مع أم عباس السميع وأبيه في «اليوم الأخير»!
2017-01-15 - 4:31 ص
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني
والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ
مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها
وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في
هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
من قصيدة للشاعر المصري هاشم الرفاعي
مرآة البحرين (خاص): صباح اليوم بعد الاتصال الذي تلقته عائلته جلس جميل السميع يتابع مع عائلته ما يرد عبر الاتصالات الهاتفية، وعبر وسائل التواصل المختلفة، أما أم عباس السميع فقد كانت فوق سجادة الصلاة..
عند السابعة والنصف صباحا، تقول أم عباس، إن هاتفها كان يرن. كان المتحدث من سجن جو يخبرها أن هناك زيارة «قلت له لم يمض وقت على زيارتنا»، فرد مكرراً بضرورة الحضور لزيارة عباس، قالت له «لكن لديّ أربعة أولاد في السجن وعادة نراهم مجتمعين في الزيارة» فرد أن الزيارة فقط لعباس.
تصمت قليلاً، جالسة تلبس عباءتين، عباءة الصلاة، وفوقها عباءة سوداء. تفكّر بالأمر قبل الزيارة، تقول إن رجاءها كله تطلبه عند الله وعند النبي وأهل بيته.
كل من يعرف أم عباس، يعرف أنه على الرغم من كونها أماً لعدد من الأبناء والبنات، إلا أن ابنها عباس ذا الستة وعشرين عاماً، هو عيناها اللتان تبصر بهما، وهو سمعها، وهو قلبها، وعقلها، هي تعترف بذلك وتقول: إن كل أبنائها يعرفون إن حب عباس تخلل كل خلايا قلبي..
تدخل ابنتها تحمل الهاتف: أمي هناك اتصالات تأتي، واحد من المحامي، وواحد من قناة تلفزيونية. تنهي أم عباس جلستها، وتأخذ الهاتف وتدخل إلى الغرفة.
تمر ساعات، تذهب أم عباس للزيارة، تعود في هيئة أخرى! امرأة مجروحة مهانة هي وعائلتها من تفتيش حقير لم يستثن شيئاً في أجسامهم تعرضوا له مرتين في سجن جو. تعود امرأة ودّعت ابنها وداعاً أخيراً، عادت وهي تتوقع أن أجمل الأبناء لديها، سيساق إلى الموت غصباً، وتزهق روحه ظلماً بجرم قال هو على الملأ ومن وسط السجن، إنه لم يرتكبه..
بكت أم عباس بحرقة على شاشة قناة اللؤلؤة، بكت عبر الهاتف إلى درجة أن المذيعة «ريان شرارة»، هي الأخرى لم تتحمل كل هذا الحال الفجيع. لكن من بين دموعها وصوتها المخنوق، أوصلت أم عباس السميع بغريزة الأمهات العظيمات رسالة ابنها الصابر الذي ودعته قبل ساعات قليلة «إن النظام مقدم على خطوة تصعيدية مخيفة جدا، فإذا أراد شعب البحرين أن ينتصر وينال الكرامة وحقوقه وحريته فعليه أن يقف في وجه الظالم، وأن يضحي بما يملك من الأولاد والأموال وقول كلمة حق في وجه النظام الجائر».
على لسان ابنها السميع نقلت أيضا «لا يمكن أن يتحقق كل هذا إلا بالتضحيات والتوقف عن جميع الأعمال والمدارس قبل أن تزهق أرواح كثيرة». آخر وصيته كان قوله «ما خرجنا إلا للحق».
تنهي الاتصال، تعود للتماسك، تدعو بإيمان لا يكلّ أن يحفظ الله ابنها. باتت أم عباس في عالم خاص ذي فكرة واحدة تسيطر على كل شيء، اسم واحد شغل كل شيء فيه. حينها ستسمع أم عباس من خارج المنزل أصوات طلقات قوات الأمن فوق أجساد مئات المتظاهرين الذين يجوبون الشوارع رفضاً لأحكام الإعدام.
يبدو للحظات أن كل هذه المشاهد ليست إلا حلماً تتردد فيه كلمات «مكسيم غوركي» في روايته «الأم». تنظر أم عباس لصورة أبنائها الأربعة السجناء، تتأمل وكأنها تخاطبهم «إن كل شيء فيكم يختلف عنه في الآخرين، حتى المال يبدو عديم القيمة بالنسبة إليكم. بعض الناس يبيعون حتى أرواحهم كي يحصلوا عليه، أما أنتم، فكأنه لا شيء عندكم، ولكأنكم لا تحتفظون به إلا لمساعدة الآخرين فقط».
أما جميل السميع والد عباس، بدا صامتا، يتأمل لوحتين في زاوية الغرفة، الأولى صورة حسن طاهر السميع، شقيقه الذي استشهد في التسعينات، والصورة الثانية، صورة ابنه عباس وهو يبتسم، وفوقها كتب بخط واضح: كلنا عباس.