» تقارير
خلية الشيخ المسترشد: الكاميرا العورة
2011-12-03 - 10:17 ص
مرآة البحرين (خاص): على غير عادة المداهمات الليلة الشهيرة، والتي وثقها تقرير لجنة بسيوني وقبله عدد كبير من المنظمات الحقوقية العالمية، لم (يقتحم) منزل علي المسترشد (30 عاماً) رجال ملثمين، ولم تُكسر الأبواب، لم يضرب، بل العكس هذه المرة. ثمة شيء مختلف كان يرافق رجال الأمن هذه المرة، كاميرا توثق حدث الاعتقال بالصوت والصورة خطوة خطوة، منذ الطرق الأول على باب الشيخ (علي المسترشد) من الخارج، وحتى ركوبه سيارة الأمن ومغادرته. لهذا نفذ كل شيء بشكل مغاير تماماً. هذا ليس كل شيء، التفاصيل تأتيكم.
في تاريخ 11 نوفمبر، قبل أيام قليلة من إصدار تقرير لجنة بسيوني، الساعة الثالثة والنصف فجراً، يدق جرس باب الطابق الذي يسكن فيه والدا المسترشد، يطلبونه، يخبرهم الأب أنه يسكن الطابق العلوي، يدقون الجرس الآخر، وكاميرا الفيديو عين تثبّت دق الجرس. يصعدون، يُطرق الباب طرقة واحدة، يدخل 5 رجال غير ملثمين يرتدون ثياباً مدنية، اثنان يمنيا الجنسية وثلاثة بحرينيين، يسلمون باحترام، يصافحهم المسترشد باليد، وكاميرا الفيديو توثّق مشهد الاحترام. يُخرج أحدهم ثلاث أوراق، الأولى بها صورة المسترشد، والثانية أمر بالتفتيش، والثالثة مذكرة اعتقال بخط اليد، يريها جميعها للمسترشد، وكاميرا الفيديو تثبت مشهد الأوراق. يستأذن المسترشد أن يدخل الحمام ويستبدل ثيابه، يُسمح له، والكاميرا توثق مشهد السماح.
يفتشون جميع أنحاء البيت، تختفي علبة تحتوي على مبلغ من المال خاصة بابن المسترشد الأول (محمد) الذي لم يكمل عامه الأول بعد، الكاميرا لا توثق مشهد السرقة التي قام بها أحد اليمنيين. يتم أخذ (الهارديسك) والأقراص المدمجة من المكتبة، تتخلخل تحت قدم أحدهم إحدى (سراميك) الأرضية، يقومون بكسرها والبحث ما إذا كان شيئاً مخبوءاً أسفلها، لا يجدون شيئا، يأخذون المسترشد وينزلون بكل هدوء، يطمئنون عائلته: "لا تقلقوا، مجرد تحقيق، غداً سيكون بينكم"، والكاميرا توثق مشهد الطمأنة. يطلب لحظة أخيرة للسلام على أهله، يقولون له بكل لطافة: تفضل، يسلم على عائلته، ويعود، ليركب سيارة الأمن، وتنطلق به بسلام، والكاميرا توثق سلامة الانطلاق.
الكاميرا العورة
هكذا ينتهي الجزء المراد له أن يكون موثقاً بالكاميرا، ليبدأ جزءاً آخر لا يوثّق، خلف ظهر الكاميرا. ثلاثة أيام من الانتهاك المفرط، لكن المعتاد في السجون البحرينية: العيون المعصبة، الوقوف المتواصل دون جلوس ودون نوم ودون أكل، الضرب على الرأس بلا توقف، انتزاع الاعتراف تحت التعذيب، التوقيع على الاعترافات دون رؤيتها، الإهانة والإذلال. ثلاثة أيام كفيلة أن تسبب أزمة قلبية للشيخ علي المسترشد، خفقان قلبي غير طبيعي، السجن يرتبك، المعذبون يفزعون، هل ستكون هذه فضيحة جديدة تنتظر السجون البحرينية في وقت يفصل بينه وبين تقرير بسيوني أقل من أسبوع؟ حالة طارئة تعم السجن، ضباط برتب كبيرة يتوافدون على زنزانة المسترشد، يسألون عن صحته، كان لا بد من تدارك سريع، يُنقل المسترشد من فوره إلى عيادة القلعة، الخفقان يستمر، عيادة القلعة لا تتوفر على أجهزة دقيقة لفحص القلب، الطبيب غير مطمئن للحالة، يطلب تحويله إلى المستشفى العسكري، الارتباك يزداد والخوف من تداعيات فاضحة ليس وقتها، ينقل المسترشد من فوره إلى المستشفى العسكري، يعرض على جهاز لفحص القلب ثلاثي الأبعاد، قيمة الفحص 600 دينار. لا بأس، المهم تدارك فضيحة محتملة. تظهر نتائج الفحوصات، القلب سليم لكن ما حدث هو بسبب ما تعرض له من إنهاك وتعذيب. يتنفس المعذبون الصعداء.
فئران التعذيب
تنتشر الأخبار في الخارج، تقرير بسيوني على مسافة أيام، لا بد من إخفاء فضيحة التعذيب، يتصل أحد رجال الأمن من هاتف أرضي من السجن، يطمئن عائلته أنه معافى وبخير، وأنه لا داعي للقلق. ثم يُسمح للمسترشد بطمأنة عائلته بنفسه. منذ اليوم الأول للاعتقال، يقضي كل واحد من المتهمين الخمسة بقضية ما يعرف بالخلية، في حبس انفرادي. سجون قذرة تزاحمهم فيها فئران كبيرة الحجم، يشتكي إلى السجان، يجيب الأخير بسخرية: هذه الفئران تعمل معنا. يحتج المتهمون بسبب الحبس الانفرادي، يقومون بالاضراب عن الطعام، يبقون لأيام قبل أن يتدارك سدنة السجن الأمر، أخيراً يوضع الجميع في سجن واحد في آخر يوم من شهر نوفمبر. بعد تسليم تقرير بسيوني في 23 نوفمبر، يزداد الاضطراب عند سدنة السجون. يأتي أحد المعذِبين ليسأل أحد المُعذبين: هل ضربتك؟ يجيب الأخير: نعم ضربتني. فيرد عليه مخففاً: لكني لم أضربك كثيراً أليس كذلك؟
خلية المسترشد
علي المسترشد، طالب العلوم الدينية، والمهتم بالموضوعات الاجتماعية بعيداً عن الشأن السياسي، يعامل اليوم بوصفه المتهم الأول في قضية ما يُعرف بالخلية، عليه الاعتراف بأنه درب 200 شخص على أعمال إرهابية، وأنه مع باقي المتهمين ينوون تفجير جسر الملك فهد وأماكن حيوية أخرى، لا يحق لك أن تنكر، عليك أن تعترف وتمضي على اعترافات لم تضعها. المحامي محمد الجشي حاول الوصول إلى موكله طول الفترة السابقة، ثلاثة أسابيع تفصل بين اعتقال المسترشد وبين اللقاء الأول بينه وبين عائلته، وبينه وبين محاميه، التقى به الجميع يوم الخميس 1 ديسمبر.
النيابة الآن تقرر حبس المتهمين بالقضية الوهمية 60 يوماً على ذمة التحقيق، مضى منها 20 يوما. يواجه المتهمون الحبس والتهمة فيما لم يضبط معهم أية أسلحة أو أدوات أو أجهزة غريبة. بل لم يعثر عندهم حتى سكاكين خاصة بقطع الفواكه كما ألصقت بالأطباء، ولا حتى سلاسل عزاء، ولا أي نوع من السلاح الأبيض أو غير الأبيض، لكنهم مع ذلك يبقون على ذمة تهمة لا أساس لها، ويبقى عليهم أن ينتظروا حبكة تصاغ لهم في ال40 يوماً الباقية، خاصة مع تسريب أخبار عن محاولة جر أسماء أخرى من رجال الدين الشباب، داخل نفس القضية المستهلكة، والتي تكرر الحكومة استخدامها في كل مرة تشهد فيها البلد أية حركة احتجاجية.