غواية الأجنحة
عبدالهادي خلف - 2012-06-01 - 4:09 م
مرآة البحرين: في تصريح له قبل يومين أشار المساعد السياسي للأمين العام في جمعية الوفاق الإسلامية النائب االمستقيل الأستاذ خليل المرزوق إلى وجود “جناح متشدد” داخل السلطة ”يتسبب في تصدّع البحرين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ولا يهمه أي شيء”. وإستطرد الأخ المرزوق ليؤكد أن “هناك صراع داخل العائلة الحاكمة وهناك أجنحة لا تريد هذا الحوار….”
لا أعرف ما يجعلني أصدق الإدعاء بأن في السلطة الخليفية أجنحة إصلاحية ومتشددة تتصارع فيما بينها. فما نعرفه يشير إلى إن أجنحة السلطة الخليفية لا تختلف إلا على ثلاثة مسائل رئيسة. أولاهما تتعلق بتحديد الأساليب الأكثر جدوى لإدامة موروث الغزو الذي يعتبرونه أساس شرعية سلطتهم. فهذا الطرف يفضل القمع الدموي وطرفٌ ثانٍ يفضل شراء الذمم وطرفٌ ثالث يجمع بين هذا وذاك. أما المسألة الثانية التي يختلفون عليها فتتعلق بأسلوب توزيع الغنائم بينهم. أما الثالثة فتتمثل في التنافس على إكتساب أكبر عدد من الموالين والموالي. وبهذه المعاني الثلاث نرى إنه كلما إزداد الإختلاف بين أجنحة العائلة الخليفية كلما إزدادت معاناة الناس وكلما ضاعت حقوق الأجيال القادمة.
قد يقال أن الإستاذ المرزوق ومن خلفه جمعية الوفاق على علمٍ بأمورٍ تخفى على أمثالي وعلى بقية العامة من الناس. فإن صَّح ذلك وصَّح أيضاً إن في السلطة الخليفية جناح متشدد وأخر إصلاحي فإنني لا أجد للأخ المرزوق عذراً في أن يتركني غارقاً في جهلي بهذه الأسرار. أو أن لا يشرح الأمرَ للناس حتى نكون جميعاً على بيِّنة. فما أحوجنا بعد مايقارب 250 سنة من “الفتح” إلى معرفة في السلطة الخليفية من يستطيع التخلي عن موروث ذلك الفتح بما فيه إعتبارنا مجرد رعايا وإعتبار البحرين مجرد غنيمة غزو.
للأسف يبدو أن كلام الأخ المرزوق ليس إلا إطناب بلاغي. فالشواهد التي أمامنا لا تؤيده. وآخرها ما نُشر قبل أيام من تفاصيل ما تعرض له الأخوان محمد جواد و حسن مشيمع وغيرهما من قادة المعارضة ورموزها من صنوف التعذيب بأنواعه كافة بعضه على أيدي أولاد وبنات من العائلة الخليفية نفسها.
وجدتُ تصريح الأخ خليل المرزوق هاماً وخطيراً في نفس الوقت. فأهمية التصريح تأتي من أنه يوضح بعض مبررات النهج السياسي الذي تتبناه جمعية الوفاق تجاه النظام الخليفي. فهي لا ترى النظام شراً كله يجب إسقاطه ولا تراه خيراً كله يجب إبقائه على حاله. ولهذا تجب مسايرته لإصلاحه. نعم لقد إستطاعت أحداث الأشهر الماضية منذ ملحمة دوار اللؤلؤة تبيان مساوئ هذا النهج. إلا إن لنهج المسايرة أنصاره سواء طمعاً أو تذاكيا.
و تكمن مخاطر تصريح الإستاذ المرزوق في أنه يعبر عن قسم مؤثر في قيادة جمعية الوفاق يرى أن السلطة الخليفية هي مجرد إئتلاف لأجنحة عدة بعضها متشدد لا بد من مواجهته وبعضها إصلاحي يتوجب التعاون معه. وهذا يعني , إستطراداً, أن من صالح أصحاب هذا النهج المساير دعم الجناح الإصلاحي في السلطة الخليفية في مواجهته مع الجناح المتشدد. وبطبيعة الحال فقد يتطلب هذا الدعم تقديم ما هو “ضروري” من التنازلات بحجة “تشجيع الجناح الإصلاحي على الصمود والمثابرة.”
أقول, كلام الأخ المرزوق خطير إن أخذناه بجدية فهو يكرر ما سمعناه من كثيرين في 2001 ثم كرره آخرون في السنوات الإحدى عشر التالية تمهيداً لكل خطوة أتخذوها للتراجع عن أهداف الحركة الدستورية و للإبتعاد عن مواجهة السلطة علاوة على تسويق خط المسايرة معها.
أسارع إلى التذكير بأن أخينا المرزوق لم يأتِ ببدعة من عندياته بل هو يكرر إقتناعاً وجدناه راسخاً لدى كثيرين للأسف. ولن يجد القارئ والقارئة صعوبة تُذكر في إستعادة ما قيل طوال السنوات الماضية عن الحرس القديم والجديد أو ما قيل عن جناح الملك في مقابل جناح عمه. ناهيكم عن جناح يقوده المشير وأخيه وزير البلاط الملكي في مقابل جناح يقوده ولي العهد.
ولو عدنا بالذاكرة إلى السجالات التي دارت في فترة السنوات 2000-2002, أي الفترة بين غداة إعداد ميثاق العمل الوطني وعشية إعلان الدستور المنحة, لوجدنا تلك الأصوات القيادية في المعارضة الوطنية والدينية التي كانت تطالب الناس بعدم رفع سقف مطالبها. فمرات بحجة “عدم إستفزاز الحرس القديم” ومرات بحجة “عدم إعطائه ذريعة للإنقضاض على “المشروع الإصلاحي”. وصدَّق كثيرون ذلك الهراء.
في تلك الفترة أيضاً تولى آخرون بعد أن إنهالت عليهم المكرمات المثلثة إغواء الناس كي يصدقوا خديعة “الأجنحة المتصارعة” وليقبلوا نصيحة “الحرص على عدم إستفزاز الحرس القديم”. ومن الواضح أن بيننا الآن من هم في حاجة إلى تكرار تلك الفترة الرَزِية في تاريخ المعارضة.
لقد أثبتت الأحداث التي شهدتها بلادنا منذ الخميس الأسود في 17 فبراير 2011 وحتى الآن إن الحديث عن حرس قديم وحرس جديد أو جناح إصلاحي وجناح متشدد هو من قبيل خداع النفس في أحسن الأحوال. فلم نجد أحداً من الحرس الجديد قد إستنكر ولو بالهمس الخجول قيام أجهزة الأمن وقوة الدفاع والحرس الوطني مدعومة بالقوات السعودية بمهاجمة دوار اللؤلؤة. ولم يستنكر الإصلاحيون في السلطة الخليفية إعتقال المئات من المواطنين والمواطنات وتعريضهم للتعذيب المفضي إلى الموت والعاهات المستديمة. ولم يقف أحدهم ليقول لا لقطع أرزاق آلاف أخرى ولا لهدم المساجد ولا لإضطرار العشرات إلى طلب اللجوء في مختلف بلدان العالم.
بل على الضد. فلقد وقفت السلطة الخليفية كما عرفناها دائماً موحدة ومتراصة في قمعها للناس وفي الدفاع عن كل الجرائم التي إرتكبتها أجهزتها ضد معارضيها سواء أكانوا من قادة المعارضة أونشطائها أو جمهورها. وحتى بعد أن كشف تقرير البسيوني بعض الإنتهاكات الفظيعة التي مارستها تلك الأجهزة لم نسمع إصلاحياً أو إصلاحية من السلطة الخليفية يعتذران عن تلك الفظائع إلى الناس عموما وإلى الضحايا وأهاليهم خصوصاً. فالسلطة الخليفية كلها تقف صفاً متراصاً في مواجهة الناس فهي تعرف إن أي إصلاح حقيقي يعني بالضرورة إنهاء موروث الغزو الذي إستباحت به البلاد والعباد ويعني أيضاً أن تتحول البحرين, بغض النظر عن توصيفاتها, إلى بلاد يملكها أهلها.
عبدالهادي خلف
أستاذ علم الاجتماع في جامعة لوند - السويد
عن مدونة عبد الهادي خلف
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق