ويكيلكيس 2006... فريد المفتاح للسفير الأمريكي: سلفيون سنّة نظّموا برامج مستفزّة في عاشوراء! «3»

2015-10-27 - 7:52 م

مرآة البحرين (خاص): بدءا من 2005، سيصبح تقرير السفارة الأمريكية في المنامة عن إحياء ذكرى عاشوراء، تقريرا روتينيا، حتى لو كانت المناسبة خالية من الأحداث المثيرة، وحتى لو لم يكن لها أية تداعيات على الأرض. ستصبح عاشوراء في البحرين حدثا في حد ذاتها، ينبغي أن تراقب، وترصد، وترفع عنها التقارير.

في 2006، وردت برقيتان ذكرت فيهما المناسبة، الأولى هي التقرير السنوي الذي سيصبح تقليدا، والثانية هي تقرير عن اجتماع مثير عقد بين وكيل وزارة الشئون الإسلامية فريد المفتاح، والسفير الأمريكي ويليام مونرو، لإطلاع الأخير على جهود الوزارة خصوصا في التقريب بين السنّة والشيعة، بما فيها تلك الجهود المبذولة خلال مناسبة عاشوراء!

عاشوراء 2006 كان أكثر هدوءا من سابقه، وأكثر ما تحدّث عنه تقرير السفارة فيه هو خلوّه من التوتّرات ومظاهر العنف، فضلا عن قيام مجموعات شيعية بضبط الأمن والحماية بنفسها في منطقة المواكب بالمنامة، التي خلت من أجهزة الأمن الرسمية تماما "لمدة 10 أيام كل عام، نحن نسيطر على المنطقة. الحكومة تسيطر عليها في الأيام الـ 355 الأخرى من السنة"، تنقل السفارة عن أحد معارفها.

في برقية السفارة الأمريكية أيضا، تقرير عن أنشطة حركة حق خلال عاشوراء، وتقرير عن الجدل الذي أثارته اللافتة التي تحمل كلمة الشيخ عيسى قاسم عن "معسكر الحسين ومعسكر يزيد"، وكذلك وصف بصياغة أخرى لطقوس ومظاهر المناسبة الدينية، التي قالت إنها شبيهة بما يجري في أعياد الكرسمس، فضلا عن إشارة إلى الأجواء السياسية التي كانت تحيط بالحدث، وعلى رأسها اعتقال مجموعة شبّان من مطار البحرين الدولي بعد اعتصامهم احتجاجا على اعتقال الشيخ محمد سند.

وقد قدّرت السفارة المشاركين في احتفالات عاشوراء عام 2006 بـ 150 ألف شخص، بعضهم من السعودية والكويت.

عاشوراء 2006

في فبراير/شباط 2006، أرسل السفير الأمريكي بالمنامة ويليام مونرو، تقريره الذي سيكون بدءا من 2005 سنويا، عن إحياء ذكرى عاشوراء في البحرين.

بدأ التقرير بذكر عدد الذين شاركوا في مواكب عاشوراء الدينية في مدينة المنامة القديمة، وقد قدّره السفير بـ 150 ألف شخص. ونقل التقرير عن جميع الشهود، بمن فيهم موظفو السفارة الذين حضروا الاحتفالات، أن الحدث مضى على نحو سلس جدا، بلا تقارير عن مواجهات أو عنف.

وبصياغة أخرى، ذهب التقرير ليصف طقوس عاشوراء مجددا "مجموعات كبيرة أغلبها شبّان أعدادهم بالآلاف أحيانا، يسيرون في انسجام في دائرة طولها عدة كيلومترات، بينما يضربون صدورهم بأيديهم بشكل متناغم، أو يضربون ظهورهم بسلاسل".

ويضيف "تنظّم المجموعات عن طريق العديد من الصالات الشيعية الدينية/الاجتماعية في المنطقة، والتي تدعى المآتم".

وعرّج التقرير على ذكر الأنشطة الأخرى في عاشوراء تحت عنوان "أشياء لكل الناس خلال عاشوراء"، وقد تحدّثت الفقرة عن المضائف، وعن المرسم الحسيني، وحملات التبرع بالدم، ومخيم التوعية للجاليات الأجنبية الذي يعطي محاضرات بالإنجليزية عن عاشوراء، وكذلك مسرحيات عن معركة كربلاء.

"هناك الكثير من العروض المشابهة لمشاهد عيد الكرسمس، تنتشر على مدار المنطقة، تصوّر جانبا من القصة، بعضها يطل بشكل مريع في التفاصيل التي تلفتها".

لم يغفل التقرير أيضا ذكر موكب العزاء الذي تتقدّمه فرقة موسيقية.

ووضع التقرير اقتباسا من تصريح رئيس لجنة المواكب الحسينية، حسين العلوي، مشيرا إلى مشاركة كويتيين وسعوديين في احتفالات البحرين بعاشوراء.

عاشوراء 99

الأعلام والصور في 2006

وعطفا على أزمة الأعلام والصور في 2005، يشير التقرير إلى أن موظفي السفارة لم يلاحظوا أحدا من المشاركين حمل ملصقات أو أعلام أو صور لقادة أجانب، مثل آية الله الخميني، والخامنئي، وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، لكنّهم رأوا لافتة كبيرة ثابتة عليها صورة عالم الدين البحريني الشيعي البارز الشيخ عيسى قاسم، إلى جانبه نصر الله "كما نصبت بعض المآتم شاشات تلفزيون على الشارع، تبث خطابات واحتفالات بينها لنصر الله".

"وعلقت على الجدران منشورات فيها صور لآية الله السيستاني، وعبارات طبيعتها دينية بالكامل".

غياب رجال الأمن وسيطرة الشيعة على وسط المنامة

ولاحظ موظفو السفارة الذين حضروا المناسبة كمراقبين، بأنه لم يكن هناك حضور أمني بزي رسمي في المنطقة، سوى لرجال المرور، في حين كان هناك متطوعون مرتبطون بالمآتم، يلبسون شارات ويحملون أجهزة اتصال لاسكلية، منتشرون في منطقة المواكب، وينخرطون بشكل نشط مع الحاضرين لتزويدهم بالمعلومات والمساعدة إذا احتاجوها.

السفارة نقلت عن أحد معارفها قوله بأن عاشوراء هي فترة يحظى فيها الشيعة بحريات ضخمة "لمدة عشرة أيام كل عام، نحن نسيطر على المنطقة. الحكومة تسيطر عليها في الأيام الـ 355 الأخرى من السنة".

الأجواء السياسية في عاشوراء 2006

ورد في التقرير أيضا، الأجواء السياسية المرافقة للذكرى، وهي الحكم بإدانة 12 شابا شيعيا شاركوا في احتجاجات بمطار البحرين الدولي، بعد اعتقال رجل الدين المعروف الشيخ محمد سند من هناك، (ديسمبر/كانون الأول 2005)، وأشار التقرير إلى أن الأحكام أثارت غضب المجتمع الشيعي، وكانت موضوعا للنقاش خلال أيام عاشوراء.

"لاحظ موظفو السفارة حشدا من 500 شخص يستمعون لمتحدّث يشجب ويستنكر قيام الحكومة بإدانة هؤلاء. ورغم التوتر، لم يكن هناك عنف أو صدامات".

"المشهد الأكثر إزعاجا هو مجموعة من 20 شابا يلبسون عصابات، وأقمصة، وسراويل تمويه، بهيئة عسكرية، يركضون ببطء في انسجام، ويهتفون الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الموت للدنمارك... وفي تطور فريد من نوعه في حدث 2006، مشى المشاركون في المواكب الدينية على 10-20 لوحة حفرت على الطرق ورسم عليها العلم الدنماركي. هذا بالإضافة إلى مجموعة من اللوحات رسم عليها ألوان العلمين الأمريكي والإسرائيلي".

وأشارت البرقية أيضا إلى اجتماع وزير الداخلية برئيس هيئة المواكب الحسينية، حسين العلوي، وعضو مجلس الشورى فؤاد حاجي، والنائب عيسى بن رجب، لمراجعة الجانب الأمني للمناسبة. ولفتت البرقية إلى أن الاجتماع حدث في ذات الوقت الذي اتّهم فيه قادة المجتمع في قرى شيعية، الشرطة، بنزع أعلام سوداء غطت مناطق شيعية بمناسبة عاشوراء،  الأمر الذي احتج عليه أيضا أعضاء في مجلس بلدي الشمالية.

عاشوراء 44

نشاط حركة حق: عريضة الأمم المتحدة

أوردت البرقية أيضا فقرة عن نشاط حركة حق في عاشوراء (وهو النشاط الأول لها حيث تأسست في العام 2005):

"حركة حق (يمين)، مجموعة متشددة منشقة عن جمعية الوفاق الشيعية المعارضة، أصدرت بيانا صحفيا في 6 فبراير/شباط تعلن فيه عن عريضة ستقدّم إلى الأمم المتحدة للدعوة إلى دستور ديمقراطي جديد يصاغ من قبل مجلس منتخب. داعمو العريضة وضعوا طاولات وأكشاك في أقسام عدة من وسط المدينة، وعرضوا فيديو عن فقر الشيعة في البحرين في المحيط الخارجي لأكبر مأتم. المنظمون أعلنوا أن هدفهم هو الحصول على 100 ألف توقيع على العريضة خلال عاشوراء، أي في الغالب 25% من مواطني البحرين. حتى اليوم، لم يعلن عن عدد الموقعين، ولكن مصادر مطّلعة قالت إن المجموعة وصلت إلى هدفها على الأرجح".

لافتة الشيخ عيسى قاسم: معسكر الحسين ومعسكر يزيد

توثّق البرقية واحدة من أهم الأحداث في عاشوراء، وهي حادثة اللافتة التي نشرتها جمعية التوعية الإسلامية، وتحوي كلمة قديمة للشيخ عيسى قاسم، أثارت عليها جهات موالية للنظام جدلا واسعا، أدّى في النهاية لإزالتها من قبل السلطات، ولشن حملة معادية للشيخ قاسم وجميعة التوعية في الصحف، وعلى ألسن المسئولين.

"الجدل الأكبر انفجر بعد أكثر من أسبوع من نهاية عاشوراء" تصف البرقية.

تشير البرقية في البداية إلى أن إثارة الجدل على اللافتة بدأ من صحيفة الوطن "التي يقال إنها على صلة بالمجتمع السلفي السني في البلاد"، حيث نشرت خبرا في 18 فبراير/شباط تهاجم فيه العبارة التي وردت على اللافتة.

"تقول عبارة الشيخ عيسى قاسم، بأسلوب موار - غير مباشر-، إن البحرين تنقسم إلى معسكرين، معسكر الحسين ومعسكر يزيد (الذي قتله جيشه الحسين وأتباعه في كربلاء)" بحسب البرقية.

معسكر

تعلّق البرقية "في حين تقول تفسيرات متسامحة للعبارة بأن قاسم كان يقصد الفروق بين المسلمين الصالحين، المتقين، الواعين، والمسلمين الساقطين، إلا أن الغالبية فهمت بأنه يقصد بأن الشيعة هم معسكر الحسين، والسنّة هم معسكر يزيد".

تذهب البرقية بعدئذ إلى سرد تداعيات القضية، مشيرة إلى دخول مسئولين كبار في الدولة، وأعضاء في البرلمان، وكتاب مقالات، في هذا الجدل بعمق. ولفتت إلى أن مجلس الوزراء "أدان اللافتات والشعارات التي تهدد الوحدة الوطنية، وقال إنها إساءة استخدام للديمقراطية والحرية"، كما وضعت تصريحا في السياق ذاته عن رئيس الوزراء انتقد فيه "اللافتات المثيرة للعداء".

أما رئيس مجلس النواب وقتها، خليفة الظهراني، فقد أدان اللافتة، بحضور رئيس الوزراء، وقال إنها بالون لاختبار الحدود المسموحة للخطاب المقبول، بينما هدّدت وزيرة التنمية وقتها فاطمة البلوشي، باتخاذ إجراءات ضد جميعة التوعية، في حين طالب النائب السلفي جاسم السعيدي بإزالة جميع اللافتات التي تسبب الانقسام في المجتمع البحريني.

تعرّج البرقية بعدها على مقال الصحافية الموالية للنظام، سوسن الشاعر، ومقالات كتاب آخرين، انتقدوا فيها ما أسموه "تسييس الدين بهدف الإضرار بالوحدة الوطنية"، ثم تورد البرقية ما قاله منصور الجمري، رئيس تحرير صحيفة الوسط، من أن الشعارات التي تبعث برسائل مشوّشة يجب أن لا تعلّق لتلافي أي صدامات، حتى لو كانت جمعيات دينية أخرى، قد وضعت في السابق لافتات دينية سياسية ترهب الطرف الآخر.

تعليق السفارة الختامي على التقرير

"بالنظر إلى خلفية المصادمات المتقطعة بين الشرطة وشبان شيعة منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2005، أحيت عاشوراء بخلو مميز من التوّترات أو العنف. نائب برلماني شيعي أكّد لموظفي السفارة أنه لن يكون هناك عنف خلال الحدث، قائلا إن "الشيعة يريدون أن يظهروا للحكومة وكل البحرينيين بأنهم يستطيعون حماية أنفسهم حين يعطوا الفرصة". الآن وقد انتهت عاشوراء، وعادت أجهزة الأمن البحرينية لفرض سيطرتها على الشوارع مجددا، فإن هؤلاء الذين يسعون إلى إثارة المواجهات، لا يشعرون بالعوامل النبيلة التي كانت تضغط عليهم ليتصرفوا كما فعلوا خلال أيام الذكرى. وفي حين كان المشهد هادئا في الغالب منذ نهاية عاشوراء، إلا أن الجو المشحون قد يعود حين ينزل مؤيدو الشبّان الـ 19 المعتقلين إلى الشوارع، وحين يقترب وقت الانتخابات التشريعية والبلدية".

2006: وكيل وزارة الشئون الإسلامية: الحسين لكل المسلمين، وهو يوحدهم ضد التحديات العالمية

وثّقت برقية أخرى أرسلت بتاريخ 19 فبراير/شباط 2006، اجتماعا جرى بين وكيل وزارة الشئون الإسلامية الدكتور فريد المفتاح، والسفير الأمريكي ويليام مونرو، في 7 فبراير/شباط 2006.

فريد المفتاح

وخلال الاجتماع، قال المفتاح للسفير إن وزارته تحاول أن تنشر الوعي بين السنة والشيعة قبيل مناسبة عاشوراء "رتّبت الوزارة ظهورا مشتركا لعلماء شيعة وسنة على برامج تلفزيون البحرين، لمناقشة التعايش، التسامع، التفهّم، والاحترام لثقافات الآخرين".

المفتاح قال للسفير إن معظم الجماهير تقبّلوا هذه الرسائل، لكنّه قال إن "بعض السنّة قالوا إن عاشوراء ليست يوما مقدّسا لديهم، وعليه فإنّهم لا يستطيعون أن يخطبوا عنها"، وقد كان رّده بأن "الإمام الحسين هو لكل المسلمين وليس للشيعة فقط. إنه يستطيع أن يخدم في توحيد المسلمين في وجه التحديات العالمية".

المفتاح أشار للسفير بأن بعض مساجد السنة، وتحديدا تلك التي تتبع التفسير السلفي الأصولي، تقيم برامج للتركيز على الهويّة السنّية خلال عاشوراء. ولمواجهة هذه الأعمال التي قد تكون مستفزّة، شجّعت الوزارة السنة والشيعة على الانخراط خلال المناسبات الإسلامية. "لقد نظّم زيارات لرجال دين سنّة إلى مآتم خلال عاشوراء، ليظهروا التفّهم، وليقلّلوا من الريبة".


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus