البحرينيون مثل سرطان البحر.. اقطعوا مخلباً سينمو آخر كامن
2016-07-18 - 8:03 م
مرآة البحرين (خاص): وصل النظام البحريني إلى مرحلة القطيعة الكاملة مع كل ما يندرج تحت مكونات الدولة؛ لم يعد هناك خيار للشعب ولا قرار ولا حق في رأي مخالف ولا كلمة مشاكسة ولا حقوقي ملتزم ولا صحافي يحترم مهنته ولا مؤسسة مناوئة ولا جمعية سياسية معارضة ولا كيان ديني مستقل، ولا أي شيء خارج القطيع. لقد أعلنها النظام البحريني بكل لا مبالاة: إما أن تدخل في قطيعي أو أقطعك من الوجود، لا خيار ثالث أمامك، أن تكون قطيعاً أو مقطوعاً.
عليك أن تكون واحداً من القطيع الذي يهتف باسم النظام على أنه (الوطن)، ويردّد ما تريده السلطة على أنه (إرادة الشعب)، ويعظّم الانتهاكات السياسية والاستهدافات الطائفية والجرائم الإنسانية على أنها (حفاظاً على وحدة الشعب)، ويمجّد ما يقوم به الملك من استبداد وتعنّت ورعونة وتجبّر واستفراد واستقواء على أنه (حفاظاً على الأمن والاستقرار)، وحبذا لو يكتب فيه أشعاراً تبجيليه ومعلّقات تقديسية ويحثّه على المزيد من الإجراءات والعقوبات في (التعامل مع الخونة الانقلابيين)، وأنه لا تهاون بعد اليوم معهم ولا مع أي جهة خارجية سياسية أو حقوقية، تقول أن ثمة حق مع هذا الشعب المضطهد.
ربما سيسمح لك النظام تكرّماً منه، إن لم تكن قطيعاً ملعلعاً، أن تعيش من ذلك النوع الذي يقضي خائفاً صامتاً، أو منكفئاً، أو انطوائياً، أو سلبياً، أو لا مبالياً، أو تافهاً، لتأمن على قوت يومك وعيالك واستقرارك الجسدي ما تبقى من حياتك.
لكنك إذا تجرأت وكنت غير ذلك، ممن يعلو صوتك بالرفض أو المعارضة أو النقد، سيكون مصيرك القطع: قطع حريتك (سجنك)، قطع لسانك، قطع حقوقك، قطع جنسيتك، قطع أصولك، قطع وجودك في أرضك، قطع رزقك، قطع كيانك، قطع شرفك، قطع ولائك لأرضك، سيتم بترك من كل هذا بسيف أحدّ من سيوف الدواعش الوحشية.
منذ 2011 خُيّر البحرينيون بين أن يكونوا قطعاناً أو يتم قطعهم، لقد مورست ضدّهم كل أصناف البتر والاستئصال لكل ما يتنفّس ويتحرّك بكفاءة أو استقلال، تفنّنت السلطة في بتر مخالب وأطراف وأعضاء هذا الجسد واحدة وراء الأخرى، عملت على بتر رموز الشارع المعارض وشبابه ونشطائه وسجنت الآلاف منهم، قتلت عشرات الشهداء، أسقطت جنسيات المئات، نفت العشرات إلى الخارج وهاجر المئات، ورغم ذلك لم تنجح في تحويل هذا الشارع إلى قطيع حتى وإن خفت جمره تحت رماد القمع.
خلال الشهر الأخير، وبعد يأس السلطة من (قطعنة) الشارع، مضت بشكل هستيري في بتر ما تبقى من كيانات كانت تمثل خطوطاً حمراء أو مناطق حذرة بالنسبة لها طوال السنوات السابقة، تعتقد السلطة بذلك أنها بهذا ستقضي على بقية ما يتحرك في هذا الجسد، لقد بترت كبرى الجمعيات السياسية المعارضة (الوفاق) وحلّتها وصفّت كل متعلقاتها بعد أن اعتقلت أمينها العام وحاكمته بقضاء مرتهن، لقد بترت المؤسسات الدينية الشيعية وأسقطت جنسية أكبر مرجع شيعي في البحرين الشيخ عيسى قاسم وأحالته للمحاكمة، بترت كل علاقة بينها وبين الغالبية الشيعية في البحرين وأحالت العلاقة إلى تهديد مباشر للوجود والمعتقد والأصل. لكن ثمة سؤال غفلت عنه السلطة: هل يموت جسد قلبه نابض وثائر مهما بترت أطرافه؟ وهل يمكنها أن تصل إلى قلب هذا الجسد لبتره والاجهاز عليه؟
لعلّ النظام البحريني يعلم أو لا يعلم، أن هناك مخلوقات كثيرة تستطيع تعويض أطرافها المقطوعة بنسخة جديدة مشابهة، فسرطان البحر مثلا يملك مخلبين أحدهما كبير وضخم والآخر صغير، وحين يفقد المخلب الكبير يبدأ الصغير بالنمو والتضخم حتى يصل لحجم المخلب المقطوع، فيما يظهر صغير جديد، حتى إن بعض مزارع السرطان، صارت تنزع المخلب الكبير المرة تلو الأخرى دون الحاجة لقتل السرطان نفسه.
مخالب الشعب البحريني التي يدافع بها عن نفسه ووجوده وحريته، تشبه مخلب هذا السرطان، دائماً هناك مخلب صغير كامن، سيأتي دوره ليكبر يوماً وليقوم بواجبه ومسؤوليته الوطنية ضد الفساد والظلم والاستبداد والاستكبار، ليس هناك مخلب وحيد ولا أخير ولا دائم، وليس هناك مخلب يبقى صغيراً، لكن هناك مطلب دائم لا يتغيّر، هو المساواة والعدالة والحرية. قد يتطلب الأمر سنوات أو عشرات السنين، لا يهم طالما القلب لا يزال نابضاً عصياً على الوصول اليه.
بقى أن سياسة القطع الذي انتهجتها السلطة ضد الشعب، غير قابلة للترجيع أو اللصق، إنها قطع كلّي لا يمكن ترميمه ولا إعادة لصقه، لقد بترت السلطة كل شيء بينها وبين الشعب، كل ثقة يمكن أن تساهم في ترميم هذه العلاقة يوماً، ولم تبق على عِرق صلة.
لقد أعلن البحرينيون منذ 2011: لن أكون قطيعاً، ولتقطعي ما شئت من مخالبي، سينمو آخر كامن في كل مرّة.