» تقارير
والد الشهيد أحمد فرحان:كنت حملت سيارة الملك لكني لا أريد رؤيته الآن
2012-03-16 - 8:04 ص
مرآة البحرين (خاص): كان واحداً ممن خرجوا احتفاءً بزيارة الملك لمنطقة سترة مطلع الألفينية وحملوا سيارته فوق أكتافهم، واحداً ممن استقبلوا الملك بهتافات الترحيب والحبّ ووهبوه الثقة حين وعد بالأيام الجميلة التي لم نعشها بعد. كان والد الشهيد فرحان أحد هؤلاء المستقبلين، ربما لهذا كافأه الملك على ذلك الاستقبال وتلك الحفاوة، أذاقه وإلى الأبد، طعم الأيام الجميلة التي لم يعشها، لقد سلبه فرحة قلبه ووردة حياته، سلبه ابنه أحمد، فعلها كأبشع ما يكون القتل، وكأبشع ما يسلّم ملك شعبه إلى جيوش ليست من الشعب، جيوش مهيأة للقتل غير الرحيم.
يقول الأب الموجوع: "لأن الشعب البحريني معروف بطيبته التي تغلب طبيعته، تناسينا سريعاً جراح التسعينات، هب الجميع لاستقبال الملك عندما زار سترة ووعد بإصلاحات تنتشلنا مما نحن فيه من فقر وفساد، لم نعلم أن الأمر ليس أكثر من وعود سرابية ووهم غير حقيقي، وأنه بدلاً من تحقيق ما حلمنا به تزايدت العذابات".
يضيف : "بالنسبة لي، حتى لو أعلن الملك ندمه على ما فات ونفذ إصلاحات حقيقية، لا أريد رؤيته وأريد لا استقباله، وهو أمر يعود لنفسي، لست حاقداً فطبيعتي لا تعرف الحقد، لكني لا أستطيع أن أحتمل رؤية المسؤول الأول عن قتل ابني وأبناء الناس، فضلاً عن سائر الانتهاكات الأخرى"، يضيف بنبرة كسرها الألم :" البحرينيون ليسوا محبين لسفك الدماء، ليسوا عدائيين، بالنسبة لي لم أشتم أحداً، ولم أدع على أحد بالموت، لكني رفعت يدي ودعوت: اللهم انتقم لي من الظالم الذي فجعني في ولدي، وبذلك أسلمت قضيتي إلى قاضي السماء، وهذا لا يعني أني أتخلى عن دم ولدي، أنا أريد القصاص من قاتله بحسب القانون وأن لا يُظلم في دمه أحد، القصاص والعدالة".
والد الشهيد أحمد فرحان غاضب من الاستخفاف الذي مارسته السلطة وإعلامها إزاء قضية تفجير رأس ابنه، ومن عرض صورة ابنه على أنها من فلسطين المحتلة مرة، وعلى أنها من جرائم النظام السوري ضد شعبه مرة أخرى: "لقد قتلونا ابني وأنا مرتين، مرة برصاص الجيش الذي فجر رأس ولدي بطريقة مريعة بشعة، ومرة بالاستهزاء والاستخفاف بهذه الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق مواطن ينتمي إلى هذه البلد. تلفزيون البحرين لا يحترم الفقراء ولا يشعر بألم الناس ولا يهتم بمعاناتهم وآلامهم، إنه يستهزئ بهم ويسخر منهم، هل وصل الأمر بالإعلام أن يستخف بالموت؟ بالقتل بهذه البشاعة؟ هل يوجد إنسان لا تجعله مثل هذه الصورة يهتز وينهار؟"، يضيف: " إنهم يقتلون الناس كل يوم بكلامهم وأنا أُحذر من يسخر من جراح الناس على شاشة التلفزيون، أحذره من عذاب الله.
أتذكر أن صحفي أجنبي جاء لمنزلي بعد أن ضللوه بالمعلومات وبعد أن ادعى التلفزيون أن الصورة لأحد شهداء فلسطين، سألني هل أنت متأكد أنها صورة ابنك؟ هل متأكد أنها في البحرين؟ قلت له أنت غير مخطئ في شكك، بالفعل هذا لا يحدث إلا في اسرائيل، نحن لم نعتد أن نرى قتلاً بهذه البشاعة إلا في اسرائيل ضد الفلسطينيين، ثم قمت على الفور وأخرجت له جواز سفر أحمد وبطاقته السكانية، ولما حدق فيمها صمت طويلاً وتسمر مكانه وردد عبارات لم أفهما، ثم قام بتصوير الجواز والبطاقة".
يتذكر والد أحمد ذلك اليوم الأسود على جميع أهل سترة 15 مارس 2011، كان عائداً مع أحمد وعائلته من المستشفى، كانت والدة أحمد على موعد مع طبيبها ذلك اليوم. عند عودتهم يرون شباباً مجتمعين، يسأل أحمد عن الخطب، يأتيه الجواب أن البلطجية قد نزلوا في المنطقة الخارجية. ينزل الجميع في بيت فاطمة، الأخت القريبة جداً من الشهيد أحمد، يقرر الوالد أن يؤدي فريضة الظهر هناك قبل أن يعود إلى المنزل، ينسحب أحمد للخارج قليلاً ثم يعود، يقرر أن يأخذ والداه إلى البيت فوراً، يسأل الأب عن السبب، أحمد لا يعُطي جواباً شافياً، يعود بهم إلى البيت، يؤدي أحمد صلاة الظهر والعصر، يتناول قليل من الغذاء كي لا يشعر والداه بشيء، يخرج مسرعاً. يتذكر الوالد " لا تزال تلك اللحظات حاضرة فيّ، لم تغادرني منذ ذلك اليوم" يضيف " عندما خرج شعرت أن هناك شيئا ما سيحدث".
يذهب أحمد إلى المكان الذي اعتاد فيه لقاء أصدقائه، يخبرهم أنه ذاهب لمواجهة البلطجية، يصلي ركعتين، ويمضي. ستكون تلك الركعتان الأخيرتين، وسيكون هذا ذهابه الأخير. يتذكر والد أحمد "كنت جالساً في أحد مجالس القرية، استقبل أحد الجالسين رسالة نصية على هاتفه، قرأ منها فقط كلمة "أحمد"، ثم لاذ بالصمت فجأة. اجتهد في تغيير الموضوع كي يصرف انتباه أي منا. في طريق عودتي إلى البيت وجدت منزلي وقد أحيط بالناس والبكاء والعويل، تلقفوني، وكان الخبر الصاعقة الذي زلزل كياني، ولا أزال في هذه الزلزلة منذ ذلك اليوم رغم تجلدي الذي يراه الجميع بتعجب شديد"