الحُكم على الشيخ علي سلمان ... الحُكم على الفرصة الأخيرة
2015-06-04 - 3:06 م
"اعتقلوني طوال حياتي، اعتقلوا زوجتي، اعتقلوا إخوتي، اعتقلوا ابني مجتبى ذي الـ 18 ربيعاً، واعتقلوا بعده بنتي نبأ ذات الخمسة أعوام، ليس لكم شرعيةٌ شعبية، لو وضعتمونا جميعاً في السجن، لن نعطيكم هذه الشرعية" الشيخ علي سلمان 20 سبمتبر/أيلول 2013
مرآة البحرين (خاص): يعلم من يقف خلف المحاكمة السياسية لزعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان، إن الحُكم المتوقع صدوره بحقه سيقضي على الفرصة الأخيرة لحلّ توافقي يؤَمّن التعايش بين الغالبية الشيعية والنظام الاستبدادي المتمثل بأسرة متسلطة اسمها آل خليفة.
لم يكن الشيخ علي سلمان (50 عاماً) شخصاً طارئاً على الساحة السياسية أبداً، فبصمته في التسعينات كانت واضحة، ويرجع البعض شرارة انتفاضة الكرامة في تسعينيات القرن الماضي إلى أشخاص محددين بينهم الشيخ علي سلمان، الذي تعرّض للاعتقال وكان السجين رقم 5181. واكتشفت السلطات مبكراً (حينها) تداعيات استمرار اعتقال هذا الشاب الثلاثيني، فقررت إبعاده قسراً من البحرين، ليتخذ من عاصمة الضباب (لندن) مقراً مؤقتاً لإقامته حتى حين.
نضج سلمان كثيراً، قرأ في المهجر الكثير من الكتب عن الدولة المدنية، والحُكم الإسلامي وتأثر بكتب صديقه في المهجر راشد الغنوشي عن الحكم الإسلامي (الحريات العامة في الدولة الإسلامية، الحركة الإسلامية ومسألة التغيير)، وعاد للبحرين حاملاً مشروعه السياسي، السعي الحثيث نحو مملكة دستورية، توافق بين الأسرة الحاكمة والشعب الذي حاربته منذ دخولها غازية قبل قرنين ونيف من الزمن.
علم سلمان أن أول خطوة في السير نحو مشروع سياسي للتحول الديمقراطي سيحتاج أحزاباً سياسية، وعليه أنشأ ورفاقه الوفاق (المهددة بالحل في أي وقت الآن)، ودخلوا المعترك السياسي العلني من أوسع أبوابه، واستمر سلمان باحثاً عن حلول لتطوير العملية السياسية، لكن الأبواب أوصدت مع أذرع خالد بن أحمد المنتشرة كالسرطان في مفاصل الدولة، سابق سلمان أحلام المواطنين، قبل دخوله البرلمان خاض نقاشات عديدة مع القاعدة الشعبية والحزبية بهدف إقناعهم، يومها في (2005-2006) عرضت عليه الكثير من الأفكار، وذات يوم في جلسةٍ خاصة، عرض أحد الحاضرين فكرة التحول إلى نواب متحالفين بصورة وبأخرى مع الحُكم للحصول على امتيازات، ووجوب البحث عن توافق مع الملك في ذلك كما هو حاصل مع النواب الشيعة في الكويت، خصوصاً وإن السلطة تحاول تقديم بعض المغريات للوفاق لدخول المعترك النيابي الذي قاطعته في 2002.
رفض سلمان تلك الفكرة، قال يومها إنه غير مستعد للدخول في توافق قصير النظر، "ماذا سنكسب منه، بإمكان السلطة أن تنقلب علينا في أية لحظة، ليست هناك ضمانات، وقد جربناهم في الميثاق وجنينا دستور 2002، كما أن التجربة الكويتية ليست متقدمة، هناك العملية السياسية تسير وفق نظرية تأجيل المشاكل بدلاً من حلّها وقد تنفجر في أية لحظة"، ومنذ تلك اللحظة سمع الكثير من المحازبين كلاماً صريحاً لسلمان، عن التحول الديمقراطي التدريجي، والوصول إلى مملكة دستورية حقيقية، فيما رأى البعض ذلك حُلماً يستحيل تحقيقه.
وفي جلسةٍ خاصّة أخرى بـ 2006، تحدث البعض عن الدخول في معارضة شديدة مع الحُكم، تصل إلى التظاهرات والمسيرات الحاشدة وخطوات تصعيدية أخرى، ابتسم سلمان قائلاً "السعودية يفصلنا عنها جسر ببضعة كيلومترات، إن أي تهديد حقيقي لنظام الحُكم سيأتي بالدبابات السعودية للمنامة"، فيما كان الحاضرون يستمعون إلى سلمان، رأى بعضهم كلامه غير واقعياً أو تنظيرياً يراد منه إقناع الآخرين بقناعة يحملها قائد الوفاق.
سنوات قليلة حاول فيها سلمان أن يسابق المواطنين في تلك الأحلام، لكن بعض الشباب البحرينيين المحبين لوطنهم ساروا نحو حلم سلمان بخطىً أسرع في 14 فبراير/شباط 2011، ولذا قال سلمان كلمته الشهيرة "لاعودة إلى ما قبل 14 فبراير".
في لحظة كان يبدو كثيرون فيها يائسين من الوضع العام بالبلاد، كان سلمان كلّه حيوية وثقة واطمئنان بحتمية تحقيق تلك المطالب، قال يوماً "قد نحتاج إلى 10 سنوات لنصل إلى المملكة الدستورية"، وفي مقابلةٍ مع مرآة البحرين قال "دعها تطول ولتكن الأخيرة".
يعلم الحُكم كل ذلك وأكثر، ومع اندلاع ثورة 2011، حاول سلمان دائماً تقديم الحلول المقبولة من الجميع، أو لنقل الحل الذي يرضي أطياف المعارضة، ولا يسلب من الأسرة كل شيء، سنبقيكم معززين في مواقعكم، لكن بلا حُكم حقيقي، إلا أن آل خليفة بكل أطيافهم لم يكونوا مستعدين لذلك التنازل وإن بعد أكثر من قرنين من تحكّمهم وحكمهم، "فليكرهني كل هذا الشعب، سآتي بشعبٍ بديل، يحبني ويرقص فرحاً في مناسباتي وبجيشٍ يحميني"، هذا كان لسان حال حمد بن عيسى ولازال، فيما سلمان كان يردد "لنا حقٌ قإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل".
انقسمت المعارضة انقساماً قد يوصف بالحاد، هناك من آمن بعدم قدرته على التعايش مع الأسرة وقرر المضي في إسقاط النظام برمّته، وهناك من قال إن هناك حلولاً وسط تتمثل في الملكية الدستورية الحقيقية، أما سلمان فكان يُمثّل الفرصة الأخيرة لهذا الحل، الفرصة الأخيرة لتعايش بين الأسرة وغالبية الشعب الناقمة عليهم نظراً لما يتمتع به من شعبية وقدرة إقناع، وتعلم سفارات الدول الكبرى أن الناس بدأوا يجنحون نحو خيار الإسقاط بدلاً من الإصلاح بشكلٍ خاص بعد اعتقال زعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان، وقد يؤدي الحُكم عليه بالسجن إلى سقوط هذا الخيار إلى غير رجعة.
ليس القاضي علي الظهراني خصماً لزعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان، هو يعلم إنه أصغر من أن يكون خصماً لشخص كسلمان بل سيبقى -الظهراني- عبداً مأموراً يُملى عليه الحُكم بحق زعيم المعارضة وفقاً لتوازنات وحسابات قد تكون مُعقّدة.
وزير العدل خالد بن علي آل خليفة أيضاً ليس خصماً لزعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، وأقصى حدوده مناكفة رئيس تحرير صحيفة الوسط منصور الجمري عبر تويتر، خصم سلمان هو حمد بن عيسى ومن يقف خلفه مسانداً في الرياض، الشيخ علي سلمان يعلم ذلك، ويعرف أن هذه المحاكمة سياسية بامتياز قبل المرافعة الداعشية للنيابة العامة ممثلة بأسامة العوفي، وقبل بيانات المنظمات الحقوقية الدولية.
سيقف سلمان كما عهدناه شامخاً، سيسير في الطريق الذي اختطه لنفسه، وعلى العهد الذي عاهد به ربّه قبل شعبه عشية 14 فبراير/شباط 2002 في النادي الأهلي حينما قال "عهدٌ بيني وبين لباس رسول الله، إنني في اليوم الذي أخشى من أحد، أميرٌ أو ملك، أنزع هذه العمامة وأترك هذا الدرب".
لدى سلمان قوّة الإرادة، والصلابة الكافية لتحمّل حُكمٍ قاسٍ قد يصدر بحقّة من محكمة حمد بن عيسى، سيتقبل ذلك محتسباً وراضياً بقضاء الله وقدره، لا يرى سلمان نفسه بأفضل من قادة المعارضة داخل السجن، ولا يرى روحه أغلى من أرواح الشهداء الذين سقت دماءهم أرض أوال الطاهرة، لكن السؤال الذي يجب أن يُسأل حقّاً، هل يملك حمد بن عيسى جرأة الحُكم على زعيم المعارضة البحرينية، وهل يحتمل حقّاً تبعات الحُكم الذي قد يصدر، وهل تحتمل أسرة آل خليفة تبعات القضاء على آخر حُلم ممكن للتعايش مع غالبية شعب البحرين؟