محنة أن تكون معارضاً من أصول فارسية شيعية.. عائلة درويش وأربعة أخوة يعتقلون في يوم واحد
2015-10-17 - 6:07 م
مرآة البحرين (خاص): ستبقى العوائل البحرينية ذات الأصول الفارسية ممتحنة دائماً، ممتحنة بولائها الذي سينسب إلى إيران دائماً، وبجنسيتها المهدّدة بالإسقاط لأي نشاط سياسي بسيط قد يمارسه أحدهم. وفي الحقيقة صار هذا هو حال كل السكان الأصليين من الشيعة في البحرين، الذين يعاملون بعنصرية فاضحة من قبل النظام البحريني، خصوصاً بعد أحداث 2011، لكنه ربما أكثر وقاحة في حال كانت الأصول فارسية.
يكفي أن أصلك فارسي
في يوم واحد اعتقل أربعة أخوة من أبناء عائلة خليل درويش، وذلك يوم الأربعاء 14 أكتوبر/ 2015، الإخوة هم إبراهيم (45 عاماً) واسماعيل (42 عاماً) وقاسم (38 عاماً) ومحمد (35 عاماً). اعتقل الأخ الأكبر إبراهيم من منزله في مدينة حمد حوالي الساعة الثالثة فجرا، فيما اعتقل إسماعيل من الشارع العام، واعتقل قاسم من مقر عمله بشركة (ألبا)، أما محمد الأخ الأصغر فقد اعتقل من شقته بمنزل والده في مدينة المحرق حوالي الساعة الثانية والنصف فجرا. وفي محادثة هاتفية لم تتعد الثواني، أخبر الأبناء عائلتهم أنهم متواجدون في مبنى التحقيات الجنائية. عدا هذا الاتصال، لا تعرف العائلة عن أبنائها شيئاً، ولا عن سبب اعتقالهم.
الأخوة الأربعة كانوا قد تعرضوا للاعتقال خلال ما عرف فترة (السلامة الوطنية) لما يقارب أربعة أشهر، وقد تم الإفراج عنهم لاحقاً لعدم ثبوت تهم عليهم. لكن عائلة درويش (كما البحرينيين جميعهم) تفاجأت في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 بإسقاط جنسية كل من إبراهيم واسماعيل، ضمن (31 بحرينيا) أسقطت جنسياتهم بقرار من الملك. كانت تلك هي المجموعة الأولى التي تسقط جنسيتهم منذ أحداث 2011، كان غالبية من أسقطت جنسيتهم ممن هم داخل البحرين ذوي أصول فارسية. لم تقم السلطات بتوجيه أية تهم أو قضايا لهم، ولم تكترث بتوضيح أي تبرير ولو شكلي لهذا الإسقاط، اكتفت بالقول إن «قانون الجنسية يجيز إسقاط الجنسية عمن يتمتع بها إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة»!
في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 قضت المحكمة الصغرى الجنائية بإبعاد 10 أشخاص مسقطة جنسيتهم عن البلاد وتغريم كل منهم مبلغ مئة دينار؛ كان بينهم إسماعيل وإبراهيم، ولا تزال القضية منظورة أمام القضاء.
اسماعيل خليل درويش |
إبراهيم خليل درويش |
عائلة رهينة لأب غائب
استهداف عائلة الحاج خليل درويش ليس جديداً، بدأ منذ أحداث التسعينيات، بسبب نشاط والدهم السياسي. تكرر استهداف النظام البحريني له مما اضطره إلى مغادرة البحرين والاستقرار في إيران. ومن أجل إجباره على العودة إلى البحرين قامت السلطات باعتقال جميع أفراد عائلته من نساء ورجال وأطفال، لم يستثن أحدا، بل لم تنج من الاعتقال أختين لدرويش، أحداهما في السبعين من عمرها والثانية في الثمانين. لم يعد درويش. قضى كل واحد من عائلته في السجن فترات متفاوتة. بعدها شُمّع بيته لمدة تقارب 4 سنوات.
ما تزال ابنة الحاج خليل ترجف بذاكرتها حين تذكر جريمة اعتقالها مع طفلها الرضيع وباقي عائلتها، كيف تم أخذهم كرهائن مسلوبي الحقوق والارداة، كيف تم التعامل معهم كجمادات يقايض بها. كانت يومها قد عادت للتو من إعطاء رضيعها جرعة التطعيم المستحقة له، وخلال اعتقالها ارتفعت درجة حرارته واستجدتهم أن يوفروا لها خافض للحرارة يناسب عمر طفلها لكنهم لم يستجيبوا ولم يكترثوا، بعد يومين وبسبب تردي الحالة الصحية لرضيعها أفرج عنها، كذلك أفرج عن الأختين العجوزتين بعد يومين من الإذلال، وأبقوا على الابنة الصغرى والتي كانت حديثة الزواج لمدة 45 يوماً.
لكن الرهينتين اللتين نالهما الحظ الأكبر من السجن هما إبراهيم واسماعيل، كونهما أكبر الأولاد الذكور. ظل إسماعيل معتقلا لمدة تقارب العامين بينما قضى إبراهيم ما يقارب خمس سنوات، وقد اختار كل من إسماعيل وقاسم الخروج من البحرين حينها خوفا من استهدافهم مرة أخرى ولم يعودا إلا بعد عفو 2001.
بعد أحداث 2011، عاود النظام البحريني فتح ملفه التسعيني الذي أُغلق مع إلغاء قانون أمن الدولة، فتحه بشهية العودة إلى الأصل، الأصل المتمثل في منح البطش قوة القانون، وراح النظام يصادر بالاعتقال كل من كان اسمه حاضراً في سجلات سجنه خلال تلك الفترة. عاد الاستهداف أكبر وأكثر عنفاً. لهذا جاء اعتقال الإخوة الأربعة خلال فترة (السلامة الوطنية) دون أي تهمة معروفة، حتى أفرج عنهم بعد 4 أشهر.
محمد خليل درويش |
قاسم خليل درويش |
حياتنا كابوس يومي
جنان زوجة اسماعيل المسحوبة جنسيته، تروي بحرقة: "ماذا يريدون، لم نهنأ في حياتنا، نعيش الترقب دائما، لطالما كانت عائلة زوجي مستهدفة، وبعد ضرب الدوار في مارس 2011 كنا أول المستهدفين، جاؤوا لاعتقالهم فاختاروا أن يختفوا خوفا من السجن والتنكيل، وبعد حوالي 4 أشهر اعتقلوا اسماعيل من نقطة تفتيش بعد أن رآه ضابط يعرفه منذ التسعينات، كما اعتقلوا أخوته محمد وقاسم فيما لم يتمكنوا من اعتقال إبراهيم".
تردف جنان: "تحولت حياتنا إلى كابوس يومي بكل تفاصيله بعد أن سحبوا جنسية إسماعيل في نوفمبر 201، كان هو ضمن المجموعة الأولى التي أعلنت وزارة الداخلية إسقاط جنسيتهم، ومن يومها بدأ مسلسل الاستهداف، كان صيدا ثمينا لنقاط التفتيش التي باتت تهدده في أطفاله وفي حرمانهم من التعليم والخدمات، كل نقطة تفتيش صارت محل رعب لنا مع تكرار توقيفه بسبب جنسيته المسحوبة، بتنا نخشى الخروج، نخاف نقاط التفتيش التي ستنكل به وبنا".
تضيف جنان: "من المواقف المؤلمة التي ما تزال تؤرق ذاكرة أطفالي، عندما أوقف والدهم في نقطة تفتيش وحوّل إلى مركز شرطة سماهيج، كان الوقت حينها قارب منتصف الليل، انتابتني الحيرة عندما اتصل بي المركز لجلب الورقة الخاصة ببياناته الشخصية في بطاقته الذكية، كانت البيانات تشير بـ " غير معرفة"، أطفالي كانوا نائمين، اضطررت لإيقاظهم وأخذهم معي، شهدوا أمام أعينهم كيف كان الضابط يهينني ويصرخ في وجهي، وأنا لا أملك أمام هذا غير الصمت".
صياد محترف بلا حرفة
كان اسماعيل هو المعيل الوحيد لعائلته، لديه مريم (8 سنوات) وعلي (3 سنوات). كان صياداً محترفاً. ومنذ استهدافه في رزقه الوحيد باتت العائلة بلا مصدر، فقد صادرت السلطات رخصة "الصيد المحترف" التي يملكها اسماعيل والتي تعادل قيمتها 15 ألف دينار، كما تمت مصادرة (القارب) الذي يعتمد عليه في صيد الأسماك.
في فبراير 2013 صادرت السلطة جواز إسماعيل، وأصبح أول شخص يصادر جوازه ضمن المجموعة التي أسقطت جنسيتها في نوفمبر 2012، وقتها كان ذاهبا لصيد السمك وهي مهنته الوحيدة التي يعتاش منها، ولأن جهاز تحديد الأماكن والجهات لم يكن محدّثا، فقد وصل إلى المياه الإقليمية لدولة قطر، اعتقلته القوات القطرية وحولته إلى النيابة العامة التي برأته من تهمة دخول المياه الإقليمية وسلمته إلى القوات البحرينية، عندما وصل إلى ميناء سلمان طلبوا من زوجته إحضار ما يثب شخصيته (الجواز والبطاقة) حتى يطلقوا سراحه، أسرعت الزوجة ولبت طلب القوات البحرينية لكنها رجعت بلا زوجها، تم تحويله على النيابة العامة، بعد يوم واحد أطلق سراحه. خرج، لكن جوازه ظل بحوزتهم وكذلك القارب الذي يعتاش عليه.
بعد حوالي عام من الحادثة استطاع استرجاع قاربه لكنه لم يكن يستطيع العمل عليه بسبب ملاحقة خفر السواحل الدائم له وتحويله إلى الأمن بسبب جنسيته المسحوبة، وقد اضطر إلى العمل كغواص بإحدى الشركات بدون عقد رسمي، لكن خفر السواحل عندما علمت بذلك استدعته وحول إلى الأمن الوطني للتحقيق.
أصول ما قبل الـ100 عام
"لا نعرف بلداً لنا غير البحرين، ولا نشعر بالانتماء لغير هذه الأرض التي تمتد جذور أجدادنا عليها لأكثر من 100 عام، ولا نريد غير أن تكون هذه البلاد هي الأفضل بكل ما فيها" هكذا تقول عائلة درويش الممتحنة. لكن هذه العائلة وغيرها العوائل ذوات من الأصول الفارسية، ستظل في عرف النظام متهمة بعدم الولاء للبحرين، ودائماً سيظل مطلوباً منها أن نقدم قرابين الطاعة والولاء المطلقين للنظام (لا للأرض)، كي يكفّ عنها، وستبقى أصولها الممتدة لما قبل 100 عام، هي عِيّارة النظام وعصاه الغليظة، التي يستخدمها في كل مرة للنيل من جرأة أحد أبنائها على معارضته.