الضابط ساخراً من المعتقل محمود العرادي: "ليش تبي تشوف أهلك وأنت ما تشوف"
2015-07-07 - 1:49 ص
مرآة البحرين (خاص): تلك العبارة، قالها الضابط مستهزئاً، للمعتقل الشاب محمود عبدالله العرادي (21 عاما)، عندما طلب زيارة أهله بعد أن صار فاقداً للقدرة على الرؤية بسبب الإهمال الطبي المتعمّد من قبل إدارة سجن جو، خاصة بعد أحداث (10 مارس). أصيب بالتهاب حاد في عينيه وجفافاً أدى إلى تساقط رموشه بين يديه، تطوّر الوضع مع استمرار الإهمال إلى أن يفقد القدرة على الرؤية أو حتى فتح عينيه، وأصبح الشاش الملفوف حول عينيه ملازماً له في كل تحركاته، ولم يعد قادرًا على الحركة دون مساندة زملائه وتوجيههم.
كان محمود قد اعتقل في أكتوبر 2014. في زيارتها الأخيرة له في 23 يونيو 2015، وجدته عائلته بحالة موجعة ومقلقة نفسياً وجسدياً: "لم يكن محمود قادراً على فتح عينيه، ولم نستطع رؤية السواد في عيونه، كان سواد عيونه شاخصاً إلى الأعلى. لم يعد قادراً على رؤية شيء. خمسة أشهر من الإهمال حتى الآن ومحمود يذهب نحو العمى الكامل" يقول والده.
طوال لقائنا مع عائلة محمود، لم تتوقف دموع والدته المكسورة من السيلان، فنور عيونها لم يعد يبصر النور: "لم يكن محمود يعاني من أية مشاكل في عينيه قبل دخوله السجن. بل لم يكن يعاني من أي مرض في جسده أو عيونه. تفاجأتُ عندما أخبرتني الناشطة "ابتسام الصايغ" في 6 فبراير 2015 أن ابني يشكو من عينيه. توجّهت من فوري إلى مستشفى السلمانية ظنّاً مني أنه يتلقى العلاج هناك، لكن خاب أملي".
في المرة الوحيدة التي أُخذ فيها محمود لعيادة العيون بمستشفى السلمانية، لمحه أحد المعارف فاتصل بعائلته وأخبرهم. على الفور توجهت والدته ووالده إلى المستشفى فكانت المفاجأة: "رأيت ابني يقاد إلى غرفة الفحص من قبل رجال الأمن. ألقيت نفسي عليه ورحت ألثمه وأقبله وأحضنه وسط دموعي وحسرتي، كان يبكي في حضني مثل فاقد كبير وطفل صغير. منعني رجال الأمن عنه، لم آبه بهم أول الأمر، لكن خوفاً عليه من أن يتعرّض للإيذاء بسببي ابتعدت".
والده اختار أن يظل واقفاً قرب ابنه دون أن يلتفت إليه رجال الأمن. جلس يراقب ابنه وخطوات الفحص التي كانت تطبق عليه حتى انتهى كل شيء وأخذ إلى السجن، عندها توجه للطبيبة التي تابعت حالة محمود يسألها عن حالة ابنه. طمأنته الأخيرة: "الحمد لله، لم تتأثر الشبكية بعد، لكنه يعاني من التهاب وجفاف حاد جدا أدى لسقوط رموشه".
كان ذلك قبل أحداث 10 مارس الأخيرة، بعدها تعمّدت القوات الأمنية التي داهمت السجن، بإلقاء أدويته في القمامة. أصبح محمود بلا دواء ولا علاج. تحول لون الشاش الملفوف حول عينيه من الأبيض إلى الأسود بعد أن ظل على عينيه دون تغيير لأكثر من شهرين. لم تفلح مناشدته لقوات الدرك الأردني بتوفير دوائه الخاص وتغيير الشاش الذي امتلأ غباراً وأتربة، وزاد عينيه التهاباً بدلاً من أن يحميها من أسباب الالتهاب.
قوات الدرك الأردني التي سيطرت على سجن جو بعد أحداث مارس صارت تتفنن في تعذيبه "صار ظهري كالفراشة الملوّنة" يقول لعائلته. وكان الدرك يتعمد تعذيبه بشكل خاص في موضع وجعه؛ عينه المصابة، تُلقي عليه الحجارة اعتقادا منها أن إصابته سببها محاولات تفجير قام بها وعلى إثرها اعتقل. ولم تفلح محاولاته في إفهامهم أنه أصيب بعينيه في السجن وأنه عندما اعتقل كان سليماً.
في مايو 2015، نقل العرادي إلى سجن الحوض الجاف ضمن من تم نقلهم، وهناك كشف عليه الطبيب المسؤول واعتبر حالته طارئة تستدعي نقله إلى مستشفى السلمانية. لكن نقله غير ممكن دون إذن إدارة سجن جو التي تمنع إرسال المرضى للمستشفى رغم خطورة الوضع الصحي لبعضهم.
تقدمت عائلة محمود بشكوى تحمل الرقم (02-15123) إلى الأمانة العامة للتظلمات لدى المحقق (علي الدوي) و(فيصل...) بعدما رفضت إدارة سجن جو مواصلة العلاج والإلتزام بمواعيد المستشفى. تلقواعلى إثرها وعودًا بمتابعة الأمر، لكن لم يحدث أي تطور. وبعد أحداث سجن جو صارت المتابعة أكثر صعوبة مع منع العلاج والاتصال والزيارة.
لا يختلف محمود عن بقية الشباب البحريني المستهدف وحرمانه من إكمال تعليمه، فقد أُدخل السجن في 2010 بتهمة حرق محول كهربائي. كان حينها طفلا يبلغ من العمر16 عاماً. حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لكنه قضى منها 7 أشهر. خرج بعد إجطلاق سراح السجناء خلال أحداث فبراير 2011. لم يلبث محمود خارج السجن طويلاً، فبعد دخول قوات درع الجزيرة البحرين واقتحام دوار اللؤلؤة، تمت إعادة كل المسجونين سابقاً ومعهم المئات ممن كانوا خارج السجن. تعرّض محمود لعدة اعتقالات بتهم التجمهر والشغب، مما اضطره إلى التخفي لمدة عامين، قبل أن يعتقل في كمين مخابراتي من بيت أخته في أكتوبر 2014. كان مكتمل الجسم حين تم اعتقاله، وهو الآن بعين غاب نورها، وما لم يتم تدارك ما يمكن تداركه، فسيغيب نور عين محمود إلى الأبد.