» تقارير
البديع في يومها الثالث : الموت أو الحرية!
2011-12-18 - 8:14 ص
مرآة البحرين (خاص): أُجبرت قوات الأمن ظهر أمس على السماح بخروج مسيرة التشييع المهيبة للشهيد القتيل علي القصاب إلى شارع البديع العام، وذلك بعد إصرار المشيعين الذين توافدوا على المقبرة مبكرا وقدروا بعشرات الألوف. رغم ضرب مقدمة المسيرة في البداية بمسيلات الدموع كما أفاد أحد الشهود.
وفور وصولهم تنحّت قوات الأمن (الأجنبية) جانبا وتمركزت بالمئات قرب دوار البديع، منتظرة التعزيزات. وشكل مواطنون حاجزا فاصلا بين قوات القمع والمسيرة حماية لها ومنعا لأية استفزازات.
لكن المتظاهرين الذين خططوا لاحتلال ضفتي الشارع منذ الأربعاء الماضي، وسقط لأجل ذلك هذا الشهيد الذي يشيعونه، استبقوا تحرك الأمن، واحتلوا الشارع فعلا.
مشتقات اللؤلؤة
على الفور، رقمت النخيل، ونصب محتجون بعض الخيام الصغيرة، استعدادا لما يمكن أن يكون اعتصاما مفتوحا، افترش شباب أرصفة الشارع، وجلست فتيات في منتصف الدوارات، في حين رفعت نداءات لجلب مزيد من الخيام، في اشتقاق آخر لميدان اللؤلؤة، مركز الاحتجاج التاريخي الذي هدمه النظام ويحتله منذ 9 أشهر إلى الآن.
صورة تذكرك بفتح الدوار الثاني، كثيرون استغلوا لحظة السلم من جانب قوات الأمن، واقتربوا منها مرفرفين بأعلامهم وورودهم، أحد الشرطة وقف يعاين باستغراب إعلانا كبيرا يحمل صورة طفلة صغيرة تشير إلى علم البلاد المعلق كوسام جهة قلبها!
علامة النصر رفعها أحد المتظاهرين في وجه المرتزقة. وهم لا يحركون ساكنا. في حين أصرت فتاتان على التقدم بورودهما نحو العساكر. الشباب الملثم كان يقف محاذيا إلى العسكري دون تماس هذه المرة. بدا الأمر وكأن احتلال شارع البديع قد نجح فعلا!
دوار الخواجة
على أمل التأثير في المرتزقة، البعض رسم على الجدران صورة الورد، مع شعار الثورة "سلمية سلمية". لكن كثيرا من المعتصمين كانوا على يقين بأن القمع آت آت لا محالة، فاستعد بعضهم بلبس الخوذة والقفازات وتجهيز اللثام وحمل قنينات من المحاليل المقاومة للغازات الخانقة.
انتشر المعتصمون على طوال شارع البديع من الشاخورة إلى أبو صيبع، وتحديدا عند دوار "الخواجة" تكثف حضورهم، اصطفوا بثبات، ظهورهم إلى مجمع "كونتري مول"، ووجوههم إلى الضفة الأخرى، حيث كانت قوى القمع تشكل ثكنة عسكرية بأعداد مهولة.
يستقبل المعتصمون التعزيزات الأمنية بالتصفيق وبهتاف "منصورين والناصر الله"، لاحظ أحدهم تغيرا في اصطفاف المرتزقة...إنها تشكيلة الهجوم!
غارة الكونتري مول
يظهر شريط فيديو مصور بوضوح كيف أغارت قوات المرتزقة على المعتصمين الذين أخذوا جانب مجمع كونتري مول.تماما كالمغول، جنود يركضون بكل وحشية للانقضاض على المتظاهرين وإيساعهم ضربا وتنكيلا ومنعهم من الهرب قبل نيل العقاب. كل ما في يد المرتزق نافع، وإذا احتاج فإنه يرفع حجرا من الأرض لإكمال المهمة، مهمة "رجل الأمن" هي إصابة أكبر عدد ممكن لا تفريقهم.
تغطي الغارة المغولية قنابل الغاز الذي يظهر بوضوح أنه أطلق مباشرة نحو رؤوس المتظاهرين..وليس إلى الأعلى، تساند قنابل الغاز التي لم يتوقف صوت إطلاقها المتتابع والمكثف، القنابل الصوتية والرصاص المطاطي وحتى الرصاص الانشطاري هذه المرة.
يظهر جليا بأن اليد الآثمة لا تفرق بين النساء والرجال، بل ربما تتعمد ضرب النساء. يلاحق المتظاهرون رغم تفرقهم ومحاولتهم الفرار، يلجأون إلى المجمع، غليل الكتيبة الغازية ومن دفعها لم يشف بعد، يعتدون على طاولات مقهى كوستا، ويعيثون فيه فسادا وتخريبا.
ثم بهدوء شديد وعلى مضض، يتوقف الزحف، بناء على ما يظهر أنها "أوامر" بالتراجع، بعد "أوامر" سابقة بالهجوم "الممنهج"!
دون سابق إنذار أو أمر بالتفرق، هكذا يصف العديد من الشهود هذه الهجمة الغادرة، أحدهم المصور البحريني مازن مهدي. داخل المجمع تتشكل بداية مشهد الجريمة، تدافع مخيف في الدخول أسقط البعض أرضا. رجال ونساء ألقوا بأنفسهم وهم في انهيار. نساء وفتيات غبن عن الوعي، وعلى الأرض دموع ودماء!
مشاهد الموت والصمود
حسين حبيب الذي كان متواجدا في المجمع قال لمرآة البحرين "رأيت طفلة ضربها مرتزق بالهراوة على رأسها ويديها، وبعدما سقطت داس عليها، غابت عن الوعي وأصابها بكسر في إصبعها، وألقيت في المجمع"
"أولى الطلقات وقعت جهة النساء والأطفال الذين ذعروا وتدافعوا" يقول حبيب ويضيف "كان المرتزقة يركضون بسرعة وكأنها حملة في حرب". حمل الشباب امرأة مغمى عليها وهم يقاومون الطلقات ويدخلون في سحابة غاز تلو الأخرى. امرأة أخرى استفردت بها قوات القمع، حاصروها عند جدار، واعتدوا عليها، أمام عيني الكاميرا.
نجح أحد المصورين في التقاط صورة رصاصة مطاطية غادرة تصيب أحد المتظاهرين السلميين وهو يقف خلف الحواجز التي وضعت لمنع تقدم المرتزقة رافضا الهروب من الموقع. متظاهر آخر ظل واقفا بكل شجاعة على بعد أمتار من المرتزقة محافظا على العلم عاليا.
الشباب كانوا في استقبال القنابل، التقطوا بعضها بقفازات الأيدي، وأخمدوها أو ألقوها بعيدا.الناشطة آلاء الشهابي كانت هناك "أنا في المنتصف، لا أستطيع أن أرى ماذا يحدث في طرفي الشارع، أستطيع أن أسمع أصوات الإطلاق بكثافة رهيبة فقط" وبعد قليل "أستطيع أن أرى القوات تتقدم الآن. يبدو أنني يجب أن أبدأ بالجري"
تحدثت الشهابي لمرآة البحرين، أكدت أن الشباب بدوا مستعدين لما هو أسوأ وأظهروا صمودا لا يصدق. "إنهم يتجهزون للثبات في وجه القوات"
لا أرى أمامي سوى العلم والنخلة
شدة القمع تطلبت امداد المرتزقة بذخيرة إضافية بعد أن نفدت منهم، وهم يواجهون المتظاهرين العزل أمام مجمع الكونتري مول. محطة جواد أغلقت لعدم قدرة الموظفين على البقاء في الخارج جراء كثافة مسيلات الدموع في المنطقة.
أعمدة الدخان تتصاعد، مئات الشرطة في وحدات على طول شارع البديع، شارع القرى الشمالية كان محتلا تماما، ولكن..من قبل مرتزقة النظام ومخابراته الذين صور بعضهم وهو يحمل ألواحا ليتصدى بها للمتظاهرين.مجمع كاونتري مول محاصر. القرى محاصرة. الأحياء والشوارع الداخلية يترجل فيها المرتزقة مشاة. الخروج ممنوع والدخول ممنوع. وكل شيء يتحرك مستهدف، بل حتى النخيل كانت مستهدفة.
فتيات مفقودات توزعن على البيوت، وفقدن الاتصال بأهاليهن. بعض من لجأ إلى البيوت خوفا من قمع المرتزقة، اضطروا للخروج من السطوح أو الأبواب الخلفية خوفا من مهاجمتهم بعد الحصار الشديد الذي فرض عليهم، والطلق الذي صار يصوب إلى المنازل.
شهدت الساحات المفتوحة محاولات لدهس المتظاهرين، وملاحقات بربرية لهم في الأحياء والمزارع وكل مكان. أحد المتظاهرين قال بعدما أحس بالنجاة "لقد رأيت الموت يلاحقني"
الحصار الذي امتد لساعات جعل حسين حبيب يرسل رسالة لمتابعيه عبر تويتر "يبدو أنهم يستعدون للهجوم علينا أو ينتظروننا أن نخرج لتعذيبنا وربما سجننا...نوصيكم بمواصلة النضال من أجل الوطن ومستقبل الأجيال"
حاصر حصارك لا مفر
غادرت الشرطة أبو صيبع، وعاد بعض المتظاهرين إلى الشارع فورا. بدا التعب واضحا على عناصر الشرطة. يقول أحد الشهود.
فور مغادرتهم، خرج المتظاهرون من البيوت وأعادوا التجمع بالمئات. يقول عاشور "خرجت من المنزل وأنا أشترك في تظاهرة الآن داخل أبو صيبع" تتعرض المظاهرة للقمع من جديد. يدخل عاشور بيتا آخر. كل البيوت مفتوحة.
حين خرج الشباب من المجمع بعد أن استطاعوا إخراج الأطفال والنساء، كان الكل يقول "لا بد من الرد على هجمات المرتزقة إن هاجمونا هذه المرة، هذا الوضع لا يمكن القبول به" بحسب الشاهد حسين بن حبيب الذي كان متواجدا في المجمع.
يقول علي الحجيري، وهو أحد المشاركين، كان المتظاهرون يهتفون: "العالم أمسى يتفرج"، فما يرونه من العالم ليس إلا اختيار إحدى الصور الفوتوغرافية لقمعهم كأفضل صورة في العام. قمعهم وتضحياتهم تباع في سوق الإعلام الدولي، ولا مجيب.