آسيا خلف: أبا مقداد .. الوفاء بالتغيير
آسيا خلف - 2015-06-10 - 5:58 م
آسيا خلف*
لستُ أبالغ حينما اقول بأن البحرين قد فقدت طاقة شبابية مشتعلة بالحب والانسانية والعطاء الديني والمعنوي والاجتماعي بين اوساطها .. أسمها "محمد المخوضر" وكنيته "أبامقداد".
وكما كنتُ أنا .. كانوا كذلك أصحابه من الكتّاب والشعراء والرواديد والمدوّنين .. وكذلك كانت وسائل التواصل الاجتماعي حسابات تويتر والانستقرام والفيسبوك التي ضجّت بخبر موته ونعاه الشعراء والرواديد الحسينيون كلٌ بقريحته.. وكلٌ حسبما يرى وجع فقده أين سرى في اجسادهم وقلوبهم وثنايا دقائق يومهم..
لستُ أهلاً بسرد صفات أبي مقداد ربطتني به علاقة أخوة ولم يربطني به عمل كسائر أصحابه الشعراء والرواديد المكلومين لفقده ولا لوم لحزنهم وبلا شك ربطتني به نقاشات لا يجهلها من يعرفه تتجسّد في الرغبة في التغيير نحو الأفضل والأسمى لروح المجتمع سأذيّل بها مقالي هذا.
أبا مقداد جسّد العلاقة الروحية بين الجميع فكان في أسرته نعم الإبن .. نعاه والده بخيبة الآمال بعد فقده .. وتحسّرت أمه على ذويّ غصنه مبكراً .. ولا ندري ماتحمل الغدير ابنته من اشتياقٍ لرائحة أبيها.
"كنت أتناول غدائي معه بجانبي .. ركبتي ملاصقةً لركبته" .. هكذا تذكرت أخته عقيلة تفاصيلاً لحياتها مع أخيها لم تكن تتوقع بأنها قد تكون مهمّة ومفقودة يوماً ما.
ومع الرواديد الحسينين والشعراء .. خلق محمداً درباً مؤلماً من الفراق والبين لا ينتهي .. فقد ترك فراغاً كبيراً في مجال الشعر وخلّف وراءه قصيدة الحزن والألم أسمها "رحيل أبي مقداد".
وفي مدونة "ارتقاء" التي أضحت عالماً خاصّاً بأعضائها يلامسون في كتاباتهم قضايا إنسانية ومجتمعية تحاكي الواقع البحريني .. كان يدوّن محمدٌ فيها أفكاره ورؤاه بشكل أسبوعي.. ترك بفقده ركيزةً أساسية أخلّت برحيله توازنها .. سيفتقدها زملاؤه وسيندبون رحيله في مقالاتهم اللاحقة.
"أنت في كل حقيقة وجودك قصيدة لن ينطقها بشر..
عصرةٌ في قلبي.. أخفيها.. أداريها" هكذا وصف شعوره السيد محمد العلوي الذي شاطره التدوين ونشاطات أخرى..
"ماتخيلت أشوفه جثة" "ما قط خانتني الكلمات بقدر هذه المرة" .. هذا ما وصفته زميلته الناشطة والمدوّنة إيمان الحبيشي ..
وعن التغيير .. حدّثني محمداً بأنه عاش صراعاً عمره ستة شهور .. مابين الحق والباطل استشفّ منه أخطاءاً جسيمة مارستها أفراد مجتمعية أفرزت مجتمعاً مختل التوازن .. طالب بضرورة البدء بترميم مجتمع قد دمرته الأنا والطائفية والنرجسية وحب الذات والدنيا.. والسعي نحو تطبيق قيم الحسين بن علي عليه السلام واقعاً قبل أن تخطّها أقلام الرثاء والشعر والسياسة وحقوق الانسان ..
وفي مجال حقوق الانسان ..أوصى بضرورة تطبيق مبادئها في أنفسنا قبل السعي في خدمة الآخرين والناس والضحايا.
وهذه رسالة أوجهها لكل ناشط وساعٍ للمطالبة بحقوق الآخرين وخدمتهم إنسانياً بتغيير الذات وتطبيق قيم الدين الاسلامي والانسانية وحب الناس وتقديمها على حب الظهور والعُجب بالنفس والتسابق على جروح الناس وامتطاء ظهور البؤساء بل واستثناء الطاقات الشبابية وركنها في زوايا المجتمع بُغية الاستئثار بالشهرة والارضاء الذاتي.
أن نمارس سياسة جرّ الطاقات الشبابية المدفونة في المجتمع وإشعال جذوتها لخدمة المجتمع والانسانية بدلاً من استثنائها وشحذ هممها وانتظارها تُقتل في حين أن المجتمع بحاجة لها.. أن نكفّ الألسن والممارسات التي تقتل تلك الطاقات عبر المضيّ قدُماً نحو التغيير.. ولاتعوّض طاقةٌ أخرى كما لن يعوّض فقد أبا مقداد شاعراً آخر..
أن نترك تلك الشوائب نحو إعلاء كلمة الحق ونشر المظلومية وبثّ الانسانية في المجتمع البحريني التي أشابت قضاياه شعر "العطاء الحقيقي الذي لا تشوبه الأنا".
أبا مقداد شخصية شبابية بسيطة في المجتمع لها أثرها في الحياة والممات .. وأوصى بضرورة التغيير من أجل جيلٍ أروع وأنقى.. ومسؤوليته تقع -كما ذكرها لي- عليه وعليّ وعليكم وعليه هو وهي وهم.
أبا مقداد أراد التغيير لمجتمعه بنفسه وبي وبكم .. هكذا يكون الوفاء للطاقات الراحلة .. فلنسع إلى ذلك..لم يفت الأوان .. لستُ أدّعي الكمال .. سأسعى لذلك التغيير في وطني .. فهلاّ تمدون أيديكم معه ومعي؟
*ناشطة ومدونة.