكبت بحق شعب البحرين وبالأخص المعارضة، ووثق كل ذلك في تقريره الشهير. رحل بسيوني، ورحل بعده عدد من المواطنين الذين أعدموا بحكم قاضي أو رجل أمن، ولم نشهد تلك الأيام.
يصادف هذا الشهر ذكرى مرور سبعة عشر عاما على التصويت على ميثاق العمل الوطني وسبعة أعوام على أحداث 2011، شهر يحتفل فيه الإعلام الرسمي بإنجازات "المشروع الإصلاحي" الذي شهدنا خلاله أبشع انتهاكات لحقوق الإنسان وإغلاق جمعيات سياسية وصحيفة يومية وتحريض رسمي وملفات فساد وعجز اقتصادي، مشروع إصلاحي لم يتبقى منه إلا حلم تلك الأيام الجميلة التي لم نعشها بعد.
*كاتب بحريني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات والردود التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي: editor@bahrainmirror.com