» رأي
فاروقية التطهير
مقالات أخرى - 2012-02-24 - 8:51 ص
"الفاروق" أو "تقاطع الفاروق" التسمية البديلة لميدان دوّار اللؤلؤة. أول ما يمكن فهمه من هذه التسميّة الجديدة هو أن التسمية تم اختيارها تيّمناً بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب المُلقب بالفاروق، والتسميّة بحد ذاتها أمر طبيعي في أي بلد مسلم ومن غير المُتصور أن يكون هناك خلاف أو مشكلة تُشكلّها التسميّة عند أشد أنصار المعارضة حتى، ولكن حين يتم اختيار التسميّة بعقليّة الاستفزاز أي هذا الاسم تحديداً باعتباره لقب رمزي مرتبط بشخصية تاريخية لها حضورها القوي عند طائفة دينية.
ويعمد من أطلقه لاستفزاز الشيعة باعتبارهم خارج الدائرة فهو أمر مقيت فعلا، ومُؤلم حين يتم اختيار التسميّات لا لرمزيتها أو لقداستها بقدر تقصّد الاستفزاز والشماتة وممارسة الكراهية وتشطير مفهوم المواطنة إلى طوائف!
انه فكر كارثيّ حقاً، وبقصد إيهام بعض الذين صدّقوا كذبة استهدافهم من قِبل الشيعة "الخونة" لأسباب ودوافع طائفية. إننا كسلطة انتصرنا لكم بعد ان أزلنا المكان الذي تجمع فيه اعداؤكم "الشيعة" من الوجود واستبدلنا اسمه بإسم يليق بحفظ مكانتكم ولترسيخ تراثكم العقائدي.
هذا السيناريو الموجع بحق الوطن هو الذي فهمه الكثير من مختلف الأطراف بهذه الطريقة ماهو إلا سيناريو افتراضي سيء جدا. نعم سيء ومسيء للبحرينين – وأؤكد مجددا أن الخلاف ليس بأصل التسميّة – ولكن ما أود توضيحه استطيع ان اختصره بمثال واحد فقط: ماذا لو تم إخلاء إحدى الساحات التي يجتمع فيها بعض من أهلنا السنّة وتم استبدال اسمها ليصبح ساحة الإمام الرضا مثلاً؟
أمثلة وفرضيات حروب وكوارث لا يمكن ان يستوعبها وطن وشعب واحد، فلا منطق يجد في هذا النوع من القرارات زرع لخير وتعايش إطلاقاٍ، كما أسلفت.
هكذا فهم وفسر الكثيرون سبب التسميّة ولم يخرج التفسير عن هذا الفلك:إقصاء الشيعة "الخونة" واستفزازهم والانتقام منهم. وتثبيت وتقوية السنّة "الشرفاء" وردّ اعتبارهم ومكافأتهم.وخصوصا مع استبسال السلطة في نشر التفرقة الطائفيّة وممارستها لسياسة (فرّق تسُد) بإتقان حد القرف) ولكن وبرغم فداحة هذا الافتراض الذي يُلامس الكثير من الوقائع بشكل كبير إلاّ انه ليس فعلاً السبب- وعلى الأقل ليس هو السبب الأساس- للتسميّة! أيضا هناك ما هو أسوأ واكثر عمقاً من ذلك!
فالسبب ليس التسمية بأي شكل من الأشكال باسم الخليفة عمر بن الخطاب "الفاروق" لاسمه وإنما تيمناً بعملية "تطهير" الدوار النوعيّة والتي أطلق عليها المشير خليفة بن أحمد اسم عملية "الفاروق" (ويا للغرابة المفارقة هنا ان يطلق اسم الفاروق الذي يرفض القتل على عملية القتل المروّعة الفاضحة) وتخليداً لهذه العملية وبحسب تصريحه(1) إنه تم اختيار اسم عملية الفاروق للعمليّة التي قامت بها قوة الدفاع لفضّ احتلال المنامة. لذا فقد تم اختيار اسم الفاروق لإطلاقه على التقاطع الجديد الذي تمّ انشاؤه مكان الدوّار.
يا إلهي..! انه يحتفل بقتلنا.. بالتنكيل بنا، ويخلّد اسم العملية التي تم فيها ما تم، وجرى فيها ما جرى من سحل وقمع وترويع واهدار للأرواح، ولا غرابة في ان يحتفل، وهو يُسمي ذبحنا "تطهيراً" وهو أيضا من صرح بأنه لا توجد معارضة بالبحرين، بل مجرد "خونة"، وطالبهم بالرحيل الى طهران تحديداً!(2)
بل إنني لن استغرب إن وجدت قريبا اعلانا عن إجازة رسمية بيوم فرح وهو الذكرى السنوية الاولى ليوم "التطهير" الذي يصادف السادس عشر من مارس/ آذار، ويكون إجازة بمناسبة عيد التطهير المجيد أو ربما يوم عملية الفاروق الوطني!
تسميّة عملية القتل والقمع، وتصويرها على أنها إحدى حروب التحرير والنضال لهو مثالٌ بسيط يُوضح كيفية التعاطي والإمعان في الخنق من هذه السلطة المتورطة بأكبر إرث دمويّ في تاريخ البحرين مع من يحلم أو يفكر بالعيش بحرية وكرامة في وطنه.
ويبقى الاستفهام.. حين أجد نفسي خائنا وعميلا، فضلاً عن كوني لست مواطنا أصلاً، وحين تحتاج أرضي لعملية تطهير مني، وأن دم أهلي لا حرمة له ومن لم يحالفه الذبح أو يُسعفه القيد اثناء التطهير من أخوتي فليلتحق بركب التهجير!.
حين أعيش كل هذا في قضية واحدة لا تُمثل سطرا في حكايتي وأعيش مثلها وأكثر في كل سطر من هذه الحكاية، بعد كل هذا التدمير ما الذي تبّقى لي لأخسره؟ وما الذي بقي لأراعيه؟
ويبقى السؤال: يعني شنو إصلاح؟؟
هوامش